التدخل الإماراتي بتونس.. إستراتيجية لخلط الأوراق

الدور الاماراتي في تونس ليبيا يثير الاستهجان/العاصمة تونس/سبتمبر/أيلول 2014
الدور الإماراتي في تونس يثير الاستهجان (الجزيرة)

خميس بن بريك-تونس

ندد سياسيون ومراقبون في تونس بما أسموه "تدخلا سافرا" في شؤون بلادهم من قبل الإمارات، بعد تسريب وثيقة كشفت عن إستراتيجية لخلط الأوراق وقلب موازين القوى السياسية داخل البلاد، معربين عن أسفهم من عدم فتح تحقيقات قضائية في شبهة التدخل الإماراتي في البلاد.

وبعد إعلان السعودية والإمارات والبحرين مقاطعة قطر، ظهرت وثيقة مسربة على الإنترنت بعنوان "الإستراتيجية الإماراتية المقترحة تجاه تونس" منسوبة إلى مركز الإمارات للسياسات، كشفت عن "خطة إماراتية" لحشر الإسلام السياسي في الزاوية وبسط نفوذ الإمارات في تونس.

وتحتوي الوثيقة على سبع صفحات، وبالرغم من صياغتها المقتضبة قدمت معرفة دقيقة بتطورات المشهد السياسي في تونس. أما الهدف منها فيكشف عن رغبة في التدخل بشؤون البلاد سعيا إلى إضعاف نفوذ حركة النهضة وتهميش دور قطر مقابل خلق أطراف موالية للإمارات.

وأجابت الوثيقة التي أُعدت أول الشهر الجاري عن ثلاثة أسئلة مفصلية تتعلق بمآل الأوضاع في تونس، والسياسات المقترحة لدولة الامارات لتعزيز نفوذها، وتحديد القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في تونس التي يمكن الاعتماد عليها لخلط الأوراق والإمساك بخيوط اللعبة السياسية.

‪الشواشي: الإمارات لعبت دورا مساندا للثورة المضادة‬ (الجزيرة)
‪الشواشي: الإمارات لعبت دورا مساندا للثورة المضادة‬ (الجزيرة)

أهداف مشبوهة
وبحسب مضمونها، تراهن الوثيقة على تشكيل كتلة سياسية موالية لدولة الإمارات عن طريق دعم شخصيات سياسية وأحزاب ومنظمات ووسائل إعلام معارضة للإسلام السياسي، وذلك بالاستفادة من هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد بعد الثورة.

وعن رأيه، يقول الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي المعارض غازي الشواشي للجزيرة نت إن هناك مؤشرات عديدة تثبت حقيقة مضمون الوثيقة المسربة، قائلا "لقد لاحظنا بالملموس كيف لعبت دولة الإمارات دورا مساندا للثورة المضادة لقطع الطريق أمام التحرر في تونس وليبيا".

وعن دورها في تونس، يقول الشواشي إن هناك أدلة تثبت تدخلا سافرا لدولة الإمارات في الحياة السياسية من خلال المساهمة في إرجاع رموز المنظومة القديمة التي أطاحت بها الثورة، والهدف هو "سحب البساط من تحت أقدام الإسلام السياسي الذي تمثله حركة النهضة".

ولا يختلف الأمر في ليبيا، إذ يرى هذا النائب في البرلمان أن دولة الإمارات سعت بعد مساندتها للانقلاب في مصر إلى تعزيز نفوذ الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر عن طريق ضخ المال والسلاح، بالرغم من أن الأخير "يسعى لتقسيم ليبيا وإرساء نظام عسكري شمال شرق البلاد".

وقبل بضعة أيام اتهم تقرير للأمم المتحدة أعده خبراء المنظمة، دولة الإمارات بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا وتقديم مروحيات وطائرات حربية لقوات خليفة حفتر. واستنادا لهذا التقرير لم ترد الإمارات على الطلب الذي تقدم به خبراء الأمم المتحدة لإيضاح الأمر. 

‪العيادي: مؤشرات تدل على وجود بصمة للإمارات في تونس‬ (الجزيرة)
‪العيادي: مؤشرات تدل على وجود بصمة للإمارات في تونس‬ (الجزيرة)

وقائع ملموسة
ويقول الأمين العام لحركة "وفاء" عبد الرؤوف العيادي إن دولة الإمارات معترفة بأنها داعمة للانقلاب على السلطة الشرعية بمصر ومساندة لقوات حفتر، ويضيف أن "هناك مؤشرات على أرض الواقع كشفت وجود بصمة الإمارات في إعادة تشكيل المشهد السياسي في تونس".

وكان العيادي تقدم بشكاية لدى المحكمة على شبهة تورط الإمارات بتمويل حركة نداء تونس التي تقود الائتلاف الحكومي مع حركة النهضة وبعض الأحزاب.

وقال للجزيرة نت إن اتهام الإمارات بضخ المال قد أكده الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي ووزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدو.

كما استدل العيادي بالضجة التي تفجرت بعد تسريب وثيقة جمركية كشفت عن تسلم الرئيس الباجي قايد السبسي سيارتين مصفحتين من الإمارات عقب وصوله الحكم عام 2014، ودعت أحزاب معارضة القضاء إلى فتح تحقيق بشأن التمويل الأجنبي للأحزاب الذي يمنعه القانون.

دور تخريبي
من جهة أخرى، يقول الأستاذ في القانون الدولي والعلاقات الدولية عبد المجيد العبدلي -للجزيرة نت- إن على وزارة الخارجية التونسية أن تتخذ موقفا واضحا من التدخل السافر لدولة الإمارات في شؤون البلاد الداخلية، معتبرا أن ذلك يشكل أمرا خطيرا على مسار الديمقراطية الناشئة.

ويرى أن تسريبات السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة وتقرير الأمم المتحدة عن تسليح الإمارات لحفتر والوثيقة المسربة عن تونس؛ تكشف عن سعي الإمارات للعب "دور تخريبي" في المنطقة.

ويقول "تريد أن تلعب الإمارات دورا أكبر من حجمها لكن تنقصها المؤهلات".

ومثل بقية المتحدثين، يؤكد عبد المجيد العبدلي أنه لا يمكن التعويل على النيابة العمومية على ضوء تلك التسريبات لفتح تحقيق من تلقاء نفسها في التمويلات الأجنبية للأحزاب، موضحا أن النيابة العمومية تخضع إلى إشراف وزير العدل الذي يعتبر جزءا من السلطة التنفيذية. ولم تفتح بعد السلطات القضائية تحقيقا في الأمر.

المصدر : الجزيرة