أحمد الرويسي

أحمد الرويسي (المكنى أبو زكرياء التونسي) - الموسوعة

تونسي امتهن العِرافة وتجارة المخدرات، وبنى علاقات وطيدة مع بعض أركان النظام التونسي السابق، ثم ارتقى به الحال أميرا من أمراء "الدولة الإسلامية" في ليبيا وتونس، وكان أهم المطلوبين للسلطات التونسية بوصفه "الصندوق الأسود للإرهاب"، إلى أن قتل في اشتباكات بليبيا 2015.

المولد والنشأة
ولد أحمد بن محمد بن محمد الرويسي بن طاوس الورتاني (المكنى أبو زكرياء التونسي) يوم 13 أكتوبر/تشرين الأول 1967، ونشأ في حي شعبي بالضاحية الغربية لتونس العاصمة (مدينة طبربة).

لا يُعرف الكثير عن عائلة الرويسي سوى أن أخته -أستاذة الفلسفة زهرة الرويسي- ناشطة في الجبهة الشعبية (ائتلاف يساري)، واشتهرت بتصريحاتها النارية إثر اغتيال الأمين العام للجبهة شكري بلعيد، ثم اختفت من المشهد الإعلامي بعد تداول الرأي العام لدور أخيها في عملية الاغتيال.

وحسب مصادر تونسية، فإن ما كان يميز الرويسي في حيه بمدينة طبربة هو أنه كان "صاحب ذكاء حاد"، ولم تعرف له انتماءات أو ميول سياسية.

التجربة القتالية
لم يكن الرويسي قبل الثورة التونسية سوى "عرّاف" له محل لـ"قراءة الطالع" في شارع "باب بنات" بمدينة تونس العتيقة، وكان يُقدَّم في الصحف التونسية باسم "إيليوس"، ويتميز في مظهره وقتها بشعره الطويل المعقوص (تصفيفة ذيل الحصان).

وبحسب الصحفي عمار النميري -الذي جمعته علاقة صداقة سابقة مع الرويسي- فإن "أحمد الرويسي كان يزور قصر قرطاج (القصر الرئاسي) بشكل دوري لقراءة طالع السيدة الأولى آنذاك ليلى الطرابلسي، الأمر الذي وّسع دائرة معارفه وعلاقاته ودخله المادي، مما سمح له بالسكن في سيدي بوسعيد أرقى ضواحي تونس العاصمة".

وأضاف النميري في تصريحات تلفزيونية "أما عن علاقاته بأصهار الرئيس الأسبق، فقد تطورت مما جعل بلحسن الطرابلسي (شقيق زوجة بن علي) يتوجه إلى أحد سجون العاصمة لإطلاق سراحه في مرات عديدة تم إيقافه فيها بتهم مختلفة، أبرزها الاتجار بالمخدرات".

وفي عام 2006 يبدو أن ليلى الطرابلسي رفعت "حمايتها" عن الرويسي، فقبض عليه في قضية حيازة مخدرات وحُكم عليه بالسجن 14 عاما، إلا أنه تمكن خلال ثورة يناير/كانون الثاني 2011 (التي أطاحت بنظام بن علي) من الفرار من سجن برج العامري القريب من العاصمة التونسية.

وأكد الخبير الأمني يسري الدالي -في تصريحات تلفزيونية- أن أحمد الرويسي سُجن مرارا بعد تورطه في تجارة المخدرات، وكان مسجونا وقت ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

والوثائق الرسمية لوزارة الداخلية تقول إنه فر من السجن مع جملة الفارين من السجون في تلك الأيام، وهو ما تنفيه الوقائع التاريخية وعدد من المصادر الأمنية التي تؤكد أن السجن الذي كان الرويسي مودعا فيه وقت الثورة لم يهرب منه أي سجين، الأمر الذي طرح أسئلة كثيرة بشأن "خروجه" أو "إخراجه" من السجن أيام الثورة، حينما عاشت البلاد حالة من الانفلات الأمني.

أما الخبير الدالي فيرى أن "جهة شديدة النفوذ داخل الدولة" قامت بإخراج الرويسي في تلك الأيام، وعملت على استغلال العلاقات التي أنشأها مع من التقاهم داخل السجن من ذوي التوجه السلفي، ليخترق تنظيم "أنصار الشريعة" عبر إقناعهم بأنه "تائب ونادم على ممارساته القديمة".

ويتفق الدالي مع النميري في أن الرويسي لم يكن يتحرك وحده أو من فراغ وإنما كانت وراءه جهات استخباراتية تحركه، خاصة أن "العرافين" تتشعب علاقاتهم مع الطبقات النافذة، وتُجندهم عادة أجهزة المخابرات لكثرة المعلومات التي تكون بحوزتهم ولقدرتهم كذلك على التأثير في المتعاملين معهم.

ومما عمق الشكوك في صلات الرويسي بأجهزة الأمن ما صرح به السفير التونسي السابق في ليبيا رضا البوكادي من أن الحكومة التونسية الانتقالية برئاسة المهدي جمعة أعلمتها السلطات الليبية بأنها ألقت القبض على الرويسي وأنها مستعدة لتسليمه، ولكنها لم ترد وتجاهلت الأمر.

ويبدو أن هذه المعطيات (المتعلقة بممارسة الرويسي للعرافة، وبصلاته الأمنية الرسمية) لم تكن مجهولة لدى أتباع "الدولة الإسلامية"، إذ نوه حساب على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي (محسوب على هذا التنظيم في ليبيا) في إطار الإعلان عن مقتل الرويسي بـ"استشهاد أبو زكرياء التونسي أحمد الرويسي أمير من أمراء الدولة الإسلامية في ولاية طرابلس، نسأل الله أن يتقبل توبته ويتقبله من الشهداء".

وفي تدوينة أخرى نشر الحساب ذاته تغريدة أعلن فيها "استشهد الرجل الذي كان طاغوتا وأصبح من خير جند الله"، في إشارة إلى معرفة التنظيم بالتاريخ الأمني للرويسي، حيث تستعمل جماعات "السلفية الجهادية" مصطلح "الطاغوت" للإشارة إلى الأجهزة الأمنية الرسمية.

ويقدر مراقبون أن الأجهزة التي كانت وراء الرويسي هي التي وجهته لاختراق التنظيمات "السلفية الجهادية" في تونس خاصة أنها كانت آنذاك في إطار التكوّن وغير مؤطرة، فاستطاع التغلغل في تنظيم "أنصار الشريعة" حتى صار أحد أمراء "ولاية طرابلس" في هرمية تنظيم "الدولة الإسلامية" بليبيا.

استقطب الرويسي عددا مهما من الشباب داخل التنظيم مما مكنه من الانقلاب على القيادي في التنظيم "أبو عياض التونسي"، وتوجيه التنظيم أو جزء منه بشكل سريع إلى العنف والاغتيالات السياسية.

ومن هنا كان ظهور الرويسي أول مرة ضمن المطلوبين في قضية اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد (6 فبراير/شباط 2013)، ففي الأيام التي تلت اغتيال بلعيد نشرت وزارة الداخلية التونسية صورا وأسماء لمتهمين في الحادثة، كان أكبرهم سنًّا الرويسي الذي قُدّم على أنه "العقل المدبر" للاغتيال، ومنذ ذلك الوقت أصبح الرويسي من أهم المطلوبين للأمن التونسي باعتباره "الصندوق الأسود للإرهاب".

لكن هذه المتابعة الأمنية لم تمنع الرويسي من التخطيط والمشاركة في تنفيذ اغتيال المعارض القومي محمد البراهمي (25 يوليو/تموز 2013)، ليختفي بعد ذلك تماما داخل ليبيا التي تركز نشاطه فيها بين مدينتيْ صبراتة والعجيلات (غربي البلاد).

ويرى محللون أن الرويسي قرر البقاء في المنطقة الغربية الليبية قريبا من الحدود التونسية كي يتسنى له التواصل مع شبكاته داخل تونس، إذ كان عنصرا أساسيا في إدخال السلاح لتونس وفي استقبال "العناصر الإرهابية" المطاردة من الأمن التونسي، على عكس أبو عياض التونسي الذي استقر آنذاك في درنة بأقصى الشرق الليبي، وأبو بكر الحكيم القيادي في تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي توجه إلى سوريا.

وظهر اسم الرويسي في الإعلام عدة المرات كان أهمها إثر عملية سيدي علي بن عون في أكتوبر/تشرين الأول 2013 التي قتل فيها ضابطان من الحرس الوطني وأربعة آخرون من رجال الأمن في كمين نصبه "إرهابيون"، حسب السلطات التونسية.

الوفاة
أكدت مواقع إعلامية تابعة لتنظيم "أنصار الشريعة" و"كتيبة عقبة بن نافع" مقتل أحمد الرويسي يوم 16 مارس/آذار 2015 في معركة بين تنظيم "الدولة الإسلامية" وقوات "فجر ليبيا" في سرت شمالي ليبيا. وأكدت مصادر من عائلة الرويسي أن الأمن التونسي أبلغها بمقتل ابنها.

المصدر : الجزيرة + وكالة الأناضول