شعار قسم مدونات

برحيل البغدادي إلى أين يسير تنظيم الدولة؟

blogs البغدادي

دوما يتكرر التناول غير الدقيق من قبل الطبقة السياسية الأمريكية لتركيبة تنظيم الدولة،  ويتم أسقاط هيكلة الدولة التقليدية عليه، والتي تتمثل في استئثار رأس الهرم بالسلطة، والقيادة الفردية الشمولية لينظر له من هذه الزاوية الضيقة، ويغيب عن الذهن السهولة المعهودة لدى التنظيم في إيجاد البديل المناسب، وهذا يفسر ما أشيع مؤخراً من أن التنظيم أعد من باب الاحتياط تأسيا بمعركة مؤته التاريخية ثلاث قيادات حاضرة وجاهزة، وأن الذي سيرسو عليه العطاء سينتظر فقط المبايعة، وهنا الأدهى والأمر فسوف ننتظر عاما كاملا على أقل تقدير، ممتلئا بالمبايعات شرقا وغربا ليس فقط من الفروع العاملة بفعالية، وهي تتجاوز العشرة فروع، وفي مقدمتها فرعي سيناء وخراسان، بل من بقاع شتى في المعمورة، ناهيك أنه في فقه التنظيم ووفق التنظير المعهود بأنه لا مجال للهزيمة بسبب فقدان قائد؛ بل إن النصر يتجلى حين يهزم الخصم ويسدل الستار على المشهد ككل.

   

هل كانت نهاية البغدادي انتصارا لترامب؟

دون التهريج الإعلامي المتداول وبكل حيادية وبكل بساطة يبدو أن الرجل وجد نفسه محاصرا بطريقة ما أو بأخرى، ولكيلا يقع في الأسر -وما يحمله ذلك من تبعات- اتخذ قراره النهائي بتفجير السترة الناسفة، هكذا دون أية إضافات تعطي للقصة أبعادا أخرى، وأما الصرخات التي تناهت لمسمع الرئيس ترامب فهي بكل تأكيد صرخات نسائية حزنا على إسدال الستارة من قبل الزوج البغدادي على حياته بتلك الطريقة.

 

ومن الأسانيد الأخرى ما ذهب إليه بعض المحللين من القول بأن البغدادي في الأشهر الأخيرة لم يكن القائد الفعلي، بل كان أشبه ما يكون بالقيادة الفخرية، لقد تنبه الرئيس ترامب لاستثمار الفرصة التاريخية، بحيث يضمن لنفسه فترة رئاسية ثانية تدفع من جيوب دول عربية حليفة، كما عقد مقايضات تتعلق بالنفط، وتوظيف ورقة الأمن قبيل الانتخابات الرئاسية، واستثمار التمنن على الآخرين على أوسع نطاق بالتخلص من رمزية البغدادي، وإعادة مبلغ 25 مليونا لصالح الخزينة الأمريكية، فهنالك دول ترابط في الإقليم ولديها قيادات سخية تتكفل بالدفع، ونستذكر أن الرجل بما عرف عنه طيلة فترة حكمه من كونه business man سبق له المطالبة بمقابل مادي لقاء حماية بواخر النفط في مضيق هرمز.

   

  

أما روسيا فمن الصحيح أنها فضولية وفق تقديرات العم سام أكثر مما ينبغي، ولكن تقاسم الكعكة بحد ذاته له أجندته، ومن هنا نفهم لماذا حرص ترامب على الاستفراد بنسبة الإنجاز لنفسه، ولماذا أعاد تمركز قواته قريبا من منابع النفط في الجغرافيا السورية، وهو مكسب انتخابي يتم ادخاره في عام الرئاسة الأخير عام البطة العرجاء.

 

الإعلام في المعركة

وجه النقد عديد المرات لترامب في تصريحاته الإعلامية الخرقاء والمسكونة بجنون العظمة، وبالأخص حين يتجاوز الأعراف الدبلوماسية ليصف خصومه بما هب ودب، ويقر بأنهم يعرفون الانترنت لكن ليس أفضل منه، وحين يؤكد أن سوريا فيها الكثير من السلاح، فهل جاء بجدد في هذا الصدد؟ وماذا عن تصريحه بأن حمزه بن لادن طويل ووسيم ويتكلم بسوء عن الولايات المتحدة، بل حتى حديثه عن مؤلفاته الفذة، وكتابه المنجز قبل دمار برجي التجارة العالمي، و كتبه الأخرى التي وصل تعدادها لـ12 كتابا.

 

أليس هذا ترويجا لمؤلفاته في غير محله، يصب في مصلحة التعتيم الإعلامي المتكرر، فلم يقتنع كثير من المراقبين برواية الفصل الختامي في إدلب، إلى حد أن الرئيس الأسد وصف العملية بالخدعة، موضحا إن رادرات نظامه لم ترصد أي طائرة في المنطقة، ولم يسمع أحد بعملية قتله إلا من الإعلام كما لم يكن للدولة السورية أية علاقة بذلك القصف.

 

لا يحتاج المرء لكثير من الجهد لتخمين أنه على رأس الأجندة في المرحلة القادمة الثأر من قوات قسد لسببين واضحين، فهذه القوات والتي في أغلبها الأعم تأتي من المكون الكردي هي الذراع اليمنى المسؤولة عن مقتل البغدادي
لماذا الحرص على قرشية الخليفة؟

ما إن ثبت مقتل البغدادي، حتى بادر التنظيم للإعلان عن تعيين الخليفة الجديد في رسالة صوتية بثتها مؤسسته الإعلامية المسماة بـ "الفرقان" عبر تسجيل صوتي للمتحدث الجديد باسمه أبو حمزة القرشي، واتضح أن الخليفة الجديد يدعى "أبو إبراهيم الهاشمي القرشيّ" ويبدو أن الهيئة التي تدعى بمجلس شورى الدولة بادرت إلى الانعقاد فور تأكدها من مقتل البغدادي.

 

إلا أنه من المؤكد أن الاختيارات تمت منذ أشهر، وبالأخص بعد إصابة البغدادي في واحدة من محاولات اغتياله العديدة، كما يبدو من التغييرات الجديدة أن الخليفة الجديد سيكون محل توافق واجماع بين كافة أجنحة التنظيم، وذلك عائد لنسبه وارتباطه بالهاشميين وفق ما يراه التنظيم، وهذا يضمن الالتفاف حوله لمساندته ومؤازرته، وبالأخص من قبل الفروع والمجاميع المنسقة والخلايا والذئاب سواء النائمة أم المنفردة، والتي تشكل خطرا على أميركا وأوروبا ومن يتحالف معهما من دول الإقليم.

 

أما التوعد الحماسي للولايات المتحدة بهجمات أشد مما حدث في عهد البغدادي، فإنه من غير الممكن التكهن بنوعية تلك الهجمات، ولا يحتاج المرء لكثير من الجهد لتخمين أنه على رأس الأجندة في المرحلة القادمة الثأر من قوات قسد لسببين واضحين، فهذه القوات والتي في أغلبها الأعم تأتي من المكون الكردي هي الذراع اليمنى المسؤولة عن مقتل البغدادي، بما تتلقاه من الدعم المتواصل من قوات التحالف الدولي، وهي بدورها المسؤولة أيضا عن ما آلت إليه أحوال التنظيم بعد نهاية معركة الباغوز بمحافظة دير الزور يوم الثالث والعشرين من آذار لعام 2018.

  

إن السرية التي فرضها التنظيم على قيادته الجديدة، تعود لجملة عوامل منها الدرس الكبير الذي تعلمه من سرعة اهتداء التحالف الدولي لموقع الناطق الرسمي باسمه أبو الحسن المهاجر، وهذه الخسارة المزدوجة أجبرته على فرض طوق من العزلة، تسبب في ضيق دائرة اتصالات القيادة لتشمل فئة محددة جدا، وإذا كان من المعلوم أنه بحوزة التنظيم مبالغ  قد تصل وفق أقل تقدير إلى 300 مليون دولار، بحسب وكالة الاستخبارات الأمريكية، فإنه من الثابت أن أعداد مقاتليه تصل 30 ألف مقاتل، باتوا ينتهجون هجمات الكر والفر واحتجاز الرهائن والعمل على تحرير الأسرى، والاستيلاء على أموال العدو، وتنفيذ هجمات خاطفة من شأنها النيل من الخصم.

  

وختاما نحن إزاء سلسلة عريضة من المبايعات للقيادة الجديدة، والتي قد تمتد لأشهر عديدة قادمة، ولا توجد ضمانات لمقدار حماس الأنصار والمبايعين الجدد والقدامى، سواء الطامح منهم لإثبات الولاء ونيل الحظوة والإشادة، أم الاستعراض العسكري والحماس التنافسي بين فروع التنظيم في بقاع العالم، وإنه من السذاجة انتظار أن يتقيد أنصار التنظيم بمعايير قتالية محددة في ظل حالة من الغضب والحزن أشبه ما تكون بالنمر الجريح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.