تحرر الطبقة المتوسطة بالدراما العربية.. واقع لا يراه الآباء

سابع جار
يعتقد البعض أن "سابع جار" خالف العادات والتقاليد المجتمعية بينما يرى آخرون أنه حال الطبقة المتوسطة (مواقع التواصل)

ياسمين عادل-القاهرة

نهاية 2017 شهدت البيوت المصرية عملاً دراميًا بعنوان "سابع جار" ومع أن أكثر صناعه مجهولون فإنه حظي بمشاهدات هائلة أثناء العرض مما جعله حديث منصات التواصل يوميا. هذا الإقبال نتج من شعور الجمهور في البداية بأنه يقدم بيوت الطبقة المتوسطة بشكل حقيقي للغاية، لا يُشبه ما اعتادوا مُشاهدته خلال السنوات الأخيرة بين العشوائيات والقصور الفارهة. 

لكن ومع توالي الحلقات، تعرَّض العمل لهجوم حاد مِن نَفس الذين هللوا له، متهمين صناعه بــ "دس السم في العسل" ومخالفة بعض حكاياته للــ "العادات والتقاليد" المُجتمعية، رافضين تصديق أن هذا يحدث على أرض الواقع. وهو ما قُوبل بهجوم مضاد من بعض الجمهور وصناع العمل أنفسهم لاقتناعهم أن مثل تلك "التجاوزات" تحدث فعلاً حتى ولو لم نتفق معها.

هل تحررت الطبقة الوسطى أم هي مبالغة صناع الدراما؟
تقول المخرجة "نورهان متولي" أن الطبقة المتوسطة من الجيل الحالي اختلفت كثيرًا عن نفس الطبقة من جيل أمهاتنا وآبائنا، إذ يملك الجيل الحالي قدرًا أكبر من المرونة والانفتاح. مما أحدث فجوة بين الجيلين، وتسبب في وجود صدام مع الأعمال الفنية، خاصة المسلسلات التلفزيونية التي تدخل البيوت، والسبب أن صناع الدراما أغلبهم من الجيل الجديد. أما الجمهور فجيل قديم لا يُريد سوى مشاهدة عاداته وتقاليده، حسب قولها.

وتضيف "ما نراه على الشاشة حقيقي جدًا وإن كان يحدث بنسبة ما، لكنه موجود، كل ما في الأمر أن البعض لا يملكون الشجاعة على تَقبل ذلك، بينما آخرون لا يرغبون في المعرفة بالأساس، مفضلين دفن رأسهم في الرمال".

ازدواجية المعايير أم شعور بالأفضلية؟
هنا يطرح سؤال آخر نفسه: لماذا يُثير كسر التابوهات كل هذا الجدل والفزع متى أقدم عليه أبناء الطبقة الوسطى في حين أن أعمالاً أخرى تقدم الشيء نفسه بأبطال من طبقات تُعاني فقرًا مُدقعًا أو ذات غنى فاحش ولم تلق رد الفعل العنيف نفسه؟

تُرجع استشارية العلاقات الأسرية والتربوية إيناس وصفي ذلك إلى انفصال الطبقة المتوسطة في السنوات الأخيرة عن الطبقتين الفقيرة والغنية، فأصبح لها شكل مُحدد إلى حد ما ومُختلف، مما ترتب عليه اقتناع الطبقة المتوسطة بأن الطبقات الأخرى لا تُمثلها وبالتالي لا تتوقف عند الأفكار التي تتبناها.

وتضيف "وفقًا للعقل الجمعي فإن الطبقة المتوسطة تدور في فلك قيم اجتماعية معينة وتتبع أنماطًا سلوكية تعتمد على قائمة شبه ثابتة بما هو صواب وخطأ، والأهم أنها ترى في الالتزام بتلك المعايير وسيلةً للحفاظ على وجودها بالخريطة المُجتمعية، وبالتالي إقحام مفاهيم جديدة عليها -سواء كانت صحيحة أو خاطئة- غير مقبولة ويتطلب الكثير من الوقت والجهد لتمريره".

لماذا الآن؟
من جهته يرى الصحافي شفيق ناظم الغبرا أن الثورات العربية ترتب عليها خروج المنظومة الاجتماعية من دائرة السلطوية وسط تراجع ملحوظ لحدود السلطة الأبوية والأسرية بل وسلطة الطبقة نفسها على أفرادها، وأمام الثورة على القيم المجتمعية وإصرار الكثيرين على الخروج عن السائد، سواء على أرض الواقع أو منصات التواصل الاجتماعي وتقبُّل ذلك تدريجيًا من البعض، فظهر التحرر الحالي بالأعمال الفنية وإن كان مازال يصدم الأغلبية، على حد تعبيره.

‪لماذا يثير كسر التابوهات كل هذا الجدل والفزع متى أقدم عليه أبناء الطبقة الوسطى؟‬  لماذا يثير كسر التابوهات كل هذا الجدل والفزع متى أقدم عليه أبناء الطبقة الوسطى؟ (الإعلام المصري)
‪لماذا يثير كسر التابوهات كل هذا الجدل والفزع متى أقدم عليه أبناء الطبقة الوسطى؟‬  لماذا يثير كسر التابوهات كل هذا الجدل والفزع متى أقدم عليه أبناء الطبقة الوسطى؟ (الإعلام المصري)

هل الأمر نفسه مُتحقق عربيًا؟
الإجابة لا، فهناك دول عربية لا تُعلّق المشانق لصناع الدراما إذا ما تجاوز أفراد الطبقة المتوسطة الحدود المُجتمعية بأعمالهم، وهو ما تُفسره الاستشارية إيناس بأنه ينتج من اختلاف الدول العربية فيما بينها حسب طبيعة وحجم دور الدولة بنشر الثقافة والحفاظ عليها، أو قدر الالتزام بالتعاليم الإسلامية أو الدينية عموما.

في لبنان مثلا قدمت المخرجة "نادين لبكي" عام 2007 فيلم "سكر بنات" وتناولت فيه المشاكل التي تتعرض لها النساء بسبب قيود المجتمع وكيف تحايلن عليها، ومع أن العمل كسر عدة تابوهات فإن الجمهور اللبناني قابله بترحاب وإقبال على دور العرض.

ترجع الباحثة اللبنانية بالإنثروبولوجيا الثقافية "عزة. ع" ذلك لانفتاح الإعلام اللبناني منذ البدايات، حتى أن البرامج التلفزيونية المُباشرة اعتادت تضمن قبلات ونكات/تلميحات جنسية جعلت الأعمال الدرامية أقل حدة مُقارنةً بما يُشاهَد يوميًا، على حد وصفها.

كما أكدت أن انفتاح لبنان جغرافيًا على أوروبا -بجانب هجرة الكثيرين لأميركا ودول أوروبية- ساهم باكتساب المجتمع عادات غربية ورفع سقف المقبول.

وفي تونس قدمت المخرجة كوثر بن هنية العام الماضي فيلم "على كف عفريت" المبني على واقعة حقيقية لفتاة اُغتُصِبَت من أفراد الأمن وهي في طريقها للسهر ليلاً برفقة شاب أُعجبت به، مُتتبعًا رحلتها للحصول على حقها، وقد لاقى العمل حفاوة جماهيرية وفقًا لتصريحات مخرجته وبطلته، وأكبر دليل على التقبّل غير المشروط هو دعم وزارة الثقافة للفيلم.

وقد بررت "فاطمة. ش" الأستاذة الجامعية التونسية بأن تونس لطالما حظيت بأئمة تنويريين بتديّن وسطي، بالإضافة للدور الثوري الذي لعبه الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة ومجلة الأحوال الشخصية التي أصدرها، وأخيرًا التأثر التاريخي الناتج عن الاختلاط بالفرنسيين، حسب قولها.

أما في تركيا، فالمُثير للتأمل أنه مع سعيها طويلاً لتصبح دولة أوروبية، وامتلاء سجلها الدرامي -ذي الجماهيرية ونسب المشاهدة العالية- بحكايات عن زنا المحارم واختلاط الأنساب والعلاقات غير الشرعية، هي نفسها التي هاجمت فيلم "موستانج" (Mustang) الذي أخرجته دينيز جامزي إرجوفين عام 2015 واستوحت أحداثه من حياتها العائلية. 

يحكي الفيلم عن خمس أخوات من أسرة محافظة بشمال تركيا، ومُحاولاتهن لكسر "القيود العقيمة" التي تُحيط بهن، ولم تحدث ردود الأفعال السلبية تجاه الفيلم إلا في تركيا، حتى أن المخرجة والبطلات تعرضن للتهديدات المباشرة، بينما تنوعت أصداء العمل عالميًا بين التقدير والانبهار.

المصدر : الجزيرة