هل أنا بحاجة للذهاب إلى الطبيب النفسي؟

لعلّك تمرّ بأوقات صعبة من حياتك في هذه المرحلة من عمرك، أو لعلّ أحد الأشخاص الذين تهتمّ لأمرهم أخبرَك أكثر من مرّة أنّك بحاجة لمراجعة طبيبٍ نفسيّ. أو لعلّك تشعر بأنّ الأمور ليسَت على ما يُرام وأنّك أصبحتَ غريبًا عن نفسك ولَم تَعد تُشبه الإنسان الذي كُنتَ عليه من قبل. أو أنّ طِباعك السيّئة في شخصيتك قد تسبّبت لكَ بخسارة أحد الأصدقاء أو بانفصال عاطفي أو تسبّب لك بالحرج أمام زُملاء العمل أو الفشل في مهنتك.

وأيًّا كان السبب الذي أتى بكَ إلى هنا، والذي جعلك تسأل: هل أنا بحاجةٍ إلى طبيبٍ نفسي؟ فأنتَ في المكان الصحيح. إذا كُنتَ تُريد خطوات مُباشرة ومُوجَزة لتحديد الإجابة عمّا إذا كان يتوجّب عليك الذهاب إلى طبيبٍ نفسيٍّ أم لا، فأكمل قراءة هذا المقال. وننصحكَ أيضًا بقراءة النُسخة المُوسّعة هُنا من هذا المقال إذا أردتَ أن تفهم بشكلٍ مُعمّق لماذا من المهم الكشف المُبكّر عن حاجتك للذهاب إلى الطبيب النفسي، وما هي أهمّية تحديد الطبيب النفسي وكيف سينعكس ذهابك للطبيب النفسي على نفسك.

ماذا تفعل حين تمرّ بوقت صعب وتشكّ أنّك بحاجة لمراجعة طبيب نفسي؟

  • أولا: حاول أن تقيّم درجة مرضك ومدى سوئه

ربّما تساعدك الأسئلة المفتاحية التالية في تقييم ما تمرّ به بدقّة، وتفريق السلوك الطبيعي عن غير الطبيعي في تقييمك:

  • إلى أي مدى يعطّل ما أنت فيه حياتك اليومية؟ وإلى أي مدى يأخذ من وقتك وطاقتك؟
  • هل غيّرت من نمط حياتك وعاداتك وشخصيتك بسبب هذه الحالة؟
  • هل يعتبر ما أنت فيه أمرا غريبا بالنسبة إلى من حولك؟ هل أبدَوا استياءهم أو قلقهم مما أنت فيه؟
  • هل يشكّل ما أنت فيه خطرا على نفسك وعلى الآخرين من حولك على المديين قصير الأمد وطويله؟

إنّ من أهمّ المشكلات التي تجعل التعامل مع الحالات النفسية المختلفة أمرا صعبا هي عدمُ معرفتها أصلا، وعدم المعرفة المقصود هنا هو عدم تسمية الانفعالات والسلوكات بمسمّياتها وعدم الوعي بأسبابها. التأمّل الذاتي والوقوف مع النفس كأنّك تراقبها ككيانٍ منفصل عنك ودون حكمٍ عليها، هي خطوة أولى ممتازة نحو الحلّ، فالحكم على الشيء فرع عن تصوّره، والمشاعر والانفعالات هي بمثابة البيانات التي تنتظر تحليلا عقلانيّا وموضوعيّا لتتحول إلى معلومات يمكن توظيفها والتعامل معها.

  • ثانيا: يمكنك دائما الذهاب للاستشارة حتى دون أسبابٍ مُلحّة وواضحة

مراجعة الطبيب لا تعني تشخيص مرضٍ بالضرورة. هذه حقيقة علمية وعملية يجب إدراكها. وكما أنّ الإنسان قد يذهب إلى طبيب قلب حين يشعر بأعراض تتعلق بالقلب (مثل تسارع النبضات أو ألم الصدر) ليتأكد من وجود مرض أو لا، فإنّ الطبيب النفسي لا يجب أن يشخّص مرضا في جميع من يزوره، بل هو يركّز على أخذ سيرة مرضية كاملة، والاطّلاع على الحالة بشكل متكامل قبل أن يقرر وجود مرض من عدمه، ثمّ يقرر كذلك فيما إذا كانت الحالة تستدعي وصف علاج دوائي أو غير دوائي أو كليهما معا.

الذهاب إلى الطبيب النفسي للتأكد من أيّ خللٍ نفسي أو شعور ضاغطٍ أو تغيّرٍ ملحوظ، هو فعلُ عنايةٍ بالنفس وحفظٌ لها، كما أنّ من حفظ الجسد والعناية به أن نقوم بفحوصات دورية للتأكد من خلوّه من الأمراض.

  • ثالثا: جرّب إجراء بعض التغييرات على نمط حياتك

يكمن سبب ازدياد شدّة الحالة النفسية السلبية أحيانا فيما تولّده من اختلال في عادات الحياة اليومية (كاضطراب النّوم، وعدم ضبط عادات الأكل، والتوقف عن ممارسة الرياضة). تشكّل هذه الجوانب الثلاثة أحجار أساسٍ لصحّتنا العامة، ويمكن لضبطها أن يُسهم في تحسين قدرتنا على تحمّل الضغط، وتقليل شدّة المعاناة النفسية (من اكتئاب أو قلق أو غيرها)، وهذا مُثبتٌ في العديد من الدراسات عبر التاريخ.

لا يكفي ضبط العادات اليومية (من تناول غذاء صحي، وممارسة الرياضة، وضبط النوم) في علاج المرض، لكنه قد يساعد في مساعدتنا على أن نُفرِّق بين الحالة النفسية التي تستلزم علاجا متخصصا من جهة، وحالات الضغط النفسي اليومية التي يمكن التعامل والتأقلم معها عبر الحفاظ على نمط حياة صحي.

من جهة أخرى، يمكن لإدخال ممارسات معينة، مثل التأمّل بشكل يومي، وتنظيم الوقت، وتخصيص وقت للهوايات والترفيه عن النفس، وأخذ استراحات من مُسبّبات القلق (كالعمل والدراسة)، ورؤية الأصدقاء، من الممكن لها كلها أن تساعد بوصفها إستراتيجيات تأقلم وبناء مناعة نفسية تجاه الضغط النفسي.

  • رابعا: استشر صديقا أو شخصا تثق به، وحاول ألّا تبقى وحيدا

للدعم الاجتماعي ارتباط كبير ودور مهم في تحسين مآلات الاضطرابات النفسية، وتحسين الصحة النفسية والجسدية بشكل عام كذلك (1) (2) ، وللوحدة آثار سيئةٌ على النفس البشرية خصوصا على المدى الطويل. لذلك، يبدو أن عدم البقاء وحيدا خلال معاناتك النفسية هو إستراتيجية جيدة، ولا تقلّ أهمية عن تغيير نمط حياتك نحو الأفضل. هذا لا يعني طبعا أن تتحدث عن معاناتك مع جميع من تعرف، لأن ذلك قد يؤدي إلى آثار عكسية، لكنه يعني أن تُبقي دوائرك الاجتماعية فعّالة، وأن تستشيرَ شخصا تثق به عند الحاجة، وتثق بحكمته وقدرته على مساعدتك في اتخاذ القرار الصحيح.

  • خامسا: لا تكن قاسيا على نفسك

إنّ من السهولة بمكان أن ينزلق المرء نحو جلد الذات حين يمرّ بوقتٍ سيئ وقاسٍ، فقسوة الحياة تستدعي قسوتَنا على أنفسنا أحيانا بوصفها وسيلة دفاع سريعة تخفّف من قلق مواجهة الحقيقة بعض الشيء. لكن الحقيقة هي أنّنا جميعا معرّضون للإصابة بالمرض النفسي، بلا استثناء.

وهذا ما تبيّنه أبحاث كثيرة في جميع أنحاء العالم (3) (4). وللاضطراب النفسي أسبابٌ متعددة، منها البيولوجية والنفسية والاجتماعية، كثيرٌ منها ليس تحت نطاق سيطرتنا، وحتى لو كانت سلوكات الإنسان قد أسهمت في نشأة الحالة المَرَضية، فإنّ من الجيدِ العطفَ على النفس وتفهّم ما آلت إليه، حيث إن جلد الذات فعلٌ غير منتج، بل وقد يجعل الأمر أسوأ بكثير.

من نافلة القول التأكيد على أنّ هذا لا يعفي الإنسان من مسؤوليته تجاه نفسه، إلّا أنّ المسؤولية نفسها هي ما تتطلّب التعامل بطريقة أكثر نضجا من جلد الذات، بالتفهّم والبحث عن الحل والمساعدة دون مكابرة. في مثل هذه الحالات، تظهر قيم المسؤولية والتواضع وتتّضح أهميتها.

  • سادسا: احرص على اختيار طبيب أو معالج جيد

الطبيب الجيّد يزيد من فرص التعافي والاستفادة من العملية العلاجية على مختلف المستويات. وفي الطب النفسي، تزداد قيمة هذا الاختيار ، لأنّ بعض أوجه العملية العلاجية تعتمد على المهارات السريرية الخاصّة وعلى شخصية الطبيب/المعالج. قد تساعدك توصيات من تثق بهم أو المراجعات المتاحة على الإنترنت أو قراءة السيرة الذاتية للطبيب/المعالج في اتخاذ هذا القرار بأفضل الطرق الممكنة.

وإذا كُنتَ تُريد أن تعرف كيف تختار الطبيب أو المعالج النفسي المُناسب، فننصحُكَ بأن تطّلع على مقالنا الآخر بعد انتهائك من هذا المقال: كيف أختار الطبيب النفسي أو المعالج النفسي المناسب؟

  • سابعا: حضّر نفسك وحدّد أهدافك وتوقّعاتك من العلاج

يفشل العلاج أحيانا بسبب عدم اتفاق توقعات الشخص مع واقع الجلسات العلاجية، وما ينتج عنها. إنّ الرحلة العلاجية النفسية هي مسيرة شاقّةٌ في بعض جوانبها، تتخلّلها مواجهات مباشرة مع النفس ومكامن ضعفها وقصورها، كما تتطلّب جاهزية مبدئية للتغيير ومحاسبة الذات لتطويرها للأفضل وردم فجوة الخيال بين الواقع والمأمول.

من المهمّ أن تعرف أنّ في العلاج النفسي أوقاتٌ صعبة، لكنه وبكل تأكيد يستحق تحمّل ذلك. والالتزام به يعبّر عن تعاملٍ ناضجٍ ومثاليّ مع مشكلة قد تصيب أيّا كان. حاول أن تُحضِّر أسئلتك وأفكارك قبل لقاء الطبيب، وأن تبني تصوّرا برفقته/ـا عن الآمال الواقعية والأهداف الممكن تحقيقها بعد مُدّة من العلاج، واسْعَ لذلك. قد يحتاج الطبيب لإجراء بعض الفحوصات المخبرية لاستبعاد الأسباب العضوية التي قد تكون سببا للحالة النفسية قبل التشخيص ووضع الخطة العلاجية.

من المهم أيضا أن تعرف حقوقك بصفتك مريضا، فلك كامل الحقّ في الخصوصية خلال الجلسات، وكامل الحقّ في الحفاظ على سرية المعلومات، وكذلك في احترام الطبيب/المعالج لك واستماعه إليك ومنحك الفرصة الكاملة للحديث ثم السؤال والفهم في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالتشخيص والخطة العلاجية. يمكن لك أن تصطحب صديقك أو أي شخص تحبّ إلى الطبيب، فهذا قد يمنحك المزيد من الثقة والأريحية.

أدوات قد تساعدك

  • فيديو

في هذا الفيديو، يشرح استشاري الطب النفسي د. عبد الله السبيعي بعض المفاهيم العامة، ويجيب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالطب النفسي ومتى ينصح بزيارة الطبيب.

  • كتاب
كتاب

يُعدّ كتاب "العقل فوق العاطفة"، وهو مترجم عن (Mind Over Mood)، لبروفيسورَيْ علم النفس السريري "كريستين باديسكي" و"دينيس غرنيبرغر"، أحدَ أهمّ الكتب التي تشرح أساسات العلاج المعرفي السلوكي للإنسان العادي غير المتخصص. وفيه العديد من الأمثلة والتطبيقات التي من الممكن الاستفادة منها في الحياة اليومية للمساعدة في التغلب على المشكلات النفسية والضغوطات اليومية ومراقبة الأفكار والمشاعر والسلوكات من أجل التحكم فيها.

_____________________________________________

المصادر:

  1. (1) Riahi, M. E., Aliverdinia, A., & Pourhossein, Z. (2011). Relationship between social support and mental health. Social Welfare Quarterly, 10(39), 85-121.
  2. (2) Harandi, T. F., Taghinasab, M. M., & Nayeri, T. D. (2017). The correlation of social support with mental health: A meta-analysis. Electronic physician, 9(9), 5212.
  3. (3) Kessler, R. C., Aguilar-Gaxiola, S., Alonso, J., Chatterji, S., Lee, S., Ormel, J., … & Wang, P. S. (2009). The global burden of mental disorders: an update from the WHO World Mental Health (WMH) surveys. Epidemiologia e psichiatria sociale, 18(1), 23.
  4. ثمانية أسئلة مع طبيب نفسي
المصدر : الجزيرة