من بينهم تولستوي وهمنغواي.. أدباء ومفكرون عالميون حاضرون بحراك الجزائر!

تولستوي "ينبعث" في حراك الجزائر (الجزيرة)
صورة ليف تولستوي بالحراك لقيت رواجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي ( الجزيرة)

الخير شوار-الجزائر

 

وسط كثير من صور رموز الثورة التحريرية الجزائرية (1954-1962) وزعماء الاتجاهات السياسية المختلفة، فاجأت لوحة الكاتب الروسي ليف تولستوي (1828-1910) وروايته "الانبعاث" انتباه كثير من المثقفين في الجزائر إلى درجة أن الكاتب المترجم للأدب الروسي عبد العزيز بوباكير علّق قائلا: "عجيب.. ليف تولستوي يشارك في الحراك!".
 
حين يحمل أحدهم صورة لأي نجم ثقافي أو سياسي وسط الحراك الشعبي في الجزائر فالأمر عادي مع تنوع المشارب السياسية والفكرية والثقافية للمتظاهرين الذين يجمعهم شارع واحد ويختلفون في المرجعيات والأهداف، لكن أن يحمل البعض صورة للكاتب الروسي ليف تولستوي مع عنوان روايته "الانبعاث" وإسقاطها على الحراك الجزائري، فتلك مفاجأة جميلة لكثير من المثقفين جعلهم يتناولونها بالتعليق وبدا للبعض أن تولستوي نفسه يزور الجزائر بعد حوالي قرن من رحيله.
 
النورسي وآخرون
لم يكن تولستوي الحاضر الوحيد في هذه المبادرة من رواد الأدب والفكر الإنسانيين، فقد حضر معه المفكران الجزائريان مالك بن نبي وحمودة بن الساعي والتركي بديع الزمان سعيد النورسي والأميركي إرنست همنغواي والمخرج العالمي مصطفى العقّاد، حيث كان صاحب الفكرة -خليفة زرد- يحمل صورتين كبيرتين في كل مرة مكتوب على كل جهة اسم العَلَم وإشارات لبعض كُتبه مع إسقاط مضمونها على واقع الحراك في الجزائر.
لمن تقرع الأجراس يا همنغواي؟.. اللافتة التي كتبها زرد على صورة همنغواي خلال الحراك  (الجزيرة)
لمن تقرع الأجراس يا همنغواي؟.. اللافتة التي كتبها زرد على صورة همنغواي خلال الحراك  (الجزيرة)

ويؤكد خليفة زرد -وهو صحفي سابق وباحث في علم الاجتماع الديني ومختص في الجماعات الصوفية بالجزائر وتركيا- في تصريحه للجزيرة.نت أن الفكرة انطلقت مع الجمعة الثانية للحراك في الجزائر في الفاتح من مارس/ أذار الماضي عندما أراد التعبير عن أفكاره.

وأضاف أنه أراد إخراج أفكاره إلى الشارع لكسر حالة الفراغ الثقافي الكبير وغياب المنابر الثقافية، رغم الوفرة المالية الكبيرة التي كانت تتمتع بها البلاد معظم العشريتين الماضيتين.

معايير مدروسة
ويرى الصحفي مومن بلغول أن الفكرة جميلة خارجة عن المألوف، وأنه لم يتوقع أن يرى صورة تولستوي في شوارع الجزائر العاصمة وأن الصورة التي التقطها بهاتفه الجوال ونشرها عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لقيت إعجاب كثير من ممثلي النخبة الذين لم ينتبهوا للأمر قبل ذلك.

ويعتمد خليفة زرد على الصور الفوتوغرافية التي يحمّلها في العادة من الإنترنت ويتجنّب لوحات البورتريه المرسومة، وهو خيار جمالي يحرص عليه في كل مرة حيث يبحث عن الصور المتاحة ذات الجودة العالية ليشتغل عليها بعد ذلك وينزع منها بعض التعليقات والكتابات التي تتعارض مع الرسالة التي يود تبليغها.

وتعتمد عملية اختيار الشخصية الثقافية معايير فنية وفلسفية مدروسة بعناية بما يخدم الرسالة التي يرغب بتبليغها، في وقت يشكو فيه صاحب المبادرة من غياب المنابر التي تؤدي خدمة ثقافية حقيقية.

ويبدو أن الشهرة والإنتاجات الفنية والثقافية للشخصيات المختارة قد سبقت صورتها، ويزاوج زرد بين الصورة وبعض العبارات أو عناوين الكتب التي عُرفت بها لكنه لا يكتفي بوضعها، وهو ما يمثل فحوى العملية الفنية التي يريد تقديمها في كل مرة.

من كتابات خليفة زرد على صور الأدباء التي يرفعها خلال الحراك(الجزيرة)  
من كتابات خليفة زرد على صور الأدباء التي يرفعها خلال الحراك(الجزيرة)  

ميلاد أمة
عندما احتفى بالمفكر والمصلح بديع الزمان سعيد النورسي، كتب خليفة زرد إلى جانب الصورة "جبال الأناضول تقول لكم إن التغيير يأتي بالإصرار والنفَس الطويل"، وعندما تناول تولستوي اقتبس عنوانا لإحدى رواياته، وهو "الانبعاث" لكنه أضاف إليه قول "الانبعاث هو ميلاد أمة في الحراك".

ويبدو زرد متأثرا بالروائي الأميركي إرنست همنغواي بدليل أنه قدّمه لمرتين بشكلين مختلفين، الأولى عندما كتب فوق صورته يقول: "سأل الكاتب الأميركي إرنست همنغواي لِمَن تُقرَع الأجراس؟ فقال الجزائريون: تقرع الأجراس لرحيل النظام"، والثانية عندما كتب فوق الصورة: "لمَن تقرع الأجراس؟ تقرع الأجراس لدفن النظام".

ومع استمرار الحراك، يواصل زرد العمل على مزيد من الشخصيات الثقافية العالمية من خلال زعماء التنوير، وهو الآن يعمل على صور مارتن لوثر وكالفن، وهما من زعماء الإصلاح الديني مع بدايات عصر النهضة في أوروبا.

ويلاحظ على الشعارات والتعليقات التي يعمل عليها زرد، هو استعماله للغة العربية إلى جانب الإنجليزية، في تجاهل واضح للغة الفرنسية المنتشرة كثيرا وسط النخب الثقافية والسياسية في الجزائر.

ويؤكد زرد للجزيرة. نت أن الأمر مدروس ومتعمَّد، وهو دعوة من خلال الحراك للخروج من إطار هيمنة الفرانكفونية إلى فضاءات ثقافية أرحب، في إطار الحراك الشعبي المتواصل بالجزائر، الذي تعددت مطالبه وتجاوز السياسة إلى الثقافة بمعناها الواسع.

المصدر : الجزيرة