غوغل احتفل بذكرى ميلاده.. قصة حياة شاعر أفريقيا والعروبة محمد الفيتوري

أثار الفيتوري كثيرا من الجدل وسط نقاد الشعر والأدب العربي، وغلب على قصائده وكتاباته الأدبية طابع الثورة والتمرد على الموروثات القديمة، وجمع بين الأفريقية والعربية في قالب فريد.

الشاعر الراحل محمد مفتاح الفيتوري
الشاعر الراحل محمد مفتاح الفيتوري (الجزيرة)

يحتفل غوغل، عملاق محركات البحث في الإنترنت، الأربعاء 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بذكرى ميلاد الشاعر السوداني الراحل محمد الفيتوري.

والفيتوري شاعر ودبلوماسي ليبي الأب سوداني الأم، أثار كثيرا من الجدل وسط نقاد الشعر والأدب العربي، وغلب على قصائده وكتاباته الأدبية طابع الثورة والتمرد على الموروثات القديمة، وجمع بين الأفريقية والعربية في قالب فريد.

المولد والنشأة

  • 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1936: ولد محمد مفتاح رجب الفيتوري، في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور بالسودان.
  • والدته سودانية، ووالده ليبي هو الشيخ مفتاح رجب الفيتوري، وكان خليفة صوفيا على الطريقة الشاذلية العروسية الأسمرية.
  • رحل في صباه مع أسرته إلى الإسكندرية التي حفظ فيها القرآن الكريم، ثم إلى القاهرة للدراسة في كلية العلوم بالأزهر.
  • عقب إكماله دراسته الجامعية عمل محررا أدبيا في عدد من الصحف المصرية والسودانية.
  • عين خبيرا إعلاميا في الجامعة العربية في الفترة 1968-1970، ثم مستشارا ثقافيا في السفارة الليبية بإيطاليا.
  • شغل منصب المستشار والسفير في السفارة الليبية بالعاصمة اللبنانية بيروت، ثم مستشارا سياسيا وإعلاميا بسفارة ليبيا في المغرب.

سحب جوازات سفره

  • عام 1971: سحبت حكومة جعفر النميري الجنسية السودانية منه، وسحبت منه جواز السفر السوداني انتقاما من قصائد كتبها ضد النظام آنذاك.
  • تبنّته الجماهيرية الليبية وأصدرت له جواز سفر ليبيّا، حيث ارتبط الفيتوري بعلاقة قوية بالعقيد معمر القذافي.
  • عام 2011: بسقوط نظام القذافي، سحبت منه السلطات الليبية الجديدة جواز السفر الليبي، وبالتالي فقد امتيازاته ومعاشه.
  • أقام بعدها في المغرب مع زوجته المغربية في ضاحية سيدي العابد، جنوب العاصمة الرباط.
  • عام 2014: عادت الحكومة السودانية ومنحته جواز سفر دبلوماسيّا.

التجربة الشعرية.. هجر الأوزان والقافية

نال الفيتوري مكانة متميزة في الشعر العربي، إذ يعد من أوائل مجددي المفردة والصورة والشكل في الشعر.

وهو من رواد الشعر الحر الحديث، ففي قصيدة "تحت الأمطار" نجده يتحرر من الأغراض القديمة للشعر كالوصف والغزل، ويهجر الأوزان والقافية، ليعبر عن وجدان وتجربة ذاتية يشعر بها.

وقد ركز في شعره على الجوانب التأملية، وعكس رؤيته الخاصة المجردة تجاه الأشياء من حوله، مستخدما أدوات البلاغة والفصاحة التقليدية والإبداعية. ففي قصيدة "معزوفة درويش متجول"، يقول الفيتوري:

في حضرة من أهوى عبثت بي الأشواق

حدقت بلا وجه ورقصت بلا ساق

وزحمت براياتي وطبولي الآفاق

عشقي يفني عشقي وفنائي استغراق

مملوكك لكني سلطان العشاق

برز الفيتوري صوتا شعريا متفردا ومختلفا منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى رحيله.

تم تدريس بعض أعماله ضمن مناهج آداب اللغة العربية في مصر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كما تغنى ببعض قصائده مغنّون كبار في السودان.

شكلت الهويات التي ينتمي إليها أصواتا متباينة داخل قصيدته، فهو ممجد لأفريقيا، ومغن بصوت العروبة وأحلامها وانكساراتها، وكان منفتحا على الثقافات الإنسانية، ومناديا بالتمرد.

جمع بين الانتماءين الأفريقي والعربي في قالب فريد، وعالج عددا من القضايا في أشعاره، حاملا هموم المواطن العربي، وخاصة الحرية التي هي الأصل عنده، بينما الأحداث الأخرى عوارض:

أمس قد مرّ طاغية من هنا

نافخا بوقه تحت أقواسها

وانتهى حيث مر

قال عنه رفيق دربه الشاعر تاج السر الحسن إن الفيتوري شاعر سوداني أصيل، ودوره في الشعر السوداني والحركة الثقافية الحديثة مهم وكبير، وفيه تتداخل الانتماءات السودانية والمصرية والليبية.

الروائي والناقد عيسى الحلو يرى أن الفيتوري قائد الكتابة الشعرية على مستوى الوطن العربي، لأنه امتاز بموهبة كبيرة وفهم عميق للشعر على المستوى العربي والأفريقي والكوني، وقد استطاع أن يعطي القصيدة العربية المعاصرة بعدا أفريقيا وكونيا في آن، إلى جانب قدرته الكبيرة على شحن المفردة الشعرية القديمة بمدلولات جديدة.

للفيتوري تجربة سياسية اختلف حولها النقاد، فقد ناضل ضد حكومتي إبراهيم عبود وجعفر النميري، إلا أن مواقفه وأشعاره في القذافي تجعل التساؤل عن موقفه من الأنظمة الاستبدادية أمرا مشروعا.

مؤلفات وأوسمة

أثمر زهاء 20 ديوانا، إذ بدأ عام 1955 بديوان "أغاني أفريقيا"، وتواصل إلى 2005 بديوان "عريانا يرقص في الشمس".

من مؤلفاته أيضا: "عاشق من أفريقيا" سنة 1964، و"اذكريني يا أفريقيا"، و"سقوط دبشليم"، و"معزوفة لدرويش متجول"، و"سولارا"، و"البطل والثورة والمشنقة"، و"أقوال شاهد إثبات"، و"ابتسمي حتى تمر الخيل"، و"عصفورة الدم".

كتب مسرحية "ثورة عمر المختار" عام 1974، ودراسة "عالم الصحافة العربية والأجنبية" عام 1981.

صدرت له دراسة "الموجب والسالب في الصحافة العربية" (1986)، و"أحزان أفريقيا" (1966)، و"شرق الشمس.. غرب القمر" (1985)، و"يأتي العاشقون إليك" 1989، و"قوس الليل.. قوس النهار" (1994).

حصل الفيتوري على "وسام الفاتح" الليبي، و"الوسام الذهبي للعلوم والفنون والآداب" بالسودان.

المرض والوفاة

عام 2005، أصيب الفيتوري بجلطة دماغية، أعقبتها جلطتان متواليتان، انتقل على إثرهما إلى فرنسا لتلقي العلاج، غير أنه كان قد فقد ذاكرته جزئيا وأصيب بشلل نصفي.

عام 2012، تعرض لكسر في الحوض إثر سقوطه داخل بيته بضاحية العاصمة الرباط، واستغرق علاجه 10 أيام غادر بعدها المستشفى إلى بيته.

يقول الفيتوري منشدا شعور العجز والتيه "ما بيدي أن أرفعك.. ولا بها أن أضعك.. أنت أليم.. وأنا أحمل آلامي معك.. وجائع.. ومهجتي جوعها من جوعك.. وأنت عار.. وأنا.. ها أنذا عار معك.. يا شعبي التائه.. ما أضيعني، وأضيعك.. ما أضيع الثدي الذي أرضعني.. وأرضعك.. يا ليته جرعني سمومه.. وجرعك".

يوم الجمعة 24 أبريل/نيسان 2015، توفي الفيتوري عصرا في مستشفى الشيخ زايد بالعاصمة المغربية الرباط عن عمر ناهز 85 عاما، بعد معاناة طويلة مع المرض.

المصدر : الجزيرة + ويكيبيديا