بوتين في بيلاروسيا.. لدعم الحليف الإستراتيجي أم تعزيز "خطوط الدفاع" ضد أوروبا؟

الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو (يمين) مستقبلا نظيره الروسي فلاديمير بوتين (الفرنسية)

موسكو- أثارت الزيارة غير المتوقعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بيلاروسيا مجموعة واسعة من التساؤلات والافتراضات حول أهدافها، ودلالاتها من حيث التوقيت والظروف، ولا سيما أنها تأتي بعد مرور 3 أعوام على زيارته الأخيرة إلى مينسك، وهي الفترة التي تخللتها مستجدات خطيرة على مستوى العلاقات الثنائية والتحديات المشتركة.

ويرجح مراقبون روس أن يقوم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو باستغلال هذه الزيارة لتحديد المفاصل الإشكالية في العلاقات بين البلدين، وفي الوقت نفسه إرسال إشارات إلى الغرب بأنه لا يريد حرق الجسور معه.

ورغم أن السكرتير الصحفي للرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أوضح أن جدول الأعمال سيشمل "اللوحة الكاملة للعلاقات الثنائية والتعاون التجاري والاقتصادي، والتي تشكل ملف تكامل بين البلدين" فإن وصول وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إلى مينسك للمشاركة بالمحادثات، قد يعطي القمة الروسية البيلاروسية بعدا إضافيا.

ويتجاوز هذا البعد الحدود التقليدية للتعاون العسكري بين البلدين، وصولا إلى تحديث مقاربة هذا الجانب، من زاوية المعطيات الجديدة لتطورات الحرب ضد أوكرانيا، والتحديات المرتبطة بدخول الغرب بشكل مباشر على الخط.

وكان لافتا -في هذا السياق- تسليط وسائل إعلام أوكرانية وغربية الضوء على الظهور العلني المشترك لبوتين ووزير دفاعه بشكل متكرر الآونة الأخيرة، ووضعه في سياق الاستعدادات لمرحلة جديدة من الحرب، وذلك على ضوء مشاركة الرئيس في اجتماع مطول مع قادة الجيش لبحث الوضع حول أوكرانيا، ووصول شويغو إلى مينسك بعد يوم واحد من زيارته لمنطقة "العمليات الخاصة" وقد حلّق خلالها فوق المواقع الروسية هناك بمروحية.

تحالف قديم

وتتمتع روسيا وبيلاروسيا بعلاقات توصف بالتحالفية، وترتبطان بأكثر من 300 معاهدة واتفاقية ثنائية في مختلف المجالات.

ومن الناحية الفعلية، تعتبر بيلاروسيا أقرب بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، ودول رابطة الدول المستقلة، إلى روسيا من حيث تقارب المواقف السياسية وقوة التعاون الاقتصادي.

وتشترك معها، من جملة أمور أخرى، في النظرة السلبية تجاه السياسات الغربية، وعلى رأسها قضية توسع الناتو شرقا.

ويتعاون البلدان في إطار رابطة الدول المستقلة (منذ عام 1991) ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي (منذ 2002) والاتحاد الجمركي (منذ 2010) والفضاء الاقتصادي المشترك (منذ 2012). ومنذ العام 2015 أصبحا أعضاء بالاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والذي يضم أيضا كازاخستان وأرمينيا وقرغيزستان.

علاوة على ذلك، تقدم روسيا بانتظام قروضا إلى بيلاروسيا لتعزيز استقرارها المالي، بما في ذلك سداد ديون الدولة وتجديد احتياطيات الذهب والعملات الأجنبية.

ومنذ عام 2008، منحت الحكومة الروسية لبيلاروسيا 8 قروض على الأقل. واعتبارا من يونيو/حزيران 2019، بلغ حجم ديون بيلاروسيا على القروض الحكومية المقدمة من الاتحاد الروسي 7.55 مليارات دولار، ووفق البيانات الرسمية الروسية، لم يترتب على مينسك، حتى اليوم، أي التزامات تتعلق بتأخر السداد.

كما أن روسيا هي المورد الرئيسي للنفط والغاز إلى بيلاروسيا، حيث تعمل مصافي النفط بهذه الجمهورية السوفياتية السابقة على المواد الخام الروسية. وبالنسبة لمينسك، فإن إعادة تصدير النفط الخام والمكرر الوارد من روسيا وغير الخاضع للرسوم هو أحد المصادر الرئيسية لدخل الصادرات.

روسيا وبيلاروسيا تتمتعان بتحالف قديم وبينهما مئات الاتفاقيات (الفرنسية)

قضايا معلقة

وبحسب الباحث في شؤون رابطة الدول المستقلة فلاديمير كوشول، فإن زيارة بوتين دليل على العلاقة الخاصة بين مينسك وموسكو. وفي إطارها، ستتم مناقشة جدول التكامل في قطاع الغاز، الذي تشتكي منه بيلاروسيا، علاوة على قضايا التكامل الزراعي والصناعي والطاقة والاقتصادي الأخرى، وأسعار الصرف.

ويلفت الخبير الروسي -في حديث للجزيرة نت- إلى أن زيارة بهذا المستوى كانت مطلوبة لتسريع عمليات الاندماج، مضيفا أن لوكاشينكو سيستفيد، بالتأكيد، من زيارة بوتين لتسمية القطاعات التي تواجه مشاكل، والعمل على حلها بشكل سريع.

ويتابع الخبير أنه من غير الممكن إنكار الأهمية الرمزية والسياسية لزيارة بوتين "النادرة" إلى بيلاروسيا، والتي عادة ما تكون إلى بلدان صديقة وحليفة بشكل لا لبس فيه.

رسائل تحذير

من جانبه، أوضح الخبير العسكري فلاديمير كيرياكين أن هذه الزيارة ستعزز التحالف العسكري بين روسيا وبيلاروسيا، وسترفع من القدرة الدفاعية للدولتين، بحيث تجعل "المعتدين المحتملين" يفكرون مليا قبل الإقدام على أي استفزاز أو عمل عسكري ضدهما.

ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن القوات البيلاروسية تشكل جزءا مهما من التجمع الإقليمي للقوات الروسية والبيلاروسية، الذي تم إنشاؤه عام 2000، ونظرا لأهميتها، تقام بانتظام مناورات عسكرية مشتركة، حيث يعتبر أحد المجالات التي يكون فيها التفاعل العسكري بين البلدين أكثر إنتاجية، فضلا عن توفيره لغطاء عسكري وأمني مشترك، لافتا إلى أن بيلاروسيا أهم شريك إستراتيجي لموسكو.

لكن هذا الخبير العسكري ينفي وجود توجه لدى موسكو لـ "جر" مينسك لتداعيات الحرب مع أوكرانيا، وذلك لأسباب موضوعية، من بينها عدم موجود مصلحة لروسيا في فتح جبهة جديدة، حتى لو تطلب الموقف تنفيذ هجوم على كييف عبر الجبهة الغربية.

ويدعم الخبير الروسي رأيه بأن الجيش البيلاروسي، إضافة للاعتبارات السابقة، غير قادر على تحمل تبعات فتح جبهة جديدة عبر أراضيه، فضلا عن أن ذلك يستلزم تجديد الدعوة للتعبئة في روسيا التي تحاول تجنبه في كل الأحوال.

لكنه يشير إلى أنه من الممكن أن يكون بوتين قد قرر فحص "خطوط الدفاع الغربية" فروسيا في حالة حرب ليس مع أوكرانيا، ولكن مع الناتو، ومن المهم هنا إظهار أن الرئيس يريد أن يكون كل شيء تحت السيطرة.

المصدر : الجزيرة