فاطمة البرناوي.. أول أسيرة للثورة الفلسطينية ومؤسسة الشرطة النسائية

فاطمة البرناوي من أوائل النساء اللواتي التحقن بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (مواقع التواصل الاجتماعي)

عسكرية فلسطينية برتبة لواء، وثقتها سجلات الحركة النسوية الأسيرة بوصفها أول أسيرة للثورة الفلسطينية المعاصرة، اعتقلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967 على خلفية عملية فدائية في القدس المحتلة، حكم عليها بالسجن المؤبد، قضت منه 10 سنوات قبل إبعادها إلى خارج الأراضي الفلسطينية، عادت إلى غزة مع قوات السلطة الفلسطينية عام 1994، وأوكل إليها الرئيس الراحل ياسر عرفات تأسيس وقيادة جهاز الشرطة النسائية.

المولد والنشأة

ولدت فاطمة محمد علي البرناوي عام 1939، في مدينة القدس، لأب أفريقي وأم فلسطينية، وانتقلت مع أسرتها إلى مخيم للاجئين الفلسطينيين في المملكة الأردنية الهاشمية عقب وقوع النكبة عام 1948، وكانت آنذاك طفلة في التاسعة من عمرها.

ينحدر والدها من دولة نيجيريا، وهو مسلم أفريقي جاء إلى فلسطين واستقر في مدينة القدس بعد أدائه فريضة الحج في ثلاثينيات القرن الماضي، وقاتل إلى جانب الحاج أمين الحسيني في الثورة الكبرى عام 1936 ضد الانتداب البريطاني.

تزوجت فاطمة البرناوي بفوزي نمر، وهو أسير محرر، ينحدر من مدينة عكا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، قضى سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، على خلفية تنفيذه عملية فدائية ردا على قصف شنّته طائرات حربية إسرائيلية على "مدرسة بحر البقر المشتركة" في محافظة الشرقية بمصر، وأودى بحياة 30 طفلا وجرح 50 آخرين، في الثامن من أبريل/نيسان عام 1970.

وقد أفرج عنه في صفقة تبادل للأسرى بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة ودولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1985، وعاد برفقة فاطمة إلى غزة، وتوفي ودفن فيها عام 2013 بعد صراع مع المرض، من دون أن ينجبا أطفالا.

الدراسة والتكوين

درست التمريض ووظفت مهنتها لمصلحة الثورة الفلسطينية التي انخرطت في صفوفها بعد إبعادها إلى لبنان، حيث كانت من أوائل النساء اللواتي التحقن بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي أُسّست في الأول من يناير/كانون الثاني عام 1965.

الوظائف والمسؤوليات

تقلدت مناصب تنظيمية عدة في حركة فتح، وحظيت بعضوية المجلسين الثوري والاستشاري للحركة، والمجلس الوطني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأسست وترأست جهاز الشرطة النسائية، الذي كلفها الرئيس الراحل ياسر عرفات بتأسيسه بعد تأسيس السلطة الفلسطينية والعودة إلى غزة عام 1994، بموجب اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993.

فاطمة البرناوي كلفها الرئيس الراحل ياسر عرفات بتشكيل شرطة نسائية فلسطينية (مواقع التواصل الاجتماعي)

التجربة النضالية

آمنت فاطمة البرناوي منذ صغرها بالمقاومة والكفاح المسلح، وكانت عميقة الانتماء لفلسطين، حتى إنها لم تصبر طويلا في مخيم اللاجئين في الأردن، وهربت بمفردها عائدة إلى القدس، لتلتحق بوالدها الذي قرر البقاء فيها بعد وقوع النكبة عام 1948، ولحقت بها بعد ذلك والدتها وإخوتها الأربعة، وبينهم إحسان، شريكتها في العملية الفدائية، والتي تصغرها بـ5 سنوات، وتوفيت يوم الثامن أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 بالأردن.

بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967، التحقت فاطمة بصفوف حركة فتح، وكانت من أوائل فدائيات الثورة الفلسطينية المعاصرة، حيث أوكل إليها الرئيس الراحل ياسر عرفات مهمة تنفيذ عملية فدائية في "سينما صهيون" بالقدس المحتلة، بمشاركة شقيقتها إحسان، بواسطة حقيبة ملغمة، لكن تم اكتشاف أمرها وإبطال مفعولها.

نجحت إحسان في الهرب إلى الأردن، بينما تمكنت قوات الاحتلال من اعتقال فاطمة يوم العاشر أكتوبر/تشرين الأول عام 1967، وقدمت للمحاكمة، وحكم عليها بالسجن المؤبد، بعدما اعترفت بشجاعة أنها حاولت تنفيذ العملية الفدائية دفاعا عن شعبها ووطنها.

قضت في سجون الاحتلال 10 سنوات، وأطلقت دولة الاحتلال سراحها يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1977، قبيل زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات وإلقائه خطابا في "الكنيست"، مهد الطريق لتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل.

وبموجب هذه الاتفاقية، أطلقت إسرائيل سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين، من بينهم فاطمة، وأبعدتها إلى الأردن، ومنها توجهت إلى لبنان حيث واصلت عملها في صفوف الثورة الفلسطينية.

تلقت تدريبات عسكرية في عدد من الدول العربية والغربية، أسهمت في صقل شخصيتها، ونالت تكريما من رؤساء ومسؤولين وشخصيات بارزة في تلك الدول.

الوفاة

فارقت الحياة يوم الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022 في العاصمة المصرية القاهرة حيث تقيم منذ بضع سنوات. وتلبية لوصيتها، نُقل جثمانها لتدفن في غزة، وسط حالة من الحزن خيمت على المشاركين في التشييع، وسيل من كلمات الرثاء على منصات التواصل الاجتماعي.

المصدر : الجزيرة