أمين الحسيني
أشهر من تولى منصب الإفتاء في فلسطين، وكان في الوقت نفسه رئيس المجلس الإسلامي الأعلى. لعب دورا مهما في الصراع العربي الإسرائيلي خاصة في سنواته الأولى، وقضى شطرا من حياته مهاجرا في العديد من العواصم العربية والغربية، حتى توفي في لبنان ودفن فيها.
المولد والنشأة
ولد محمد أمين الحسيني عام 1895 في القدس لأسرة ميسورة، وكان والده يهتم بالعلم ويحرص على أن يلتحق أولاده بأشهر المدارس والمعاهد العلمية.
الدراسة والتكوين
تلقى تعليمه الأولي في إحدى مدارس القدس، واختار له والده عددا من العلماء والأدباء لإعطائه دروسا خصوصية في البيت، ثم التحق بكلية الفرير في القدس لتعلم اللغة الفرنسية، وبعد قضاء عامين فيها التحق بالجامع الأزهر في القاهرة.
وخلال دراسته في الأزهر أدى فريضة الحج مع أهله فأطلق عليه لقب الحاج الذي لازمه طوال حياته، وكان لدراسته في مصر وتعرفه على قادة الحركة الوطنية آنذاك أثر في اهتمامه المبكر بالسياسة.
التحق عام 1915 بالكلية الحربية في إسطنبول وتخرج فيها برتبة ضابط صف.
التوجه الفكري
نادى الحسيني بوجوب محاربة الحكم البريطاني والتسلل الصهيوني إلى فلسطين. وكانت له آراء في تنظيم أمور القضاء والمحاكم الشرعية، وأخذ يعمل على تقوية المدارس الإسلامية ودائرة الأوقاف، واجتهد في إنشاء مجلس إسلامي شرعي لفلسطين وحدد صلاحياته ومسؤولياته.
نادى بوجوب اعتبار قضية فلسطين قضية العرب كلهم وقضية العالم الإسلامي، وكان شديدا في مواجهته لسماسرة بيع الأراضي والعقارات الفلسطينية إلى اليهود، واعتبر من يقومون بعمليات البيع هذه خارجين عن الدين الإسلامي ولا يجوز الصلاة عليهم ولا دفنهم في مقابر المسلمين.
الوظائف والمسؤوليات
انتخب مفتيا عاما للقدس عقب وفاة كامل الحسيني المفتي السابق، فأنشأ المجلس الإسلامي الأعلى للإشراف على مصالح المسلمين في فلسطين، وعقد المجلس في المسجد الأقصى مؤتمرا كبيرا عام 1931 سمي المؤتمر الإسلامي الأول، حضره مندوبون من مختلف البلدان العربية والإسلامية.
وأصدر الحسيني فتوى اعتبرت من يبيعون أرضهم لليهود والسماسرة الذين يسهلون هذه العملية خارجين عن الإسلام ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين، كما نشط في شراء الأراضي المهددة بالانتقال إلى أيدي اليهود وضمها إلى الأوقاف الإسلامية.
عقب استشهاد عز الدين القسام عام 1935 اختير الحسيني رئيسا للهيئة العربية العليا التي أنشئت في العام نفسه وضمت مختلف التيارات السياسية الفلسطينية، وكان له دور بارز في ثورة 1936 عن طريق تسهيل دخول المتطوعين الذين وفدوا للدفاع عن فلسطين من مختلف البلدان العربية.
التجربة السياسية
التحق الحاج الحسيني بالجيش العثماني، لكنه بعد مدة قصيرة آثر العمل سرّا مع الثورة العربية فانضم إلى لوائي القدس والخليل، ثم انضم إلى جيش الشريف حسين بن علي بهدف إقامة دولة عربية مستقلة، وذلك إبان الحرب العالمية الأول.
عقب صدور وعد بلفور عام 1917 قرر العودة إلى القدس وبدأ الكفاح ضد الوجود اليهودي والبريطاني هناك، فأنشأ عام 1918 أول منظمة سياسية في تاريخ فلسطين الحديث وهي "النادي العربي" الذي عمل على تنظيم مظاهرات في القدس عامي 1918 و1919، وعقد في تلك الفترة المؤتمر العربي الفلسطيني الأول هناك.
تسببت تلك المظاهرات باعتقاله عام 1920، لكنه استطاع الهرب إلى الكرك في جنوب الأردن ومنها إلى دمشق، فأصدرت الحكومة البريطانية عليه حكما غيابيا بالسجن 15 عاما، لكنها عادت وأسقطت الحكم في العام نفسه بعد أن حلت إدارة مدنية برئاسة هربرت صموئيل محل الإدارة العسكرية في القدس، فعاد إليها مرة أخرى.
رأى الحسيني أن الشعب الفلسطيني لم يكن مؤهلا لخوض معركة عسكرية بطريقة حديثة، فأيد الجهود السياسية لحل القضية الفلسطينية. وفي الوقت نفسه كان يعمل بطريقة سرية لتكوين خلايا عسكرية اعتبرت النواة الأولى التي شكل منها عبد القادر الحسيني فيما بعد جيش الجهاد المقدس.
رفض مشروع تقسيم فلسطين بين العرب واليهود الذي طرح في يونيو/حزيران 1937 وقاومه بشدة، فعملت السلطات البريطانية على اعتقاله، لكنه التجأ إلى الحرم القدسي الشريف، فخشيت بريطانيا من اقتحام الحرم حتى لا تثير مشاعر الغضب لدى العالم الإسلامي، فظل الحسيني يمارس دوره في مناهضة الاحتلال من داخل الحرم.
وبعد اغتيال حاكم اللواء الشمالي إندروز، أصدر المندوب السامي البريطاني قرارا بإقالة الحسيني من منصبه واعتباره المسؤول عن الإرهاب الذي يتعرض له الجنود البريطانيون في فلسطين. واجتهدت السلطات البريطانية في القبض عليه لكنه استطاع الهرب إلى يافا ثم إلى لبنان بمركب شراعي، فقبضت عليه السلطات الفرنسية لكنها لم تسلمه إلى بريطانيا، وظل في لبنان يمارس نشاطه السياسي.
اضطر للهرب من لبنان مرة أخرى بعد التقارب الفرنسي البريطاني، فتنقل بين عدة عواصم عربية وغربية، فوصل أولا إلى العراق ولحق به بعض المجاهدين، وهناك أيد ثورة رشيد عالي الكيلاني، ثم اضطر لمغادرة العراق بعد فشل الثورة فسافر إلى تركيا ومنها إلى بلغاريا ثم ألمانيا التي مكث فيها أربعة أعوام.
طالبت بعض الدول الأوروبية بمحاكمته على أنه مجرم حرب ومن مؤيدي النازية، وضيقت الخناق عليه فاضطر للهرب إلى مصر ليقود من هناك الهيئة العربية العليا مرة أخرى، ويعمل على تدعيم جيش الجهاد المقدس، وتولى مهمة التجهيز والتنسيق والإمداد للمجاهدين. وهناك أنشأ منظمة الشباب الفلسطيني التي انصهرت فيها منظمات الكشافة والجوالة لتدريبهم على السلاح.
أوعزت الحكومة البريطانية إلى الملك فاروق بفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله بعد النكبة الكبرى عام 1948، فشددت عليه الرقابة، وظل على تلك الحال إلى أن اندلعت ثورة 1952 في مصر.
وفي عام 1952 تعاون الحسيني مع قادة الثورة في نقل الأسلحة سرا إلى سيناء، ومنها إلى الفدائيين الفلسطينيين في الداخل، واستمر على هذه الحال حتى قرر عام 1959 الهجرة إلى سوريا ومنها إلى لبنان.
الوفاة
استأنف الحاج محمد أمين الحسيني في بيروت نشاطه السياسي، فأصدر مجلة "فلسطين" الشهرية، وظل في لبنان حتى توفي عام 1975 ودفن في مقبرة الشهداء.