ليزيكو: مكتبة الأخطاء.. ذاكرة الجشع والاحتيال والإفلاس

صورة لمكتبة الأخطاء / The library of mistakes الصور من https://www.libraryofmistakes.com/
افتتاح "مكتبة الأخطاء" عام 2014 استغرق التحضير له 24 شهرا (موقع المكتبة)
في قلب مدينة إدنبرة الأسكتلندية تستضيف غرفتان صغيرتان مكتبة من نوع خاص جدا.. مئات الآلاف من الصفحات المتعلقة بمعاملات المحتالين والعمليات المدمرة وغيرها من المضاربات، كما أوردت صحيفة ليزيكو الفرنسية.

وقال الصحفي أدريان غومبو إن فكرة هذه المكتبة ظهرت على أنقاض أزمة عام 2008، وصاحبها شخص فضولي هو البروفيسور راسل نابيير الذي يرأس صناديق "ميدويند" الدولية والاستثمار الأسكتلندي، وهو أيضا مؤلف كتاب عن الأزمات الأميركية بعنوان "تشريح الدب". 

وذكر أن افتتاح "مكتبة الأخطاء" -الذي تم عام 2014- استغرق التحضير له عامين، وتم بفضل التبرعات الخاصة وتبرعات الشركات، وهو يضم الآن ما يقرب من 3000 مجلد.

وأوضح الكاتب أن بعض هذه المجلدات قديم ونادر، ويشمل الدعوى القضائية المرفوعة على مديري بنك مدينة غلاسكو، بعد إفلاسه عام 1878 وعلى مساهميه البالغ عددهم 1200 شخص.

وفي هذه المكتبة -وفقا لغومبو- مجلدات تستحضر بعض الكوارث البعيدة، مثل فقاعة بحر الجنوب لجون كارسويل الذي كان يحلل هبوط جمعية البحر الجنوبي وانهيار سوق لندن عام 1720، والذي كان هو نفسه ضحية تقلبات السوق.

ويستحضر كاتب التقرير مقولة إسحق نيوتن "يمكنني حساب حركة الأجرام السماوية، ولكن لا يمكنني حساب جنون البشر".

وتشمل هذه المكتبة أيضا -يقول الكاتب- دراسات لحالة حديثة وبناءة مثل قصة "ون تل" وهي شركة هاتف أسترالية تدعمها عائلة مردوخ، تبخرت أحلامها بإفلاسها أوائل عام 2000 حيث خسرت نحو 950 مليون دولار، وكان شعارها "سوف تحدث به أصدقاءك".

وفي السير الذاتية المتعلقة بالاحتيال، توجد بهذه المكتبة الوظيفة المذهلة للدكتور سافندرا، حيث يحكي جون كونيل ودوغلاس ساذرلاند تفاصيل مناورات إميل سافوندرا الذي ظهر ستينيات القرن الماضي وحكم عليه في قضية احتيال واسعة النطاق، وفقا لغومبو.

قصاصات.. جلسات محاكمة
وعلى الرفوف داخل هذه المكتبة يكتشف الكاتب أشياء مثيرة للفضول مثل كتاب "عام 2000" بعلم المستقبليات الذي كتبه هيرمان كان وأنتوني وينر عام 1967، ويكتسب قيمته في ضوء الأزمات. 
فكرة المكتبة ظهرت على أنقاض أزمة عام 2008، وصاحبها شخص فضولي هو البروفيسور راسل نابيير الذي يرأس صناديق ميدويند الدولية والاستثمار الأسكتلندي، وهو أيضا مؤلف كتاب عن الأزمات الأميركية بعنوان تشريح الدب
"

كما يمكن أن يطالع الداخل إلى المتحف خاتمة كتاب "بازار النقود" الذي نشره مارتن ماير عام 1984، التي تقول "نحن نشهد أفول البنوك. وسيكون العرض أكثر جاذبية إذا رأينا فجر المؤسسات التي ستحل محلها".

ويقول راسيل نابيير صاحب فكرة المتحف إن بعض المجلدات تأتي من مجموعته الخاصة، ويضيف "اشترينا مجلدات من سوق الفرص الواسع على الإنترنت، ومع ذلك، وبعد أربع سنوات من الاستحواذ، لا يزال ربع المكتبة يأتي من تراث ستيوارت هاميلتون أستاذ المحاسبة بكلية الأعمال في لوزان المتخصص بتشريح جثث الشركات".

بالإضافة إلى كتبه، فإن "غرفة ستيوارت هاملتون" -حسب الكاتب- تضم محفوظاته المثيرة للإعجاب، كالقصاصات الصحفية ومحاضر جلسات المحاكمات، بالإضافة إلى ملف سميك يدعى ببساطة "سقوط رولز-رويس". ويحتوي كذلك على صندوقين كبيرين بهما آثار من بنك بارينغز الذي قضي عليه عام 1995، بينما تحتل شواهد احتضار أنرون عام 2001 مجموعة كاملة من الصناديق الثقيلة.
تعطش للمكاسب السريعة
ويقول نابيير "معظم الأخطاء التي تتعلق بالمال والديون تبدأ بالتفريط وتحمل ديونا أكثر من اللازم، وهي أخطاء مشهودة طوال التاريخ وما تزال تتكرر إلى هذا اليوم".
بعض هذه الأخطاء -كما يقول- تدفع دولا بأكملها إلى الإفلاس مع عواقب وخيمة على المجتمع، وفي الحالات القصوى تؤدي إلى الحروب. ويضيف "كل شيء عادة ما ينبع من العوامل البشرية. فالإنسان غير قادر على مقاومة نشوة المكاسب السريعة، مما يؤدي به إلى تجاهل عواقب خياراتها على المدى البعيد".
زائر مكتبة الأخطاء يشعر بالدوار لكثرة ما يشاهده بالغرفتين المفتوحتين اللتين تشبهان صندوق العجائب، فهما تعجان بالخسارة والهبوط وإمبراطورية من الديون والفشل وسنوات من الضعف والانهيار
 
ويستشهد صاحب فكرة المتحف بدانيال كانيمان الحائز على جائزة نوبل عام 2002 والذي تقع أعماله عند ملتقى الاقتصاد وعلم النفس، حيث يقول "المشاعر البسيطة مثل الجشع أو الخوف تلعب دورا أساسيا في تاريخ الأخطاء".
وعلى جدران مكتبة المحتالين هذه تعرض إعلانات تجارية لشركة أنرون وأذونات خزانة صينية قديمة أو افتتاحية "فيتشبورغ سانتينل" بتاريخ 31 يوليو/تموز بعنوان "بونزي لن يسلم أسرار شركته" أو برج صغير يمثل برج بيزا أو بوصلة بدون عقارب تزين المدخنة، وفقا للكاتب.
ويسوق غومبو ما توصل إليه نابيير حيث يقول "علمت أن كل جيل يؤمن بإخلاص أن أخطاء الماضي هي خطأ أسلاف أقل تعليما. الغطرسة تقودنا إلى الاعتقاد بأننا وصلنا إلى مستوى أعلى من الفهم يحمينا من الأخطاء، لكننا لن نتوقف أبدا عن خداع أنفسنا. نظرا لأننا نعتقد أننا سنجد حلولا أكثر، فكلما تضاعف اليقين لدينا يكون ذلك بالضبط مصدر الأخطاء".
هل كل المعرفة باطلة؟
وقال الكاتب إن الزائر لمكتبة الأخطاء يشعر بالدوار لكثرة ما يشاهده في الغرفتين المفتوحتين اللتين تشبهان صندوق العجائب، فهما تعجان بالخسارة والهبوط وإمبراطورية من الديون والفشل وسنوات من الضعف والانهيار. وتظهر على الأغلفة رسائل ومنحنيات تتجه نحو القاع ودولارات محترقة وسفن جانحة، فالقصة كلها عبارة عن سلسلة من الأزمات.. وعندما تكررت الأخطاء إلى الأبد، فمعرفة كل شيء تصبح بلا قيمة.
ويخلص الكاتب مع نابيير إلى أن "دراسة تاريخ الأخطاء محدودة الفائدة إذا كنا نتطور في نظام يدفعنا إلى ارتكابها، خاصة إذا كان هذا النظام لم يتغير أبدا".
ولهذا، يرى أصحاب المكتبة أن "مكتبة للنجاحات ستكون أكبر بكثير من مكتبتنا" حيث تمكنت البشرية من عمل أشياء كثيرة، تشملها اليوم المكتبات في العالم، مشيرا إلى أن هذا هو السبب في تجاهل الفشل أو إهماله. 
مكتبة إدنبرة لها شقيقة صغيرة بالهند الآن في جامعة فلام الخاصة في بيون، كما يعمل محسن سويسري على تأسيس فرع جديد لها في لوزان

ويقول "مكتبتنا تأتي هنا لتذكرك بأن عليك الاحتفال بنجاحاتك والتعلم من الأخطاء، لدراسة القرارات الجيدة والسيئة بنفس القدر من الاهتمام".

وذكر الكاتب أن مكتبة إدنبرة للأخطاء لها شقيقة صغيرة في الهند الآن في جامعة فلام الخاصة في بيون، كما يعمل محسن سويسري على تأسيس فرع جديد لها في لوزان. 
وقال نابيير إن الأشخاص الذين يرغبون بإنشاء مكتبات أخطاء جديدة يتصلون بهم بانتظام من قبل، مشيرا إلى أن التفكير بمجال المالية في مأزق، والناس يبحثون عن آفاق فكرية جديدة.
المصدر : ليزيكو