إلى جانب أسرار لغوية أخرى.. دراسة تكشف لماذا بعض اللغات أسرع نطقا من أخرى؟

Omran Abdullah - نقوش من جنوب الجزيرة العربية قديماً - مشروع أرشفة إلكترونية لنقوش اللغات العربية القديمة في الجزيرة العربية
نقوش من جنوب الجزيرة العربية قديما (الجزيرة)

كشفت دراستان متميزتان في مختبر ليون لعلم اللغويات عن بعض الجوانب المذهلة للغات البشرية، حيث طرح فريق من اللغويين سؤالا مثيرا للاهتمام انطلاقا من أن بعض اللغات يُتَحدث بها أسرع من أُخر، متسائلين: هل ذلك يجعلها أكثر كفاءة في نقل المعلومات؟

وقال موقع ليزيكو الفرنسي في مقال بقلم ليان فيردو، إنه من المسلم به أن بعض الناس يتكلمون أسرع من بعض، موضحا أن هذه الاختلافات في تدفق الكلمات لا توجد فقط بين متحدث وآخر، بل أيضا بين لغة وأخرى، إذ لا نحتاج إلى كبير عناء لإدراك أن اليابانية والإسبانية تتحدثان بسرعة.

وقد قام فريق من اللغويين من مختبر ديناميات اللغة بجامعة لوميير/ليون 2 بتجربة نشرت نتائجها الشهر الماضي في مجلة "ساينس أدفانسد"، حيث طلب علماء اللغة من 170 متحدثا من 17 لغة مختلفة قراءة سلسلة نصوص بصوت عال، وطبقوا على تسجيلاتهم طرق وأدوات التحليل الموروثة من نظرية المعلومات لكلود شانون الرائعة.

فكانت الملاحظة الأولى أن كون بعض اللغات التي تبدو أسرع من غيرها لدى الأذن لها ما يبررها تماما، إذ يتراوح معدل المقاطع المنطوقة في الثانية تقريبا من عدد معين إلى ضعفه، حيث يكون 8.03 مقاطع في الثانية في اللغة اليابانية ونحو 5.25 مقاطع للغة الفيتنامية وحتى 4.70 مقاطع للغة التايلندية، كما تقول الصحيفة، مشيرة إلى أن هذه الاختلافات لا ترتبط بالتوزيع الجغرافي لأن اللغات الآسيوية تقع في طرفي الطيف.

فعالية
وبما أن ذلك لا يوضح فعالية اللغات المفترض أنها أكبر في نقل المعلومات، قاس الدارسون معايير أخرى صعبة الفهم، كالكثافة المقطعية للمعلومات التي يشرح اللغوي فرانسوا بيلغرينو المؤلف الرئيسي للدراسة ما يقصده بها قائلا "إذا كان من الممكن تمييز مقطع بسهولة من الذي سبقه، فذلك لأنه يقدم قليلا من المعلومات بالمعنى الذي يقصده شانون. وعلى النقيض من ذلك، إذا كان من الصعب التنبؤ به، فإنه يقدم الكثير".

وللتوضيح يضرب بيلغرينو مثلا من الفرنسية الحالية قائلا إذا قرأت الكلمة "لـ" فهذا رهان آمن على أن المقطع التالي سيكون "أن"، ومجرد حقيقة أن تكون قادرا على التنبؤ به على وجه اليقين تقريبا فمعنى ذلك أن كثافته المعلوماتية تكاد تكون معدومة.

إستراتيجيتان
لا تشفر جميع اللغات نفس متوسط كمية المعلومات -المقاسة بالبت- في كل مقطع من مقاطعها، إذ يقول بيلغرينو إنه "يختلف متوسط كثافة المعلومات باختلاف اللغات على فاصل زمني يتراوح بين 5.03 بتات لكل مقطع في اللغة اليابانية و8.02 بتات للفيتنامية".

وذلك يعني أن متوسط كثافة المعلومات في اليابانية حوالي 5 بتات لكل مقطع، أي أن التنبؤ بالمقطع التالي انطلاقا من سابقه يرقى إلى اتخاذ الاختيار الصحيح من بين 32 (25 احتمالا)، أما في الفيتنامية فهذا يعني اتخاذ الاختيار الصحيح بين 256 (28 احتمالا)، ولذلك فهو أسهل بنسبة 8 مرات لدى اللغة اليابانية منه لدى الفيتنامية، وبعبارة أخرى فإن كثافة المعلومات في اليابانية أقل 8 مرات من الكثافة في الفيتنامية.

وقد أظهرت الدراسة أن هذه المعايير، أي معدل المقاطع الذي يقاس بعدد المقاطع في الثانية الواحدة، وكثافة المعلومات التي تقاس بعدد البتات في المقطع، تتناسبان عكسيا، إذ يرتبط معدل المقاطع الكبير بانخفاض كثافة المعلومات والعكس.

وأوضح الموقع أن هذا التناسب تنتج عنه ظاهرة متميزة جدا وهي أن معدل معلومات إحدى اللغات، المعرفة بالمعايير أعلاه، ثابتة في كل ركن من أركان المعمورة، تم تأسيسها في حوالي 39 بتا في الثانية الواحدة، مهما بدت مختلفة، سواء كانت تبدو سريعة أو بطيئة لدى الأذن، أي أن جميع اللغات المحكية على سطح الأرض تنقل في فترة زمنية معينة نفس كمية المعلومات.

يقول بيلغرينو إن "اللغة، لكي تكون فعالة فيما يتعلق بنقل المعلومات، لديها الخيار بين إستراتيجيتين متعارضتين، إما أنها تفضل نسبة عالية من الكلام بكثافة منخفضة من المعلومات، وإما العكس. وفي هذا الصدد، تعد اللغة الفرنسية لغة "متوسطة" بمعدل 6.85 مقاطع في الثانية وكثافة معلومات 6.68 بتات في الثانية، وهو ما يسمح بالوصول إلى معدل معلومات يقترب من 39 بتا في الثانية.

العتبة المثلى
إن كون هذه القيمة الأخيرة عالمية يعني أنها لا تدين بأي شيء للصدفة، ولكنها -حسب الموقع- مقيدة بشدة بقدراتنا المعرفية وطريقة تعامل الدماغ مع اللغة، إذ إن لغة تقل بكثير عن هذا الحد البالغ 39 بتا في الثانية الواحدة لن تسمح للمتحدثين بها بالتعامل مع تعقيد العالم، وسيتم القضاء عليها بسرعة، أما إذا تجاوزت هذا المعدل فستزيد من الشحن المعرفي ولا يمكن للشخص الحفاظ على إنتاج أو معالجة هذا الكم الكثير من المعلومات بشكل دائم، وستواجه المصير نفسه، وبالتالي فإن هذه العتبة البالغة 39 بتا في الثانية تعتبر مأمنا بيولوجيا وثقافيا على حد سواء يحدد منطقة قابلية اللغات البشرية للبقاء.

وأشار الموقع إلى أن هذه الرؤية للغات أكثر إثارة للإعجاب لأن اللغة -بعيدا عن السكون- تتطور باستمرار مع مرور الزمن، وكما أظهرت دراسة سابقة لمختبر بمدينة ليون، فقد يحدث ظهور أصوات جديدة، مما يضاعف إجمالي عدد حروف العلة التي تملكها اللغة، علما أن المزيد من الأصوات والمزيد من المقاطع تزيد من كثافة معلومات اللغة.

وعند ملاحظة أن هذه الزيادة قد تخرج اللغة عن عتبة 39 بتا في الثانية الواحدة، قال بيلغرينو إن الأمر ليس كذلك لأن "فرضيتنا هي أنه كلما غيّر شيء في لغة ما من كثافتها المقطعية للمعلومات، يدفع هذا التغيير متحدثيها أيضا إلى عكس معدل الكلام من أجل الحفاظ على العتبة المثلى للمعلومات حتى لا تموت".

المصدر : مواقع إلكترونية