شعار قسم مدونات

قطر وغزة.. كيف تشكلان صداعاً لدول التخاذل العربي؟

مدونات - قطر وغزة فلسطين

ها نحن نقترب من العام الثاني لحصار قطر، هذا الحصار الذي فرضته على قطر أربع دول عربية هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وقد جاء هذا الحصار في الخامس من حزيران وهو ذكرى النكسة الفلسطينية، ليكون نكسة أخرى من نكسات الأمة، التي بدأت تعاني من هذا التراجع المرعب والمخيف في قيم الأخوة الإسلامية والوحدة العربية والتضامن الإنساني، ومما يزيد الألم ألماً أن هذا الحصار يتزامن مع حصار غزة، غزة التي تقف وحيدة تدافع عن شرف الأمة بصدور أبنائها العارية المجردة من كل شيء إلا من الإيمان بالله تعالى وعدالة قضيتها.

 

التشابه كبير بين قطر وغزة، فهما صغيرتان من حيث المساحة الجغرافية، ومحصورتان جغرافياً، كما أنهما تشكلان صداعاً لدول التخاذل العربي، الأولى من خلال قناة الجزيرة التي أحدثت وعياً عاماً في العقل الجمعي العربي، وكان لها دور كبير في نشر الرأي الآخر، ومتابعة قضايا المقهورين، وكشف طغيان وفساد الاستبداد في العالم العربي، وكانت الصوت الناطق والمعبر عن ثورات الربيع العربي، والثانية من خلال صمودها الأسطوري وتضحياتها العظيمة ووقوفها وحيدة أمام الجبروت العسكري والطغيان الإسرائيلي، في زمن التخاذل العربي والتطبيع المجاني.

ولما كانت قطر من الدول القليلة التي وقفت بجوار غزة، من خلال دعمها المالي الذي كان خير عون لأولئك المحاصرين من قبل الأشقاء قبل الأعداء، ثم خلال الدعم الإعلامي الذي قامت به قناة الجزيرة، التي عملت على حمل قضيتهم للعالم، وأبرزت تضحيات أصحابها وصورت للعالم بشاعة الاحتلال الإسرائيلي ووحشيته، فكان حصار قطر حصاراً آخرا مضافاً لحصار غزة.

 

نثمن دور كثير من الدول التي وقفت بجوار قطر في رفض الحصار الظالم، وفي مقدمة هذه الدول تركيا التي ما توانت لحظة عند تقديم يد العون لقطر، كما مدت يد العون سابقا لغزة

ها هو رمضان الثاني يأتي على قطر وهي تحت حصار شامل تجاوز كل المعايير وانتهك كل الحقوق، وأدى إلى الحاق الأذى المادي والمعنوي بمواطنين لا لذنب اقترفوه ولا لجرم ارتكبوه، ولكن هذا الدولة وبما تملكه من قدرات مالية ومن إبداعات سياسية وترابط وطني استطاعت أن تحول المحنة إلى منحة وأن تجعل من هذا الحصار ورقة خسارة أساءت إلى أصحابها قبل أن تسيء إلى قطر، حيث استطاعت هذه الدولة الفتية استيعاب الصدمة منذ البداية، وعملت جاهدة على التخفيف من آثارها والتقليل أضرارها، وها هي آثار الحصار وأضراره تضعف يوماً بعد يوم، فمن استطاع الصمود في البداية مع شدة الصدمة وقوة المفاجئة وتمكن من الصمود والتكيف، يستطيع الآن وقد تجاوز مرحلة الخطر أن يعتمد على نفسه وأن يوجد البدائل العملية وما أكثرها!

وفي هذا المقام نثمن موقف دولة الكويت التي سعت بكل طاقتها لعلاج الأزمة ومحاولة التوفيق بين الأخوة فلها الشكر والتقدير، وما كان للكويت أن تقوم بهذا الدور لولا الديمقراطية النسبية التي تعيش في ظلالها، كما لا يجب أن ننسى أن هذا الدولة قد استفادت من التجارب السابقة وأيقنت أنه لا سبيل لحل المشاكل وتجاوز المعضلات إلا عبر الحوار والتفاوض، كما لا يفوتنا أيضاً أن نثمن دور كثير من الدول التي وقفت بجوار قطر في رفض الحصار الظالم، وفي مقدمة هذه الدول تركيا التي ما توانت لحظة عند تقديم يد العون لقطر، كما مدت يد العون سابقا لغزة، كما نشكر الدول التي تعرضت لضغوطات هائلة لحملها على ذات الموقف إلا أنها استطاعت أن تقف موقفاً متوازناً، وهو وإن لم يكن مؤيداً لقطر، ولكنه لم يكن ضدها، وهو جهد المقل.

 
نسال الله تعالى أن لا ينقضي هذا الشهر المبارك إلا وقد تآلفت الأمة وزالت الغمة، وتحقق الوئام بين الإخوة، وأن يكون عيدنا القادم عيدين، عيد الفطر وعيد الصلح والإخاء، فما يجمع الأخوة في دول مجلس التعاون الخليجي أكثر بكثير مما يفرقهم، فلغتهم واحدة ودينهم واحد، وعاداتهم وتقاليدهم مشتركة، وروابط الدم بينهم قوية، والأهم من ذلك كله هو أن الخطر الذي يواجههم واحد، فالمتربصون بهم وبثرواتهم كثر، لذا يجب تفويت الفرصة على كل طامع أو طامح باستغلال تلك الأزمة لتحقيق منافع سياسية أو اقتصادية على حساب المنطقة ودولها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.