رغم زيادتها بنسبة 50%.. نيران الغلاء تلتهم رواتب السوريين
دمشق – "إنهم يستخفّون بعقولنا. فهذه الزيادة في الراتب المرتقبة الشهر المقبل ستترجم إلى نقصان أمام الغلاء المستفحل الذي تشهده أسعار السلع ابتداء من الخبز ووصولا إلى الكماليات".
بهذه الكلمات يعلق حسام (32 عاما)، وهو مهندس مدني وموظف في القطاع العام في دمشق، على الزيادة المنتظرة في رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام في مناطق سيطرة النظام السوري الشهر المقبل.
ويضيف في حديث للجزيرة نت "إننا بحاجة إلى زيادة الراتب 10 أضعاف حتى تتيسر لنا معيشة البشر في هذه البلاد".
وكان الرئيس السوري بشار الأسد أصدر يوم الاثنين 5 فبراير/شباط الجاري المرسومين التشريعيين رقم (7) و(8) لعام 2024 المتضمنين زيادة قدرها 50% في الرواتب والأجور المقطوعة للعاملين والموظفين في القطاع العام من مدنيين وعسكريين ومتعاقدين ومياومين وأصحاب المعاشات التقاعدية، وتعدّ سارية ابتداء من الشهر المقبل.
وجاء القرار متزامنا مع رفع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك سعر بيع ربطة الخبز بنسبة 100% في الأفران العامة والخاصة، ورفع سعر بيع اللتر من مادة المازوت للأفران إلى 2000 ليرة بدلا من 700 ليرة.
ومن جهته، أشار وزير المالية في حكومة النظام السوري كنان ياغي، في تصريح لصحيفة الوطن المحلية، إلى أن التكاليف المترتبة على الحكومة بعد هذه الزيادة بلغت 2.5 تريليون ليرة سورية، موضحا أن الحد الأدنى للأجور بلغ 280 ألف ليرة (19 دولارا).
نيران الغلاء
تأتي زيادة الأجور ورواتب العاملين والموظفين في القطاع العام في مناطق سيطرة النظام وسط ارتفاع تدريجي ومستمر في أسعار السلع الأساسية الغذائية والاستهلاكية منذ مطلع العام الجاري.
ويقول خبير الاقتصاد السوري والباحث في كلية لندن للاقتصاد زكي محشي "هذه الزيادة ليست كافية، لأنه مع الزيادة المضافة الشهر القادم إلى الراتب، فإن الدخل -في أحسن الأحوال- لن يكون قادرا على تغطية إلا 10% من احتياجات أسر العاملين في القطاع العام لتجاوز خط الفقر".
ويضيف في حديث للجزيرة نت أن الزيادة غير مؤثرة لأنها لم تشمل الغالبية من العاملين في مناطق سيطرة النظام، وهم الموظفون والعاملون في القطاع الخاص المنظم وغير المنظم، وبالتالي هي زيادة تمس فئة قليلة من السوريين.
ويرى الخبير الاقتصادي السوري أن هذه الزيادة سوف تتآكل، وأن جزءا من رواتب هذا الشهر (قبل الزيادة) ستتآكل هي أيضا نتيجة ارتفاع الأسعار المستمر سواء لأسعار الخبز (ارتفع سعره بنسبة 100%) أو الارتفاع التدريجي لأسعار حوامل الطاقة من فيول ومازوت وبنزين، لأن زيادة أسعار حوامل الطاقة ستؤدي إلى زيادة أسعار معظم السلع الموجودة في السوق، وبالتالي ستتآكل القدرة الشرائية للراتب بشكل سريع جدا.
أما عن الآثار المرتقبة لهذه الزيادة على الاقتصاد، فيقول محشي "الزيادة ستؤدي إلى نتيجة واحدة فقط وهي زيادة السيولة النقدية بالليرة السورية في السوق، وهذه الزيادة مع غياب الإنتاج الفعلي، وغياب الدخل من العملات الأجنبية نتيجة غياب التصدير إلى الخارج، ستؤدي بدورها إلى ضغوط تضخمية على الليرة السورية، وبالتالي ستحاول الحكومة تخفيف هذه الضغوط من خلال تحديد سقوف للسحب القصيرة الأجل، وتحديد سقوف لتحويل الأموال بين المحافظات، في محاولة عابثة لضبط السيولة النقدية".
ويتابع "لكن هذه السياسة الحكومية بالطبع لن تنجح، مما سيزيد بشكل كبير من احتمال تدهور الليرة السورية وضعف قدرتها الشرائية، وبالتالي (ارتفاع) منسوب الفقر".
امتصاص الغضب
وعن مصدر تمويل الزيادة المضافة إلى الرواتب، يقول الباحث إن "الحكومة ليس لديها موارد كافية لتغطية هذه الزيادة، لذلك ترافقت الزيادة مع جملة من القرارات كان من ضمنها توقيف العمل بمرسوم الحوافز والزيادات في القطاع العام للموظفين والعاملين لتحويل جزء من الفوائض الناتجة عن توقيف العمل بهذا المرسوم لتمويل الزيادة في الرواتب، كما يتم تمويل هذه الزيادة وبشكل أساسي من خلال تحرير أسعار السلع الرئيسية بما في ذلك الخبز وأسعار الطاقة".
ويختتم محشي بالقول "بالمختصر فإن رواتب العمل الحكومي، حتى بعد الزيادة، لا تزال بعيدة جدا عن إنقاذ الموظفين من العيش في مستويات تحت خط الفقر، والنظام السوري استعمل زيادة الرواتب وسيلة تفاوضية مع المواطنين لامتصاص غضبهم قدر الإمكان، ولكن سياسات زيادة الرواتب والسياسات المالية والنقدية المتبعة هي سياسات قصيرة الأجل، ولن تؤدي إلى تحسن في المستوى المعيشي، بل على العكس ستزيد تدهور مستوى معيشة السوريين نتيجة العوامل الكثيرة التي ذكرتها أعلاه".
وكانت أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية شهدت خلال الشهرين الماضيين ارتفاعا بنسبة 25%، بحسب تقرير لصحيفة البعث الرسمية، حيث قال عضو غرفة تجارة دمشق ياسر إكريم إن "القدرة الشرائية للمواطن بعد الزيادة الأخيرة في الرواتب لا تزال ضعيفة، حيث يحتاج إلى تحسين جيد للدخل المعيشي كي تزول الفجوة بين الدخل والتضخم".
الواقع بالأرقام
ويرى اقتصاديون أن الزيادة الأخيرة في الرواتب المترافقة ستضاعف من الأعباء المعيشية على السوريين لما سيرافقها من ارتفاع في الأسعار (ارتفاع سعر الخبز بنسبة 100% وارتفاع أسعار الطاقة) وضعف في القدرة الشرائية، لا سيما للشرائح التي لم تشملها الزيادة (العاملون في القطاع الخاص).
وسيتراوح متوسط الرواتب والأجور في القطاع العام بعد الزيادة بين 375 و400 ألف ليرة (بين 25 و27 دولارا)، في حين سيبلغ الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص 280 ألف ليرة (19 دولارا).
وتقول سناء (38 عاما)، وهي معلمة رياضة في مدرسة ابتدائية بريف دمشق، إن هذه الرواتب "تكفي بالكاد لشراء كيلوغرام من لحم العجل بـ140 ألف ليرة (9.5 دولارات) وكيلوغرام من البن (قهوة) بـ100 ألف ليرة (7 دولارات) وكيلوغرامين من الأرز بـ60 ألف ليرة (4 دولارات) بعد الزيادة وارتفاع الأسعار".
وتشير المعلمة في حديث للجزيرة نت إلى أن مرتبها الشهري بعد الزيادة بالكاد سيكفيها لثلاثة أو أربعة أيام على الأكثر.
وكانت دراسة أجرتها جريدة "قاسيون" المحلية كشفت عن ارتفاع متوسط تكاليف المعيشة لأسرة من 5 أفراد في مناطق سيطرة النظام إلى أكثر من 12 مليون ليرة (قرابة 850 دولارا) مع حلول عام 2024.
وأشارت الدراسة، الصادرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى أن متوسط تكاليف المعيشة تضاعف 3 مرات خلال 2023، بينما لم تعد الأجور قادرة على تغطية إلا 1.5% من التكاليف المعيشية.
ويعاني نحو 12.1 مليون سوري (نحو 50% من السكان) من انعدام الأمن الغذائي، وهناك 2.9 مليون آخرين معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع، وفق أحدث تقارير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.