"قنبلة بيئية موقوتة".. تغيّر المناخ يهدد المياه الجوفية في العالم

Bottles tied with ropes are lowered into an almost dried well in Bhaktapur April 4, 2013. Nepal has been facing an acute water crisis with a large portion of the Nepalese population lacking access to safe and adequate drinking water, local media reported. REUTERS/Navesh Chitrakar (NEPAL - Tags: SOCIETY)

محمد الحداد

يبدو أن تغيّر المناخ لم يظهر بعد كل تأثيراته خاصة على المياه الجوفية التي يتوقع باحثون أن تتأثر نصف طبقاتها في العالم بشدة من آثار هذا التغير خلال المئة عام المقبلة، وفق نتائج أول تقييم للمدة التي يمكن أن تستغرقها المياه الجوفية للاستجابة لتأثيرات تغير المناخ في أجزاء مختلفة من العالم.

وأظهرت نتائج الدراسة التي نشرت مؤخرا في دورية "نيتشر كلايمت تشينج" الأسبوع الماضي، أن العالم قد يواجه "قنبلة بيئية موقوتة" إذا لم تتم مواجهة تغيّر المناخ والتكيف مع آثاره.

وأوضحت أن المناطق الجافة والقاحلة من العالم يمكن أن تستغرق المياه الجوفية فيها وقتا أطول حتى تتأثر بتغير المناخ والضغوط الأخرى، مثل تغير استخدام الأرض واستخدام مضخات المياه.

استغرق إعداد الدراسة خمسة أعوام، وأعدها فريق من الباحثين في جامعة كارديف البريطانية. واستخدم الباحثون نتائج نموذج المياه الجوفية عن طريق الحاسب الآلي، بالإضافة إلى قواعد البيانات الهيدرولوجية لتحديد الجداول الزمنية التي تستجيب خلالها أنظمة المياه الجوفية لتغير المناخ.

عملية التغذية
وتشكل المياه الجوفية أكبر مصدر للمياه العذبة في العالم، ويعتمد عليها أكثر من ملياري شخص حول العالم في الشرب أو ري الأراضي الزراعية. وتتكون المياه الجوفية تحت الأرض في التربة أو في الشقوق بين الصخور الرسوبية.

undefined

وتحدث عملية تغذية الأرض بالمياه حين يدخل الماء إلى الأرض عندما تمتص التربة مياه الأمطار والرطوبة، ليتم سحبها نحو الأسفل بواسطة الجاذبية الأرضية. وتستغرق العملية قرونا حتى تستقر المياه في الخزان الجوفي.

وبمجرد وصولها إلى باطن الأرض، تملأ المياه الجوفية تلقائيا طبقات الصخور المسامية والرواسب التي يمكن أن تحمل الماء. وفي النهاية تتدفق المياه الجوفية إلى مجاري المياه والبحيرات والأنهار والمحيطات فيما تعرف بعملية التصريف، وهي العملية التي يمكن أن يتم الإسراع فيها صناعيا عن طريق استخدام مضخات المياه.

وإذا حدثت تغيرات في عملية التغذية بسبب تغير المناخ، مثل أن تنخفض كمية تساقط الأمطار مما يعيق عملية تجديد الخزان الجوفي، فإن مستويات المياه في باطن الأرض ستبدأ بالتغير.

كما يؤثر التغير في استخدام الأرض سلبيا على عملية تجديد الخزان الجوفي، مثل تحويل الغابات إلى مراع. إذ إن الأنواع النباتية المختلفة ترسل كميات مختلفة من الرطوبة إلى الغلاف الجوي عن طريق التبخر، مما يؤثر بدوره على تغيير كمية المياه التي تستخدم في إعادة تغذية الخزان الجوفي.

مناطق مهددة
وكشفت الدراسة أن المياه الجوفية عموما في المناطق الرطبة والأكثر رطوبة قد تستجيب لتغير المناخ على مدد زمنية أقصر بكثير من المناطق الجافة وشبه الجافة التي يكون فيها الماء أكثر ندرة بشكل طبيعي وتستغرق وقتا أطول حتى تستجيب لتأثيرات التغيرات المناخية على المياه الجوفية.

وتشمل المناطق الأكثر عرضة للتغيرات في المناخ المناطقَ الرطبة وشبه الرطبة، مثل منطقة الأمازون وإندونيسيا وأجزاء من وسط أفريقيا. وفي بعض هذه المناطق فإن تغير المناخ لن يستغرق مدة أطول من عشر سنوات حتى يؤثر بشكل كامل على تدفقات المياه الجوفية.

undefined

وتحذر الدراسة من خطورة وضع المياه الجوفي في العديد من المناطق الجافة مثل قطاع غزة في فلسطين، حيث تعاني طبقات المياه الجوفية بالفعل من ضغوط كبيرة نتيجة الاستهلاك المفرط للمياه الجوفية، وارتفاع معدلات التلوث، وتوغل مياه البحر، مما يجعل نسبة 4% فقط من المياه الجوفية من طبقة المياه الجوفية الساحلية في غزة صالحة للشرب.

كما يتوقع الباحثون أن يؤدي الإفراط في استخراج المياه الجوفية في طهران في إيران إلى غرق الأرض بمعدل يصل إلى 25 سنتيمترا في السنة.

العرب أمام تحد مائي
وأوضح المؤلف الرئيسي في الدراسة والأستاذ في كلية علوم الأرض في جامعة "كارديف" مارك كوثبرت أن الدراسة "تركز على حساب وقت استجابة المياه الجوفية على سطح الأرض. وزمن الاستجابة هو مقياس المدة التي تستغرقها أنظمة المياه الجوفية للعثور على توازن جديد من حيث مستويات المياه الجوفية وتدفقاتها. فإذا تغير المناخ تقل كمية المياه اللازمة لإعادة تغذية المياه الجوفية".

وقال كوثبرت للجزيرة نت إن الفريق البحثي وجد أن أوقات الاستجابة تختلف من حيث الحجم اعتمادا على الخواص الهيدروليكية للطبقة تحت السطحية، ومدى ارتباط المياه الجوفية بسطح الأرض.

وأشار إلى أن النتائج أظهرت أن نحو نصف تدفق المياه الجوفية النشط في العالم يمتلك أوقات استجابة تزيد عن 100 عام، وغالبا ما تكون في المناطق الأكثر جفافا في العالم.

ولا تشير الدراسة إلى المواقع الأكثر تعرضا للتهديد من تغير المناخ، وإنما لمدى سرعة استجابة أنظمة المياه الجوفية لأي تغيرات في المناخ. ويوضح كوثبرت أنه رغم وجود مجموعة واسعة من أوقات الاستجابة للمياه الجوفية في مصر والدول العربية الأخرى، فإن هناك مناطق واسعة لها أوقات استجابة طويلة جدا، وهو ما يفرض على دول هذه المنطقة مزيدا من التحديات المتعلقة بالإدارة المستدامة لموارد المياه.

المصدر : الجزيرة