"مي تو".. انتفاضة نسائية ضد التحرش
حركة نسائية اجتماعية مناهضة للتحرش وكافة أنواع العنف الجنسي ضد النساء، قامت منذ انطلاقتها بفضح عشرات الرجال المتهمين بالاعتداء والتحرش الجنسي في مجالات، من بينها الترفيه والسياسة والأعمال، واضطرت عشرات الشخصيات البارزة لترك العمل أو أقيلت من مناصب رفيعة، وبدأت الشرطة تحقيقات في بعض الاتهامات المتعلقة بالاعتداءات الجنسية التي كشفتها الناشطات في هذه الحركة الناشطة أساسا في فضاءات التواصل الاجتماعي.
في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2017 أطلقت الممثلة الأميركية أليسا ميلانو وسما عبر حسابها الشخصي على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي بعنوان "Me too" (أنا أيضا)، وقالت في تغريدة لها على هذا الوسم "إنه يمثل دعوة بسيطة وقوية للفت الانتباه". وطالبت النساء بمشاركة قصص التحرش والاغتصاب والاعتداء التي تعرضن لها في حياتهن من أجل تسليط الضوء على معاناتهن.
وحظي طلب ميلانو بتفاعل كبير جدا جعل الوسم محط اهتمام العالم عبر مشاركات متنوعة صدرته على قمة التغريد العالمي، وفي سابقة انتقل الوسم ذاته للتفاعل على منصات لم تكن تشارك عادة مثل إنستغرام وسناب شات.
وشهد الوسم جرأة في المشاركات وتضامن النساء مع بعضهن البعض في التصدي لمثل هذه الاعتداءات بحق النساء، كما عرضن بعض قصص التحرش التي واجهتهن في الحياة.
وسرعان ما انطلق الوسم مثل النار في الهشيم محققا انتشارا واسعا عبر قارات العالم ومتصدرا قائمة التغريد العالمي، وخلال يوم واحد كانت نساء العالم وفي أكثر من ثمانين دولة يستخدمن نفس الوسم ويروين قصصهن مع التحرش بالعديد من لغات العالم، بما فيها العربية والفرنسية والهندية والفارسية والإسبانية، فضلا عن الإنجليزية.
انتفاضة نسائية
تحولت دعوة أليسا ميلانو من مجرد وسم على تويتر إلى انتفاضة نسائية عمت أرجاء العالم، وحركت المياه الراكدة بشأن موضوع ظل محاطا بستار حديدي من الكتمان بحسب ما تقول الناشطات النسائيات.
وطالبت بعض السيدات الرجال بالاعتراف بعدد الإساءات التي مارسوها بحق النساء في الشارع والعمل والأماكن العامة وغيرها حتى يتم التسامح فيما بينهم وفتح صفحة جديدة دون تحرش.
في المقابل، كان لبعض الشباب مشاركاتهم الداعمة للنساء في حملتهن إلا أن بعضهم حملوا النساء أنفسهن مسؤولية الجزء الأكبر لما يتعرضن له من اعتداءات وتحرشات كما يصفونها "جزء صغير من حالات التحرش لأن الشاب بلا تربية، والجزء الأكبر لأن الفتاة شبه عارية وبلا تربية".
وبدأت فكرة الوسم إثر الفضيحة التي هزت هوليود بعد تقارير صحفية كشفت أن المنتج السينمائي الشهير هارفي وينستن الذي فازت أفلامه بعشرات جوائز الأوسكار يتحرش بالنساء، وله سوابق عديدة في الاعتداء عليهن على مدار الأعوام الثلاثين الماضية، وتعمقت فضيحة وينستن بعد اتهامه من أكثر من خمسين امرأة -من بينهن الممثلات أنجلينا جولي وجوينيث بالترو وآشلي جاد وروز ماكغوان- بجرائم تتراوح بين التحرش الجنسي والاغتصاب بعد تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز عن عدد من الشكاوى ضده.
ورغم نفي وينستن (65 عاما) التهم المنسوبة إليه فقد قررت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة في لوس أنجلوس -وهي عمليا أعلى هيئة بعالم هوليود- طرده، في حين قالت فرنسا إنها ستعيد النظر في وسام منحته له.
وسرعان ما تحولت أصداء فضيحة وينستن إلى ظاهرة عالمية عبر حملة "مي تو" شاركت فيها مئات آلاف النساء حول العالم، وفتحن خلالها صناديق الأسرار السوداء لأركان السياسة والمال والنفوذ في الولايات المتحدة وأوروبا.
وكانت الانعطافة الأكثر إثارة في حملة "مي تو" مع وصول الاتهامات إلى أصحاب النفوذ من السياسيين، في ظل مشاركة مئات الآلاف وربما الملايين في وسم "أنا أيضا "(#Me Too) وبعد مشاركات قياسية في كل العالم تحكي كل واحدة منها قصة للتحرش، حيث كان لافتا تصريح وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالشتروم ضمن مشاركتها في ذلك الوسم بأن هناك تحرشا جنسيا في الأوساط السياسية العليا، وأنها "تعرضت لذلك شخصيا".
وفي بريطانيا أمرت رئيسة الوزراء تيريزا ماي بالتحقيق في زعم أن وزير الدولة للتجارة الدولية مارك غارنييه تحرش بسكرتيرته، وانتقل الجدل بعد ذلك لنائبها والرجل الثاني في الحكومة داميان غرين الذي اتهمته أستاذة جامعية شابة بلمس ركبتها، وتبعت ذلك استقالة وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون بعد اتهامات له، بينها واحد من زميلة له في الحكومة.
كما علق حزب العمال المعارض عضوية النائب كلفن هوبكنز (76 عاما) على خلفية اتهامات طالت سلوكه تجاه شابة ناشطة في الحزب تدعى آفا اعتماد زاده، كما كتبت الصحف البريطانية تقارير تتهم 36 برلمانيا آخر بسلوكيات غير ملائمة، كما تحدثت الأمم المتحدة عن تلقيها عشرات الادعاءات بأشكال من التحرش الجنسي ضمن مؤسساتها.
وفي أواخر فبراير/شباط 2018 أجبرت "مي تو" جاستن فورسايث نائب مديرة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) على الاستقالة عقب شكاوى عن سلوك غير لائق بحق موظفات أثناء عمله في منصبه السابق مديرا تنفيذيا لمنظمة "سيف ذا تشيلدرن" (أنقذوا الأطفال) البريطانية.
وجاءت استقالة نائب مديرة اليونيسيف بعدما شكوى ثلاث موظفات من أنه بعث إليهن رسائل نصية غير لائقة وأدلى بتعليقات على ملابسهن، وقد اعتذر فورسايث للموظفات الثلاث بشأن الوقائع المذكورة.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلنت مجلة تايم أنها اختارت الحركة الاجتماعية التي تجسدت في وسم "مي تو" على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر "شخصية" مؤثرة في عام 2017.
وقال رئيس التحرير إدوارد فيلسينثال لبرنامج توداي على شبكة "إن بي سي" "هذه أسرع حركة تغير اجتماعي شهدناها منذ عقود، وبدأت بتصرفات فردية شجاعة من مئات النساء وبعض الرجال أيضا الذين قرروا أن يحكوا قصصهم". وأشار فيلسينثال إليهم بأنهم من "كسروا حاجز الصمت".
ورغم القبول الواسع والانتشار الكبير لحملة "مي تو" وما تركته من تأثيرات في المجتمعات الغربية تحديدا فقد بدأت بعض الأصوات الرافضة لها تظهر في الأوساط الغربية، حيث نددت الممثلة الفرنسية كاترين دينوف و99 امرأة فرنسية أخرى في يناير/كانون الثاني 2018 بردود الفعل الغاضبة ضد الرجال المصاحبة لها، وقلن إن حملة "مي تو" المناهضة للتحرش الجنسي وصلت حد "التزمت" وأججتها "كراهية الرجال".
وقالت النساء المئة -ومن بينهن دينوف (74 عاما) إحدى أشهر نجمات السينما في فرنسا- في عمود نشر بصحيفة لوموند اليومية "هذه الدعوة لإرسال الرجال إلى المذبح بدلا من مساعدة النساء على أن يكن أكثر اعتمادا على الذات تساعد أعداء الحرية الجنسية". وأضفن أن حق الرجل في "قليل من التحرش" بامرأة جزء أساسي من الحرية الجنسية، ووصفن الحملة بأنها "متزمتة".