شعار قسم مدونات

علمٌ لا ينفع!

مدونات - يقرأ طالب كتب دراسة

بداية الأمر سنخوض في مقدمة عن التعلم وأهميته للنشأ، وأثر ذلك على عقل الأجيال، وتقدُم الأمم، ورقي الفرد بما أننا مجتمع "المفترض" أنه يدعم من يعمل بالميدان الأكاديمي، ومن يسعى لطلب العلم لن أُثقل عليك بسردِها فأنا وأنت حفظناها عن ظهر قلب .لكن ستفاجأ بأن داخل هذا الميدان معركة ملحمية ليست بالقوية ولا بالهزلية ؛ وإنما طرفيّ النزاع ليسوا في القوى متكافئين. نعم ستُدرك ذلك عندما ترى طالب جامعي يتوعده أستاذه بالعلامات الدراسية إن لم يحضر المحاضرة مثلًا، أو أن أستاذ جامعي يقول لطلاب الماجستير بين أيديه "احمدوا الله أنّا سمحنا لكم بمنحكم تلك الدرجة من العلم"، يا إلهي كم هو كريم ويتميز بالجودِ حقًا. ورُبما ستدهش أكثر إذ علمت أن مناهجك مساقك التعلمي لم يتم تحديثها منذ أكثر من خمسٍ وسبعين عام، أو أن أستاذُك الذي يُدرسك تجاوز الثامنين من عمره مصاب بجميع أمراض الشيخوخة. فكيف ستكون نظرتك للأمر لوكنت أحد هؤلاء؟ بالطبع لن أجيب هذا التساؤل لأنه راجع إليك.

  

لكن سأتحدث عن تجربتي مع التعليم الجامعي ككل..
في بداية الأمر ظننت أنني سأبدأ مرحلة الباحث لا المُتلقي للمادة العلمية وفقط، لكن كأنها صفعت القدر لي بأنني كنت على مدار الأربع سنوات أحضر إلى فرقتي، أوصفي الدراسي داخل المدرج ليُدخل "دكتور جامعي خمسيني" عساه حديث الحصول على درجة الدكتوراه يُدرّسنا ما أنعم الله به من علم ولتكُن شهادة حق معظم أساتذتي كانوا يدعموننا بالجانب العملي والبحثي جدًا ولا يبخلون علينا بمعلومة والحمد لله تخرجت ولكن دائمًا الطموح يروادُني سأعمل بالميدان الأكاديمي وَبما أنني كُنت طالبة جامعة خاصة ففي نظر البعض سأكون طالبة مدللة "لكن ليست تلك الحقيقة".

 

مهما كانت المعركة والقوى غير متكافئة فقاتل حتى تصل لحيث تريد من العلم في ما تريد. فتعلم ما تحب و اسع فيه وعلّمه لمن هم دونك فيه فتلك معركة والله تستحق

وبعد التخرج قررت الخوض للحصول على درجة الماجستير سريعًا كي لا يسرقني الوقت، لكن هذه المرة روتين الجامعات الحكومية صفعني يمينًا ويسارًا فلكي أكون أهلًا لتلك المهمة عليَّ الحصول على عدة دورات تعليمية (لغة – علوم الكمبيوتر – إعادة دراسة مواد دراستها سابقًا ) تقبلت الأمر بعد قليل من التذمّر و الاستياء وخوضت التجربة بأريحية مؤقتة وأنهيت فصلي الأول لأتقدم لامتحان القبول لدراسة الماجستير قولتُ في نفسي "لا يطلب العلم بالرقة ولكن بجذ النفس له"، وبعد النجاح بامتحان القبول والفرحة المؤقتة داخل فؤادي والنشوى والسعادة ؛صدمني واقعي أنه عليَّ الحضور للجماعة للسؤال عن موعد البدء، وأيضا متابعة صفحة الكلية عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت لمعرفة جدولي الدراسي وبعد فترة زمنية قصيرة، والكثير من المتابعة دون جدوى ذهبتُ لأسأل فإداهم يقولوا لي أنهم بدأوا محاضرة واحدة مع أغلب الأستاذة اطمأنت نفسي قليلا، ولكن عنصر المفاجأة لم يتركني.

 
ذهبت للجامعة لأتساءل متى سيبدأ فصلي الدراسي فإذا به بدأ بالفعل وتم حرمان العديد من الطلاب منن هذا الفصل لعدم الالتزام.. رُبما ليست القصة مأساوية ولا الأمر المهم لكن الذي عرفته أنني لا يمكنني اختيار موضوعات أبحاثي، ولا حتى موضوع رسالتي للحصول على تلك الدرجة أو أعلى منها إذًا من بيده الاختيار يا أخي إنه الأستاذ المشرف هو الذي يختار.. تلك نقطة من اثنين تثبت لك أن القوى ليست متكافئة. لنُركز الآن على اللوائح بكوادر التعليم الجامعي والتي من إحداها حصول "الدكتور الجامعي" على فترة تدريس أخرى بعد تقاعده عن العمل وهنا يحصل على لقب "أستاذ متفرغ"! لنحسبها بعد تقاعده يصفه متفرغ إذًا قبل تفرغه ماذا كان يفعل؟ كيف لأحدهم بعد تجاوزه الثمانين أن يعمل بكادر يحتاج للتركيز المستمر كالتعليم؟ أَيُعجبك الوضع حين يصيب الأستاذ نوبة من الزهايمر المؤقت أو يغفو قليلًا ناتج أثر الأدوية التي يتعاطاها باستمرار أليس الأمر مخجلًا؟
   
لكن بعد كل ما يجري و سيجري بِنا أو بغيرنا سنطلب هذا العلم لأن طلب العلم فريضة أولًا ثم لأنه هو الوسيلة لذاك العلم البعيد الذي ينفع هذا ما يراه الكثير منّا من فئة الشباب والتي بجمع بعض الآراء منهم، فيروا أن بعض المجالات كالطب يوجد بها زمالات و دراسات أجنبية معتمدة تستحق خوض المأساة من جديد لتزويده المعرفي والدراسي في مجاله أو تهيئ له فرصة لاستكمال دراسته بالخارج. ومهما كانت المعركة والقوى غير متكافئة فلك مني: قاتل حتى تصل لحيث تريد من العلم في ما تريد. فتعلم ما تحب واسع فيه وعلّمه لمن هم دونك فيه فتلك معركة تستحق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.