في الذكرى الثالثة للنصر.. تعرف على حصيلة خسارة العراق بحربه ضد تنظيم الدولة وما تحقق من إعمار
يصادف يوم 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري الذكرى الثالثة لإعلان الحكومة العراقية النصر الكامل على تنظيم الدولة الإسلامية واستعادة السيطرة على كامل الأراضي التي كان التنظيم قد أحكم قبضته عليها منذ يونيو/حزيران 2014.
وما إن أعلن رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي النصر على التنظيم عام 2017 حتى بدأت الأنباء تتوالى عن عدد الضحايا والخسائر الاقتصادية التي تكبدها العراق، والتي أشار العبادي إلى أنها تجاوزت 100 مليار دولار في مختلف القطاعات.
أرقام صادمة
الأرقام التي كشف عنها العبادي وصفها العديد من الخبراء الاقتصاديين بـ "الصادمة"، وهو ما يؤكده أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني أن حصيلة الخسائر الاقتصادية قد تزيد على ذلك.
المشهداني وفي حديثه للجزيرة نت، علق بأن الخسائر توزعت في المناطق التي سيطر عليها التنظيم في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وأجزاء من كركوك وديالى وبابل وبغداد، في حين بين أن الخسائر الحكومية وحدها من مبان وخزائن البنك المركزي والأسلحة التي تركتها القوات العراقية في تلك المحافظات تقدر بـ 36 مليار دولار.
أما ما يتعلق بأعداد المنازل فيعتقد أن الحرب تسببت بتدمير ما يقرب من 250 ألف منزل في القطاع الخاص، بما يعادل 7.5 مليارات دولار، على اعتبار أن أقل تكلفة لإعادة الإعمار تقدر بـ 30 ألف دولار للمنزل الواحد، في حين أشارت تقارير حكومية إلى أن أعداد المنازل المدمرة لم تتجاوز 150 ألفا.
أما المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد العبادي فيؤكد أن الخسائر في قطاع الكهرباء في المناطق التي سيطر عليها التنظيم كانت باهظة للغاية، وأنها تقدر بـ 12 مليار دولار.
ويفيد العبادي في حديثه للجزيرة نت بأن قطاع الكهرباء نال الجزء الأكبر من الخسائر ليشمل محطات الإنتاج وشبكات النقل والتوزيع، مما أدى بالعراق إلى أن يفقد جزءا كبيرا من البنى التحتية وقتها.
إحصائيات حكومية
وبالذهاب إلى وزارة التخطيط العراقية التي نشرت تقريرا مفصلا عن خسائر العراق عام 2018، إذ كشفت عن أن عدد الوحدات الاقتصادية الحكومية المتضررة من الحرب تقدر بـ 8457 وحدة، لتشمل مختلف القطاعات الاقتصادية الحكومية في قطاعات النفط والكهرباء والتعليم والصحة والنقل والمستشفيات وغيرها.
7 محافظات عراقية شملها تقرير الوزارة، إلا أنه أشار إلى أن محافظة صلاح الدين (شمالا) كانت الأكثر تضررا على صعيد البنى التحتية الاقتصادية بسبب الدمار الذي لحق بالمنشآت النفطية والكهربائية والمصافي التي كانت ترفد مختلف محافظات البلاد.
وفي غضون ذلك، كشف تقرير آخر صادر عن مجموعة البنك الدولي ووزارة التخطيط العراقية في 2018 أن تكلفة إعادة الإعمار في جميع المدن التي شهدتها الحرب تفوق الـ 88 مليار دولار، وأن إعادة إعمار قطاع الإسكان الخاص بحاجة إلى 17.2 مليار دولار.
وتؤكد وزارة التخطيط والبنك الدولي مجتمعين أن الإحصائيات لا تعد نهائية، خاصة أن الفترة الزمنية التي أعدت خلالها كانت ضيقة لضرورة معرفة متطلبات العراق والبدء بالإعمار ودخول المنظمات الدولية.
ورغم هذه الإحصائيات، فإن الخبير والمحلل الاقتصادي العراقي باسم جميل أنطوان أشار في حديث سابق للجزيرة نت إلى أن حجم الخسائر في المحافظات التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة تقدر بـ 200 مليار دولار، من ضمنها الآليات العسكرية والذخائر التي خسرها الجيش في انسحابه، إضافة لتكلفة حرب استعادة هذه المدن.
وبالتوجه الى قطاع التعليم العالي، يكشف رئيس جامعة الموصل قصي الأحمدي أن 80% من الجامعة دمرت بالكامل بواقع 144 بناية، بالإضافة إلى تدمير المكتبة المركزية وغيرها.
ويؤكد الأحمدي -بحسب المشهداني- أن الجامعة فقدت أكثر من مليون كتاب علمي في مختلف التخصصات، فضلا عن تدمير جميع المختبرات العلمية ونهب محتوياتها مع جميع الآليات والورش الصناعية.
أعداد الضحايا
رغم مرور سنوات على استعادة العراق لجميع أراضيه من تنظيم الدولة فإن الجهات الرسمية لم تعلن حتى اللحظة عن أعداد دقيقة لعدد ضحايا الحرب من مدنيين وعسكريين.
تقرير أممي نشر عام 2016 كشف عن حصيلة القتلى لعامي 2014 و2015، وبين أن أعداد القتلى في المناطق التي سيطر عليها التنظيم بلغت نحو 18 ألفا و802، إضافة إلى 37 ألف جريح، فضلا عن 3.2 ملايين نازح وذلك قبل أن تبدأ معركة الموصل في أكتوبر/تشرين الأول 2016.
وقد لا تتفق أعداد الضحايا مع ما كشفه موقع (Iraqi body count) البريطاني المختص بحساب عدد القتلى المدنيين في العراق، الذي كشف أن عدد المدنيين الذين قتلوا عام 2016 بلغ 16 ألفا و393 عراقيا، بينما سجل العام الذي سبقه مقتل 17 ألفا و578 مدنيا، في الوقت الذي أشار فيه إلى أن عام 2014 سجل العدد الأقل من القتلى المدنيين بواقع 2018 قتيلا، بحسب الموقع.
معضلة كبيرة تلك التي تتعلق بأعداد الضحايا المدنيين في البلاد إبان سيطرة تنظيم الدولة، إذ بعد استعادة مدينة الموصل، كشف وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري أن أعداد المدنيين الذين قتلوا في الموصل فقط يقارب 40 ألف مدني.
لتظل الأرقام غير واضحة ومتناقضة في بعض الأحيان، بعد أن أكدت مفوضية حقوق الإنسان العراقية للجزيرة نت أنها لا تملك إحصائيات بعدد الضحايا خلال فترة سيطرة التنظيم على مساحات واسعة من البلاد.
جهود إعادة الإعمار
جهود كبيرة بذلتها الحكومة العراقية في مجال الإعمار وإعادة النازحين، ففي الوقت الذي كانت فيه أعداد مخيمات النازحين عام 2017 تبلغ 116 وبقرابة 5 ملايين نازح، يؤكد وكيل وزارة الهجرة والمهجرين كريم النوري أن الحكومة استطاعت إغلاق غالبية المخيمات.
النوري وفي حديثه للجزيرة نت أفاد بأن أعداد النازحين حاليا انخفضت إلى نحو 50 ألف عائلة بواقع 250 ألف نسمة فقط، وأن وزارته استطاعت إغلاق جميع مخيمات كركوك وكربلاء وديالى وبغداد وجزءا كبيرا من مخيمات الأنبار ونينوى، وذلك بعد إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية.
أما وزارة الكهرباء، فأكدت على لسان أحمد العبادي أن وزارته عملت على إعادة ربط المناطق المستعادة من سيطرة التنظيم مع الشبكة الكهربائية الوطنية، وإن الوزارة مستمرة في جهودها في إعادة إعمار محطات التوليد.
من جهته، يقول النائب عن محافظة الأنبار فيصل العيساوي إن العراقيين تخلصوا من حقبة تنظيم الدولة، إلا أن عمليات إعادة الإعمار لا تزال خجولة مقارنة بكم الدمار، إذ لا تزال 10 جسور مهدمة في المحافظة، وأن الإعمار يتمحور في المشاريع الجاذبة للنظر، بحسب تعبيره.
ويكشف العيساوي عن أن الحكومة الاتحادية أوقفت صرف التعويضات المالية للمتضررين منذ منتصف عام 2019، وبالتالي حُرِم المتضررون من أي تعويضات تساهم في إعانتهم على إعمار ممتلكاتهم، كاشفا عن أن الأنبار لم تتلق خلال السنوات الماضية سوى نصف مليار دولار في إعادة الإعمار والتعويضات.
أما النائب عن نينوى شيروان الدوبرداني فيعلق في حديثه للجزيرة نت أن المحافظة تعد الأكثر تضررا في البلاد، وأن مدينة الموصل شهدت بعد هزيمة تنظيم الدولة إعمار جسرين فقط من أصل 5 جسور رئيسية تربط بين شطريها الأيمن والأيسر، لافتا أن الحكومة الاتحادية متلكئة جدا في إعادة الإعمار.
غير أن الدوبرداني لا ينكر أن نينوى شهدت إعمارا لا بأس به من خلال جهد المنظمات الدولية، وخاصة ما يتعلق بالطرق وشبكات المياه والكهرباء، إضافة إلى إعمار المدارس والجامعات، مستثنيا القطاع الصحي الذي لا يزال يعاني من دمار كبير مع عدم إعمار أي مستشفى رئيسي حتى الآن، بحسبه.
وبالعودة إلى الأحمدي حيث يكشف أن نسبة الدمار في جامعة الموصل انخفضت إلى 20% فقط، ليعلق بأن أن الدور الأكبر في الإعمار كان للمنظمات الدولية والأممية، وأن من المؤمل إعادة إعمار الجامعة بأكملها خلال أشهر.
وبالعودة إلى المشهداني حيث يرى أن المناطق المستعادة من التنظيم كانت بحاجة لما لا يقل عن 10 سنوات لإعادة إعمارها، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد قد تؤجل الإعمار أبعد من ذلك.
حصيلة باهظة تلك التي تكبدها العراق في عدد الضحايا والخسائر الاقتصادية ليظل القول الفصل أن الحرب لا تظهر آثارها إلا على المدنيين.