إيران غيت.. المصالح فوق المبادئ
من أشهر الفضائح السياسية التي شهدتها الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن العشرين، إبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي سابقا، وقد خلصت لجان تحقيق أميركية إلى تورط الرئيس السابق رونالد ريغان فيها.
تاريخ
تعرف "إيران غيت " أيضا باسم "إيران كونترا" وينسب اسمها إلى صفقة سرية حيث باعت إدارة الرئيس رونالد ريغان خلال فترة ولايته الثانية إيران أسلحة بوساطة إسرائيلية، على الرغم من قرار حظر بيع الأسلحة إلى طهران وتصنيف الإدارة الأميركية لها "عدوة لأميركا" و"راعية للإرهاب".
وفي المقابل، استخدمت واشنطن أموال الصفقة وأرباحها في تمويل سري لحركة معارضة الثورة المعروفة بـ"الكونترا" التي كانت تحارب للإطاحة بالحكومة اليسارية وحزب "ساندينيستا" الذي كان يحكم نيكاراغوا، وحظي بدعم من الاتحاد السوفياتي سابقا وكوبا.
اتفاق
نص الاتفاق السري بين أميركا وإيران -التي كانت تخوض آنذاك حربا ضد العراق في ذلك الوقت- على تزويد طهران بأسلحة متطورة، تشمل قطع غيار طائرات "فانتوم" وحوالي ثلاثة آلاف صاروخ من طراز "تاو" TOW مضاد للدروع وصواريخ "هوك" أرض جو HAWK مضادة للطائرات مقابل إطلاق سراح مواطنين أميركيين كانوا محتجزين في لبنان.
وتم الاتفاق حينئذ بين جورج بوش الأب، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس ريغان، ورئيس الوزراء الإيراني أبو الحسن بني صدر في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور آري بن ميناشيا مندوب المخابرات الإسرائيلية الخارجية "موساد".
وتمت إجراءات الصفقة ضد قوانين الكونغرس الذي كان يحظر حينها تمويل حركة "الكونترا" وكذا بيع الأسلحة لإيران، إضافة إلى أنها شكلت خرقا لعقوبات الأمم المتحدة على بيع الأسلحة لإيران.
أسلحة
وبموجب الصفقة تم إرسال 96 صاروخا من طراز "تاو" يوم 20 أغسطس/آب 1985 انطلقت من إسرائيل إلى إيران على متن طائرة من نوع "دي سي 8". ويوم 14 سبتمبر/أيلول من نفس العام أرسلت شحنة إضافية تضمنت 408 من نفس الصواريخ، تلتها شحنة حجمها 18 صاروخا مضادا للطائرات من نوع "هوك" انطلاقا من البرتغال وإسرائيل يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني، وتبعها ألف صاروخ "تاو" على دفعتين يومي 17 و27 فبراير/شباط 1986.
ويوم 24 مايو /أيار 1986، أرسل 508 صواريخ "تاو" و240 من قطع الغيار لصواريخ "هوك" إضافة إلى خمسمئة صاروخ "تاو" يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام.
فضيحة
بدأت الفضيحة تظهر إلى العلن بعد نشر مجلة الشراع اللبنانية يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1986تحقيقا حول الموضوع، ذكرت فيه أنه تم اكتشاف هذه العملية السرية بعد إسقاط جسر جوي من الأسلحة على نيكاراغوا.
ثم شهدت القضية تطورات بعد قيام عضو مجلس الأمن القومي الأميركي أولفر نورث وسكرتيره فاون هال، يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، بتمزيق وثائق تربطهم وآخرين بالفضيحة.
ويوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني، اعترف النائب العام الأميركي إيدوين ميس بأن أرباح العملية نقلت بشكل غير قانوني إلى ثوار "الكونترا".
وبعد مواجهة الرئيس ريغان بضغط كبير، أعلن يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني عن تأسيس لجنة رئاسية للقيام بمراجعة خاصة في الفضيحة عرفت باسم "لجنة تاور" التي لم تحدد في تقريرها بشكل حاسم درجة تورط ريغان، لكنها انتقدته يوم 26 فبراير/شباط 1987 لأنه "لم يسيطر على فريقه للأمن القومي".
ورغم نفى ريغان علمه بالعملية، لكن أظهر في الأول من يناير/كانون الثاني 1986 أنه كان على علم بالصفقة بعد الاطلاع على مفكرة الملاحظات اليومية الخاصة به.
ويوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1987، أعلن الكونغرس تقريره النهائي حول القضية، وحمل فيه ريغان المسؤولية الكاملة لما قام به مساعدوه في القضية، واتهم إدارته بممارسة التكتم والخداع وازدراء القانون.
ووجه التقرير يوم 16 مارس/آذار 1988 تسع تهم لأولفر نورث أدين في ثلاث منها هي "الكذب على الكونغرس وتدمير وثيقة رسمية وقبول إكرامية غير قانونية".
قضاء
أصدرت محكمة العدل الدولية يوم 27 يونيو/حزيران 1986 حكما لصالح نيكاراغوا في قضية أنشطة عسكرية وتمويل قوات عسكرية ضدها، بعد دعوى رفعتها ضد واشنطن التي طالبتها المحكمة بتعويض نيكاراغوا عن الأضرار الجسيمة التي تعرضت لها بسبب تمويلها لنشاط حربي ضد حكومتها، لكنها رفضت أداء التعويض.
تداعيات
طرحت الفضيحة عدة تساؤلات أمام الرأي العام ووسائل الإعلام الأميركية حول سلطة الرئيس لإدارة السياسة الخارجية وفق رؤيته دون الحصول على موافقة الكونغرس، هل يمكن له أن يوافق على بيع أسلحة لدولة أجنبية دون موافقة الكونغرس، وما هي السلطة التي يملكها الكونغرس لمراقبة عمل الفروع التنفيذية في الإدارة الأميركية.
وفي المقابل، اعتبر جانب من الرأي العام الأميركي ريغان بعد الحادثة "رجلا وطنيا وليس صاحب فضيحة" بدعوى أنه رغم مخالفته الدستور والتعامل مع إيران المصنفة "عدوة" فإنه نجح فيما فشل فيه سلفه جيمي كارتر، بإطلاق سراح أميركيين من الاحتجاز، ودعم معارضة ضد الشيوعية.