الرأسمالية
نظام اقتصادي ونمط إنتاج يقوم على مبادئ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والمبادرة الفردية والمنافسة الحرة وتقسيم العمل وتخصيص الموارد عبر آلية السوق دون الحاجة إلى تدخل مركزي من الدولة.
يؤمن النظام الاقتصادي الرأسمالي بالربح المادي محفزا للأفراد على المبادرة والمخاطرة واستثمار رؤوس الأموال لكسب المزيد من الأرباح ومضاعفة الثروات، كما يعتقد أنصاره أن قوة تراكم رأسمال هي السبيل إلى النمو والتنمية الاقتصادية، من خلال تمويل الاستثمارات الضخمة والمشاريع الكبرى.
ويراد برأس المال كل الأموال التي يمكن استثمارها بقصد جني الأرباح. ولا يقتصر الأمر على النقود فقط بل يتعداها إلى كل الأصول التي يمكن توظيفها في عملية الإنتاج، من عقارات ومنقولات ومعدات وسلع ومواد أولية وأوراق مالية وحقوق ملكية فكرية، فضلا عن الأصول السائلة.
والنظام الاقتصادي الرأسمالي هو السائد في كل بلدان العالم منذ انهيار الاقتصادات الاشتراكية والمُخَطَّطة مع نهاية القرن العشرين، والتحاقها بركب الرأسمالية بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية، إلا أن هناك تفاوتا واضحا في دول العالم على مستوى تطبيق مبادئ النظام الرأسمالي خصوصا فيما يتعلق بالدور الموكول إلى الدولة في الاقتصاد ودرجة تحرير الأسواق.
لمحة تاريخية
تطورت الرأسمالية عبر ثلاث مراحل كبرى، هي: الرأسمالية التجارية والرأسمالية الصناعية والرأسمالية المالية. وقد ارتبط ظهور الرأسمالية بحركة الاكتشافات الجغرافية في القرن السادس عشر، التي فتحت طرقا تجارية جديدة أمام التجار الأوروبيين وفرصا لتحقيق الأرباح من خلال استقدام السلع المتنوعة ومراكمة الثروات.
كما أسهمت أفكار عصر الأنوار التي تمجد الثروة بدلا من إدانتها كما كان عليه الأمر في القرون الوسطى، في تحفيز الناس على التجارة وجمع المال.
المحطة الثانية لتطور الرأسمالية هي ظهور الرأسمالية الصناعية في القرن الثامن عشر نتيجة للثورة الصناعية التي بدأت في إنجلترا، حيث اكتشفت تقنيات جديدة للإنتاج (كالمحرك البخاري وآلة الغزل) وانتشرت هذه التقنيات في بقية أرجاء أوروبا.
وأدى ظهور المصانع في أوروبا إلى بروز طبقة جديدة في المجتمع هي البورجوازية، وقد لعبت دورا هاما في تطوير الإنتاج الصناعي والترويج للأفكار الرأسمالية وإحداث قطيعة مع النظام الإقطاعي السائد من قبل.
دخلت الرأسمالية مرحلتها الثالثة مع نهاية القرن التاسع عشر، وتوصف هذه المرحلة بأنها مرحلة الرأسمالية المالية. وقد عرفت هذه المرحلة ظهور المؤسسات المصرفية العالمية الكبرى والشركات القابضة وانتعشت أسواق الأوراق المالية، ووقعت الشركات الصناعية تحت هيمنة القطاع المصرفي.
لكن هذه المرحلة كانت أيضا مرادفا للأزمات المالية المتعاقبة نتيجة لتضخم نشاط المضاربات المالية والسياسات النقدية التوسعية.
صمود في وجه الأزمات
إحدى الخصائص الهامة التي تميز الرأسمالية هي قدرتها الفريدة على الصمود أمام الأزمات التي تعصف بها، وقابلية التكيف مع التحولات التي تحدث في المجتمع. وقد حالت هذه الميزة دون وقوع ما تنبأ به كارل ماركس من سقوط مُدَوٍّ للرأسمالية، حيث اعتبر انهيار النظام الرأسمالي وتحول البشرية إلى الاشتراكية حتمية تاريخية بسبب التناقضات التي تحملها الرأسمالية في أحشائها.
ويرى بعض الاقتصاديين أن هناك عاملين اثنين يجعلان الرأسمالية قادرة على التكيف، وعلى تجديد نفسها باستمرار، أولهما الابتكارات والتطور التكنولوجي، وقد أوضح الاقتصادي النمساوي جوزيف شومبيتر أهمية هذا العامل في كتابه الموسوم "الرأسمالية، الاشتراكية والديمقراطية". وتتمثل أهمية الابتكارات والتطور التكنولوجي (الإنترنت نموذجا) في خلق فرص جديدة للنمو وتحفيز الاقتصاد.
أما العامل الثاني فيتعلق بقدرة الدول على التدخل في الاقتصاد عبر وضع وتنفيذ سياسات تصحيحية، كما وقع بعد أزمة 1929، وكما وقع بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تبنت الدول سياسات اقتصادية كينزية ساهمت في النمو الكبير الذي عرفه الاقتصاد الغربي خلال ما عرف بالثلاثين سنة المجيدة.