نفاياتها أجّجت الاحتجاجات ضد قيس سعيّد.. مدينة عقارب وسنوات من التلوث البيئي

تُعدّ عقارب مكبا كبيرا لأنواع مختلفة من النفايات؛ حيث يتم تصريف المياه الصناعية في أراضيها الزراعية. وتضم أكبر مكب لزيت المرجين ولنفايات معاصر الزيتون ومكب "القنة" لتجميع النفايات المنزلية والصناعية بطاقة استيعاب تبلغ 620 طنا يوميا.

تونس.. إضراب ومواجهات بعقارب رفضا لـ"العنف" بحق محتجين
إضراب ومواجهات بمدينة عقارب التونسية رفضا لـ"العنف" بحق محتجين على التلوث البيئي (الأناضول)

تونس- تشهد مدينة عقارب -بمحافظة صفاقس جنوب شرقي تونس- مواجهات بين المواطنين وقوات الأمن على خلفية قرار السلطات الاثنين الماضي (الثامن من نوفمبر/تشرن الثاني) إعادة فتح مكب للنفايات بالمدينة، في مخالفة لقرار قضائي سابق يقضي بغلقه.

وقالت السلطات التونسية إن القرار يأتي لحل مشكلة النفايات المنزلية المتراكمة منذ 40 عاما بالمحافظة. لكنه تسبب في موجة انتقادات واسعة من عدة أطراف حزبية ومنظمات نقابية ونشطاء المجتمع المدني.

وحمّل المحتجون الرئيس قيس سعيّد مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في "العقارب"، بعد خياره اللجوء إلى الحل الأمني الذي أدى إلى وفاة شاب اختناقا بالغاز المدمع، وهو ما تنفيه وزارة الداخلية التونسية التي وصفت الوفاة بالطبيعية.

وتأتي هذه التوترات الاجتماعية والأمنية في مدينة عقارب في ظل أزمة سياسية خانقة تمرّ بها تونس إثر قرارات سعيّد الاستثنائية منذ 25 يوليو/تموز الماضي. والتي أقال بموجبها رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي وجمّد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه.

كما تأتي في ظل مطالبات أطراف عدة في البلاد -وآخرها الاتحاد العام التونسي للشغل وهو المنظمة النقابية الأولى في البلاد- الرئيسَ قيس سعيّد "بتوضيح الرؤية السياسية، وضبط مسار تصحيح حقيقي، ووضع خارطة طريق تنهي المرحلة الاستثنائية".

صورة تجمع الرئيس قيس سعيّد (يمين) ونور الدين الطبوبي رئيس الاتحاد العام للشغل بتونس (مواقع التواصل الاجتماعي)

مدينة عقارب

تقع مدينة عقارب على بعد 20 كيلومترا غربي مدينة صفاقس، ويبلغ عدد سكانها 41 ألفا، حسب آخر تعداد سكاني رسمي سنة 2014.

ويُكسبها موقعها الجغرافي القريب من صفاقس أهمية، حيث توجد عدة منشآت مهمة كالمطار وطريق "تونس- قابس"، والميناء البحري التجاري.

وتمتلك المدينة منطقة صناعية مهمة على مساحة 22 هكتارا، تضم أهم وأكبر المصانع المتخصصة في صناعة الخزف الرملي في البلاد.

كما تتميز المدينة بتنوع منتجاتها الصناعية كصناعة مواد البناء، والخزف، والبلور، والصناعات الميكانيكية والمعدنية والكيميائية والمطاطية، والنسيج والملابس، والأحذية الجلدية، وغيرها.

وتُعدّ عقارب مكبا كبيرا لأنواع مختلفة من النفايات؛ حيث يتم تصريف مياه الديوان الوطني للتطهير دون معالجة داخل محمية "القنة" الطبيعية، وتصريف المياه الصناعية في الأراضي الزراعية بالمدينة.

وتضم أكبر مكب لزيت المرجين ولنفايات معاصر الزيتون، ومكب "القنة" لتجميع النفايات المنزلية والصناعية بطاقة استيعاب تبلغ 620 طنا يوميا.

بداية الاحتجاجات

في 29 أغسطس/آب 2018، نظم عدد من شباب منطقة عقارب مسيرة احتجاجية صامتة بعنوان "خنقتونا" تنديدا بالكارثة البيئية التي تعيشها مدينتهم جراء مكب "القنة" للنفايات، والذي تم استحداثه في قلب المحمية الطبيعية بالمنطقة، إضافة إلى نفايات المصانع وقنوات الصرف الصحي.

وفي 11 يوليو/تموز 2019، أصدرت محكمة الناحية بالعقارب قرارا يقضي بالوقف الفوري لاستعمال المكب "نظرا لمخاطره على صحة المواطنين وحقهم في التمتع ببيئة سليمة، حسب ما تنص عليه أحكام الدستور".

وقضى القرار "بإزالة النفايات التي وقع تجميعها بالمكب خلال 6 أشهر من تاريخ إصدار هذا الحكم القضائي".

وفي السابع من أغسطس/آب 2019، اندلع حريق في أكوام النفايات الموجودة في المكب متسببا في انبعاثات وروائح كريهة أزعجت المواطنين.

وفي الثامن من أغسطس/آب 2019 نفذ عدد من سكان عقارب ونشطاء المجتمع المدني وقفة احتجاجية أمام قصر البلدية منددين بما اعتبروه "إرهابا بيئيا" بحقهم، ومطالبين الأطراف المعنية بتطبيق القانون وتنفيذ قرار غلق مكب "القنة".

وبعد أكثر من عام -في 29 أغسطس/آب 2020- توصل حراك "مانيش مصب" (لست مكبا للنفايات) مع الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات إلى اتفاق يقضي بعمل الوكالة على الحد من انبعاث الغازات والروائح الكريهة من المكب وإتمام قرار غلقه نهائيا سنة 2021، ليعود انبعاث الروائح والغازات بعد 20 يوما من الاتفاق، وفق إعلان الحراك.

 

 

تجدد الأزمة

وفي الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلنت وزارة البيئة التونسية استئناف نشاط مكب "القنة" بعقارب "باعتباره مرفقا عموميا للحد من المخاطر الصحية والبيئية والاقتصادية بالمحافظة".

وحسب بيان وزارة البيئة، تم إقرار الانطلاق في استخراج الغازات ومعالجتها مع مضاعفة عمليات إزالة الروائح والمداواة ضد الحشرات، والشروع في تنظيف ورفع الفضلات المتراكمة في الأحياء والنقاط العشوائية بالمحافظة، وتكثيف عمليات مراقبة نوعية الهواء بموقع المكب ومستوى التلوث الصادر عن المؤسسات الصناعية بعقارب.

وكان الرئيس قيس سعيّد قد "أمر وزير الداخلية توفيق شرف الدين بالتدخل الفوري لوضع حد للأوضاع السائدة في محافظة صفاقس"، وذلك إثر اجتماعه يوم الاثنين (الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري) في قصر قرطاج بكل من وزير الداخلية ورئيسة الحكومة نجلاء بودن، للنظر في الوضع البيئي في تونس وخاصة في صفاقس.

المصدر : الجزيرة