هل أفسدت تكنولوجيا هوليود جودة الكتابة في الأفلام العالمية؟

فيلم INTERSTELLAR
فيلم "واقع بين النجوم" للمخرج كريستوفر نولان (مواقع التواصل)

محمد موسى

أهدى المخرج الكبير ستانلي كيوبرك تحفته "2001 أوديسا الفضاء" إلى العالم في العام 1968، وبعدها بعام واحد خطا نيل أرمسترونغ ورفاقه بأقدامهم على القمر ليصبح كيوبرك بعدها حديث الساعة، وما زال العديدون حتى اليوم يرون أن كيوبرك هو الذي أخرج رحلة أرمسترونغ ورفاقه للقمر، وأن ما حدث لم يكن حقيقيا، بل تم في أستديوهات هوليود.

جودة الحبكة وإبهار الصورة
جودة التحفة الفنية "أوديسا الفضاء" ليست نابعة من إمكانيات تقنية مذهلة، فالفيلم تم إنتاجه وتصويره في العام 1968 حيث كانت إمكانيات تقنيات التصوير والمؤثرات البصرية والخدع السينمائية في بداياتها وكان اللجوء للحيل أكثر بكثير من الاعتماد على المؤثرات، ولكن تحفة كيوبرك لم تعتمد على المؤثرات على الإطلاق، بل اعتمدت على حرفية المخرج وعوامل جذب أخرى منها السيناريو العبقري الذي كتبه كيوبرك نفسه بالتعاون مع العالم آرثر سي كلارك، حيث رشح كلاهما لجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو في العام 1969.

رحلة "أوديسا الفضاء" هي رحلة بحث الإنسان عن ذاته وأصله، وهو الأمر الذي يناقشه فيلم حديث آخر وهو فيلم "واقع بين النجوم" (INTERSTELLAR) الذي تم إنتاجه في العام 2014 للمخرج كريستوفر نولان. نولان من خلال فيلمه يناقش فكرة شبيهة وهي بحث البشر عن أرض بديلة.

وعلى الرغم من أن الفيلم الأخير هو الأحدث والتقنيات المستخدمة به هي الأكبر، فإن تكلفة إنتاج الفيلم الأول لم تتجاوز 12 مليون دولار، بينما تكلفة إنتاج فيلم نولان تجاوزت 165 مليون دولار.

فيلم "أوديسا الفضاء" استطاع أن يحصد تقييم 93% من النقاد 89% جماهيريا على موقع "الطماطم الفاسدة" بخلاف ترشحه لجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو مكتوب مباشرة للسينما في وقته، بينما لم يترشح فيلم "واقع بين النجوم" لجائزة الأوسكار للسيناريو، رغم احتكاره ترشيحات جوائز المؤثرات البصرية والمؤثرات الصوتية، وحصد الفيلم ذو الميزانية الأكبر والإبهار المذهل على تقييم 72% من النقاد و85% جماهيريا على موقع الطماطم الفاسدة.

سيناريو جيد لأفلام الدرجة الثانية
الحوار الفلسفي المبهر في "أوديسا الفضاء" واجهه حوار ساذج مليء بمواعظ التنمية البشرية في "واقع بين النجوم"، ولا يقتصر الأمر على أفلام الخيال العلمي فقط، ولكنها تتجاوزها حتى لأفلام الدرجة الثانية كأفلام الأكشن المعتمدة بشكل أساسي على المعارك، فتجد أن فيلم "الهروب من نيويورك" (ESCAPE FROM NEW YORK) المنتج عام 1981 للمخرج جون كاربينتر ومن بطولة كيرت راسل، يتفوق في جميع المستويات على فيلم أكشن مثل فيلم "المرتزقة" (THE EXPENDABLES) المنتج في العام 2010 من إخراج وبطولة سيلفستر ستالون.

يدور فيلم الهروب من نيويورك في عالم ديستوبي حيث الأرض بشكلها الحالي انتهت وتحولت جزيرة منهاتن إلى سجن كبير، ويحاول المقاتل السابق والمجرم الحالي سنيك بليكسن/كيرت راسل إنقاذ الرئيس الأميركي الذي تم اختطافه على هذه الجزيرة.

من المميزات الواضحة في هذا الفيلم هو اعتناؤه الشديد بالتفاصيل والسيناريو المحكم الجيد الذي يجعلك تتساءل عن مصير جميع الأبطال، بينما في فيلم المرتزقة، الذي يدور حول فرقة قتالية من المرتزقة، تسافر الفرقة في مهمة إلى جزيرة منعزلة في أميركا الجنوبية لإسقاط الطاغية الذي يحكمها.

الملاحظ في الفيلم هو كثرة النجوم وجودة الخدع البصرية الفائقة، إلا أن القصة والحبكة مليئتان بالثغرات التي تجعل المشاهد يمل الفيلم، وأن حوارت الفيلم ساذجة، وعلاقات أبطاله ضعيفة وغير مبررة، بخلاف الفيلم الأول الذي يعطي الشخصيات حقها في عالم ديستوبي كبير ومظلم.

كما أن هناك فوارق بين الفليمين حيث تكلف الفيلم الأقدم 6 ملايين دولار بتقييم نقدي على موقع الطماطم الفاسدة وصل إلى 85% وتقييم جماهيري 76%، بينما تكلف فيلم المرتزقة 80 مليون دولار، وكان تقييم الفيلم على موقع الطماطم الفاسدة 42% نقديا 64% جماهيريا.

الرعب بين الفكرة والمؤثرات
على مستوى أفلام الرعب تحول الأمر بشكل كامل من الاعتماد على الفكرة وطريقة السرد وبناء الشخصيات، إلى مؤثرات بصرية يحاول صانعو الفيلم من خلالها أن يخلقوا عالما مخيفا وغرائبيا بالنسبة للمشاهدين.

المثال الأوضح على هذا التغير سيكون وبلا شك فيلم "سايكو" (Psycho) للمخرج الأميركي الكبير ألفريد هيتشكوك، والذي يمكن اعتباره أحد أبرز أفلام الرعب في التاريخ، لكنه على الرغم من ذلك لم يتم تصوير مشهد واحد فيه يحتوي على طعنة في الجسد أو رصاصة تخترق إحدى الضحايا، فالرعب كله نفسي، وبالطبع بلا أي مؤثرات بصرية.

الفيلم يدور بالأساس عن منزل استضافة يقوم على إدارته شاب يبدو طبيعيا بل مرحبا به منذ البداية، لكن الأمور تنقلب رأسا على عقب لنكتشف العديد من حوادث القتل.

المميز بشكل كبير في هذا الفيلم هو قدرة هيتشكوك على جعلنا على حافة مقاعدنا طوال مشاهدة الفيلم دون أن يستخدم أي اشتباك مع القاتل، حتى إننا نشاهد في أكثر مشاهد الفيلم شهرة حادث قتل يحتوي على ما يقترب من 50 طعنة باستخدام سلاح أبيض، دون أن تخترق طعنة واحدة منهم جسد الضحية، على الرغم من ذلك لا يمكننا أن نلاحظ هذا من المشاهدة الأولى، على العكس تماما يملؤنا الفيلم بالرعب والحيرة من مصير الأبطال.

كما يمكننا أن نرى الفارق في أفلام الرعب الجديدة، وبالأخص منذ بداية القرن الواحد والعشرين، وكمثال على ذلك فيلم "الرجل الخفي" (Hollow Man) من إنتاج عام 2000، والذي يدور بشكل كامل عن حادثة يتحول على إثرها رجل ما إلى شخص خفي، بلا جسد ولا وجود ملموس، ليستغل هذا الرجل هذه الحادثة بشكل إجرامي، فيحاول قتل واغتصاب ضحاياه دون أن يراه أحد.

الفيلم مبني بشكل كامل على المؤثرات البصرية التي تم من خلالها إخفاء جسد الشرير داخل الفيلم، ثم تغطيته بمادة تشبه المطاط ليصبح ذا غطاء خارجي وجسد خفي، هذه المؤثرات تبدو الآن غير جيدة وغير قابلة للتصديق تماما، وهو بالطبع ما يحدث عادة مع المؤثرات البصرية التي تتطور بشكل مستمر، ولذلك يظهر القديم منها دائما بشكل سلبي للغاية إذا ما قارناه بالجديد، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها على سبيل الذكر لا الحصر، المؤثرات في فيلم ويل سميث الشهير "أنا أسطورة" (I’m a Legend) الذي تتم السخرية مؤثراته الخاصة بصنع الوحوش والكلاب التي تنتمي لعالم الزومبي فيه حتى اليوم.

هل انتهت السيناريوهات الجيدة؟
من خلال النماذج السابقة نجد أن تكنولوجيا الصورة الحديثة، ورغم ما أفادت به صناعة السينما وجودتها فإنها أثرت بالسلب على قطاع كبير من صناع السينما لاستسهال استغلالها، هذا لا يعني بالضرورة أن جميع الأفلام الحديثة لا تحتوي على سيناريو وحبكة جيدين، ولكن أفلام الإبهار مثل أفلام عالم مارفل السينمائي وأفلام الأبطال الخارقين بشكل عام صار لها التأثير الأكبر وتحظى بالشعبية وعوامل الجذب، بينما تجد فيلما مثل فيلم سكورسيزي الأخير الرجل الأيرلندي يعرض على منصات المشاهدة المدفوعة.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي