شعار قسم مدونات

المشروع الوطني والسلطة الوظيفية.. بين المفاصلة والمصالحة

منيب المصري يطلب انتظار عمل المجلس
رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري (الجزيرة)

بعد جولات ومحطات لا تُنسى، ولقاءات واجتماعات لا تعد ولا تحصى، تحت عنوان "المصالحة الوطنية" التي خاضتها حماس والفصائل الفلسطينية، مع حركة فتح وسلطة عباس الوظيفية، وبعد الجريمة الوطنية التي ارتكبها عباس بإلغاء الانتخابات، ثم الاغتيال الوحشي للمعارض السياسي نزار بنات؛ يطل علينا في هذا الوقت رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري بمبادرة جديدة للمصالحة و"إنهاء الانقسام"، تهدف إلى تعويم السلطة وإعادة تدويرها من جديد، وتتضمن الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية التي ادعى فيها أن حماس وافقت عليها، وهو ما نفته حركة حماس على لسان الناطق الرسمي باسمها عبد اللطيف القانوع، الذي وصف شروط عباس بأنها تتعارض مع حالة الإجماع الوطني، وأنها ارتهان للشروط الصهيونية.

العجيب في الأمر أن "الدكتاتور المغتصب للسلطة" ردّ على ورقة منيب المصري باشتراط موافقة حماس بشكل رسمي، وبتوقيع رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية على قرارات الشرعية الدولية، التي تقضي بالاعتراف بالكيان الصهيوني المحتل وفق القرار رقم (181)، الذي نص على إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها إلى دولتين؛ "كي تكون حماس شريكًا وطنيًّا، ومن دون ذلك فلا حوار معهم"، وفق رد عباس حسب وثيقة المصري، وهذا يعني أن عباس يتبنى تمامًا الشروط الصهيونية والغربية التي ترفض الاعتراف بأي حكومة فلسطينية من دون أن تعترف بـ"إسرائيل"، وتوافق على شروط الرباعية الدولية التي قبرتها المقاومة الفلسطينية بثباتها وإصرارها، وبات لا يطالب بها اليوم أحد سوى محمود عباس!

الحديث المتواتر عن الشراكة مع عباس وسلطة أوسلو التي لم تجلب لشعبنا سوى البؤس والشؤم، واشتراطاتهم "الوقحة" على ما تسمى المصالحة هو مضيعة للوقت وإثقال لكاهل شعبنا، واستنزاف لطاقات وموارد وأموال في "معارك" لا تخدم أهدافنا الإستراتيجية (التحرير والعودة)، فهذا المسار أثبت فشله أمام تعنّت عباس وجوقة المنتفعين من السلطة ورفضهم كل المبادرات، بسبب تبنيهم خيارات التسوية والسلام والتعايش مع العدو، ويؤكد ذلك عشرات اللقاءات والاجتماعات والحوارات العبثية التي خاضتها الفصائل مع السلطة الوظيفية، التي وُجدت وصُممت لخدمة الاحتلال وحماية أمنه والاعتراف بشرعيته كمهام أساسية يجب عليها تنفيذها، مقابل مصالح خاصة لأباطرتها وفتات راتب مغمس بالذل لموظفيها، وكانت نتيجتها -أي اللقاءات- صفرا كبيرا.

واجب الوقت اليوم هو المفاصلة بين من يريد تحرير الوطن، ومن يريد الحفاظ على بقاء الاحتلال، بين من يريد تحرير الأسرى ويبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك، ومن يريد تركهم يموتون في السجون قهرا ليكونوا عبرة لغيرهم ممن يفكرون مجرد تفكير في مقاومة الاحتلال، بين من يكافح وينافح لتحقيق حلم العودة للاجئين المشردين في المنافي والشتات، ومن تنازل عن حقهم بالعودة والتعويض وتغافل عن قضيتهم في المحافل الدولية، بل وتنازل عن حقه الشخصي -عباس- في مسقط رأسه "صفد" لصالح المغتصبين الصهاينة.

لا أريد أن أقول لقادة فصائلنا الفلسطينية أن تعلموا من تجارب غيرنا من الشعوب التي أعلنت المفاصلة بين حركات التحرر الوطني والحكومات العميلة قبل أن تنجح في تحرير بلادها، على سبيل المثال لا الحصر: (الثورة الفرنسية – حكومة فيشي)، (الثورة الجزائرية – الحراكيين)، (الثورة الفيتنامية – حكومة سايغون)، (الثورة الأفغانية – حكومة كابل)، لأننا سنجد المبررات جاهزة لإسقاط كل هذه التجارب تحت شعارات اختلاف الزمان والمكان، ومتغيرات البيئة الداخلية والخارجية، وإنما أقول متى نتعلم من تجاربنا نحن، التي ننتقل فيها من فشل إلى فشل، من دون تقديم حلول خلاقة تختصر على شعبنا المسافات والتضحيات.

ألم يحن الوقت بعد يا فصائلنا العتيدة لنزع الشرعية الوطنية والشعبية عن القيادة التي تبادل المحتل المغتصب الود والاحترام والعرفان، بينما تبادل شعبها القهر والحصار والحرمان، ألم يحن الوقت للتعامل مع عباس وجوقته كواحدة من إفرازات الاحتلال وأدواته لكسر إرادة شعبنا ومقاومتنا؟!

إلى متى ستبقى سياسات حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الوطنية رمادية ضبابية تجاه هذه السلطة الوظيفية المتوحشة؛ في وقت بات فيه جل الشعب يدرك أن عباس وسلطته أداة من أدوات الاحتلال يستخدمها لقمع الشعب وتدجين المقاومة، ولا يقبل المشاركة السياسية ولا التداول السلمي للسلطة، ويغتال المعارضين السياسيين، ويقمع النخب العلمية والنشطاء والحقوقيين، فلماذا تصر الفصائل الوطنية بعد كل هذه الموبقات على أنه شريك وطني؟!

الفصائل الوطنية التي تعطي عباس شرعية وغطاء وطنيا تتحمل وزرا كبيرا لاستمرار هذا الدكتاتور في سياساته التي تخدم العدو وتحاصر الشعب وتطيل عمر الاحتلال، لذلك عليها إعلان المفاصلة التامة مع هذا المشروع المخزي الذي يقف في خط الدفاع الأول عن المشروع الصهيوني، فالأصل أن من ارتضى لنفسه أن يكون درعًا للاحتلال فلا ينتظر من شعبنا الصابر ومقاومته الباسلة إلا معاملته كمعاملة الاحتلال، فلا تحرير قبل التطهير.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.