مشهد يتكرر بعد 20 عاما.. إسرائيل تحاصر نابلس وتفرض المعاناة على نصف مليون فلسطيني

عاطف دغلس- اسرائيل عملت على عزل الاحياء داخل القرية الواحدة عن بعضها زيادة في التضييق والحصار على نابلس- حي المسعودية ببرقة بعد عزله عن القرية- الضفة الغربية-نابلس- منطقة المسعودية -الجزيرة نت13
طفل يعبر مع عائلته حاجزا ترابيا أقامته قوات الاحتلال نحو مدرستهم غرب مدينة نابلس (الجزيرة نت)

نابلس – 7 أيام عجاف مرت والاحتلال الإسرائيلي يضرب حصارا مطبقا وعقابا جماعيا على نابلس، كبرى مدن شمال الضفة الغربية، غير آبه بمعاناة حوالي نصف مليون فلسطيني يقطنون المحافظة أو تقطيع أوصالها عن بعضها وباقي مدن الضفة.

في صورة لم تنسها نابلس ولم يغادر الإغلاق ذاكرة أهلها منذ عام 2000 إبان انتفاضة الأقصى، ولم تزل شواهده حاضرة حتى اللحظة عند مخارج المدينة ومداخلها عبر أكثر من 10 حواجز ونقاط وبوابات عسكرية. فضلا عن "سدات ترابية" (إغلاقات) نصبها الاحتلال عقب عملية فدائية نفذها مقاومون فلسطينيون وقتلوا جنديا إسرائيليا قرب مستوطنة "شافي شمرون" شمال المدينة.

وهناك في قرية دير شرف (قرب مكان العملية) حيث وجه المدينة الغربي مغلق، عاشت الجزيرة نت معاناة المواطنين وهم يجتازون مشيا ساترا ترابيا ضخما وُضع بعرض الشارع الممتد لنحو 20 مترا، نجحنا في التقاط بعض الصور قبل أن يداهم جنود الاحتلال الحاجز ويضيقوا علينا.

عاطف دغلس- الااغلاق والحصار إجراء اتخذه الاحتلال الاسرائيلي مطلع الانتفاضة الثانية بعد العام 2000- الضفة الغربية- بيت لحم- جانب من جدار الفصل وحاجز عسكري بالقرب منه -الجزيرة نت10
الإغلاق والحصار إجراءٌ اتخذه الاحتلال الإسرائيلي مطلع الانتفاضة الثانية بعد عام 2000 (الجزيرة)

وعن قرب عشنا ألم الإغلاق، وبدد حزننا نجاح أحد المواطنين في الفرار بسيارته التي أوقفها الجنود وصادروا مفتاحها عقابا له بعدما حاول اجتياز السدة الترابية بها.

وكذلك فعلت سيدة ترجلت من مركبة خاصة وقطعت الحاجز مشيا قبل عودة الجنود الذين يمنعون ذلك غالبا، وإلى جانبها يمر 3 طلبة جامعيين وهم يجرّون حقائبهم فوق التراب وصولا لمركبة أخرى تنتظرهم عند الجانب الآخر من الحاجز.

ويسير الطلبة وآذانهم تصغي لتحذيرات المواطنين لهم من مباغتة جنود الاحتلال الذين تخفوا خلف الحاجز وأصابعهم على زناد البنادق.

عاطف دغلس- امراة تجتاز الحاجز الترابي غرب نابلس قرب قرية دير شرف - الضفة الغربية- نابلس- ديرشرف -الجزيرة نت2
سيدة فلسطينية تجتاز الحاجز الترابي قرب قرية دير شرف غربي نابلس (الجزيرة)

معاناة مركّبة

لم نتمكن من الحديث مع الطلبة، فهم يسابقون الزمن لاجتياز الحاجز، لكن مهدي عرايشي سائق المركبة العمومية الذي أقلّهم أخبرنا أنهم قدموا أمس من مدينة الخليل، وتفاجؤوا اليوم بأن التعليم إلى نهاية الأسبوع سيكون إلكترونيا، فعادوا أدراجهم.

وأكثر رهبة وقتامة من الحاجز، بدت صورة المحال التجارية والمنشآت الاقتصادية وهي مغلقة على جانبي شارع دير شرف المعروف بحيويته كأحد مداخل نابلس الرئيسية ونقطة اتصالها بمدن الشمال الفلسطيني، وكيف أصبح المكان موحشا في ظل توقفها عن العمل.

 

 

"وليس العمال وحدهم، بل نفتقد الكل من المتسوقين والزوَّار وحتى أهالي قرية دير شرف"، يقول نعيم زعنون صاحب أحد المخابز قرب الحاجز، ويضيف أنه بينما تقترب عقارب الساعة من التاسعة صباحا، أنتج 50 رغيفا من أصل 300 رغيف كان يعدها في مثل هذا الوقت قبل الإغلاق.

ووسط جهود دولية تبذل لتخفيف الحصار، تسعى إسرائيل للتضيق أكثر على نابلس، وتقول إن الاغلاق ساعد في منع وقوع عمليات فدائية، وزعمت أنها سحبت تصاريح 164 عاملا فلسطينيا في إسرائيل من المدينة من أقارب منفذي تلك العمليات.

خسائر فادحة

وتواجه دير شرف والمنطقة الغربية بأكملها انتكاسة اقتصادية كبيرة، فالعشرات يمنعون الوصول لأماكن عملهم، في وقت أدى فيه الإغلاق لتوقف أكثر من 40 منشأة اقتصادية، وحتى المزارعون حرموا الوصول لأكثر من 3500 دونم (الدونم يعدل ألف متر مربع) مزروعة بالزيتون في موسم قطافه الذي بدأ فعلا هذه الأيام.

ويقول شادي أبو الحلاوة رئيس مجلس قروي دير شرف إنهم يقدرون خسائر تلك المنشآت التجارية بأكثر من نصف مليون دولار حتى الآن، وإن الأخطر هو عزل نحو 30 منزلا بسكانها في المنطقة الغربية للحاجز.

وبهذا العزل لم يعق الاحتلال تنقلهم وخاصة طلبة المدارس، بل تزداد خشيتهم من أن يصبحوا هدفا لجيش الاحتلال ومستوطنيه، وهو واقع عاشه الشاب عنان الناصر أحد سكان المنطقة بكل تفاصيله إبان الانتفاضة الثانية عام 2000 ويرويه لأطفاله اليوم "وكأن مشهد عذاب الفلسطيني على يد الاحتلال لا يتوقف عن الدوران"، يقول الناصر للجزيرة نت.

ولا يقل شرق مدينة نابلس عن غربها حصارا، وكذلك الشمال والجنوب، ولم يركن الاحتلال للحواجز القديمة فحسب، بل فعَّل نقاطا عسكرية أخرى في أكثر من مكان، وأغلق وعزل أحياء عن بعضها داخل قرى المدينة، وهو ما سهَّل اقتحام المستوطنين واعتداءاتهم لها كما في قريتي حوارة جنوب المدينة وبرقة شمالها.

المستوطنون قادمون

هناك عند حاجز "بيت فوريك" شرق نابلس، "الأسوأ" كما بات يصفه سكان المنطقة، تشاهد طوابير المركبات المحتجزة على طول كيلومترين، وسط إجراءات تتعدى الحجز والتفتيش إلى التنكيل والقهر.

وبيت فوريك يعد المتنفس الوحيد لأكثر من 25 ألف نسمة يقطنون قرى بيت دجن وبيت فوريك، ويذوقون عنده صنوفا من العذاب، أشدها منع من هم غير سكان القريتين من دخول الحاجز.

محمد أبو ثابت (40 عاما) يروي للجزيرة نت كيف تعرض للتعذيب لساعات بعد أن أوقفه جنود الاحتلال وهو في طريقه لقريته بيت دجن الأسبوع الماضي، وأنزلوه من مركبته وقيَّدوا يديه وأعصبوا عينيه ثم ضربوه بعنف، وقبل أن يطلقوا سراحه حطموا هاتفه المحمول وأعطبوا إطار مركبته.

 

 

ويغادر أبو ثابت، كما قال لنا، منزله في السادسة صباحا، ويعود في الثالثة عصرا وقد تمتد للواحدة والنصف من فجر اليوم التالي وهم محتجزون كما حدث قبل أيام.

أما الموظفون لا سيما المعلمين فمعاناتهم أمرّ وأقسى، فبينما يقول الاحتلال إنه يسمح بمرورهم عبر الحواجز ضمن أوقات محددة، لا يسقط ذلك أرضا، ويسلك كثيرون طرقا فرعية، كما تفعل أم حمزة المعلمة في بلدة بيتا جنوب نابلس.

تقول أم حمزة وهي واحدة من نحو 500 معلم ومعلمة من نابلس وقراها يغادرون نابلس ويدخلون إليها نحو مدارسهم يوميا، إن ادعاء الاحتلال تسهيل مرور المعلمين ليس واقعا، فلا يمكن حصر ووصول جميع المعلمين في الوقت المحدد للحاجز، إضافة لتعامل الجنود الإسرائيليين بمزاجية مع المواطنين.

ضغط لنبذ المقاومة

وبإغلاق المدينة وحصارها لا ترمي إسرائيل "لعقاب جماعي" للسكان فقط، كما يقول خبراء مطلعون، بل تضغط على المواطنين لينبذوا أعمال المقاومة التي ما هي إلا "دفاع عن النفس" أمام تغوُّل الاحتلال.

وليس ثمة فارق كبير يراه الفلسطينيون بين هذا الحصار وذاك الذي تعرضت له نابلس ومدن الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية 2002، غير أنه الآن "حصار خانق" من كل النواحي، يقول الباحث في مؤسسة "ييش دين" (يوجد قانون) الحقوقية الإسرائيلية منير قادوس.

وإسرائيل، يقول قادوس، تمارس حصارا مطبقا لم تكتف عبره بنشر حواجز متحركة أو تفعيل الحواجز الثابتة عند مداخل المدينة ومخارجها الرئيسية والتشديد من إجراءاتها العسكرية عليها، بل ضيَّقت الخناق على كل المسارب والتفريعات المؤدية للمدينة، وأغلقتها بسواتر حجرية وأخرى ترابية.

ويضيف للجزيرة نت أن الفلسطينيين اليوم يخشون أن تتحول هذه الحواجز إلى مصائد للتنكيل بالفلسطينيين واعتقالهم، ومهاجمة المستوطنين لهم رفقة جنود الاحتلال وتحت حمايتهم، "وهذا لم نشده في الانتفاضة الثانية".

عاطف دغلس- منشأة تجارية أغلقت أبوابها بظل الاغلاق الذي يشهده مدخل نابلس الغربي الاكثر حيوية- الضفة الغربية- نابلس- ديرشرف -الجزيرة نت9
منشأة تجارية أغلقت أبوابها في ظل الطوق الأمني الإسرائيلي الذي يشهده مدخل نابلس الغربي الأكثر حيوية (الجزيرة)

وتعدى خطر المستوطنين قطع الأشجار وحرقها وسرقة محاصيل المزارعين لا سيما ثمار الزيتون، إلى ملاحقة الفلسطينيين في الشارع والأرض وداخل منازلهم والاعتداء عليهم، "حتى صار الفلسطيني يخشى الخروج من منزله ومن مدينة لأخرى"، يضيف قادوس.

وقادوس نفسه يواجه صلفا إسرائيليا عبر حاجز حوارة جنوب نابلس، الذي لا يبعد عن قريته بورين سوى كيلومتر واحد وبضع دقائق، لكنه صار يتكبد مشقة السفر 8 كيلومترات للوصول لمنزله.

وحتى هذه الطرق والتفرعات التي يستخدمها الفلسطينيون للوصول لقراهم ومدنهم، والتي عرفت في الانتفاضة الثانية بـ"الطرق الالتفافية"، باتت أكثر خطرا بعد أن تحولت لبؤر استيطانية أو أراض زراعية للمستوطنين.

وعلى الأرض تضرب إسرائيل طوقا شاملا على محافظة نابلس، وفي سمائها تنشر عديد كاميرات المراقبة، في وقت لا تنفك فيه الطائرات الزنانة (المسيرات) تُحلِّق في سمائها منذ أكثر من أسبوعين.

المصدر : الجزيرة