شعار قسم مدونات

قصة اعتزال رنين

blogs بومة

في بداية الألفية الثانية، بدأ زحف الفضائيات الخاصة يفتح بابا للشباب المهتمين بالغناء بالتصدر والبروز. وفي وقت قصير ازدحمت الساحة الفنية بعشرات النماذج الشابة الباحثة عن الشهرة والنجاح. كان من بين هؤلاء شابة صغيرة، سرعان ما لفتت الانتباه إليها. لم يكن يُعرف عنها سوى اسمها الأول، رنين، لا تفاصيل كثيرة حول حياتها الشخصية، ملامحها المصرية وظهورها المقترن مع نظيرتها روبي وإتقانها اللهجة المحلية، جعلت الكثير من شباب جيلنا يجزم أنها صعيدية بلا شك.. لم تكن منافذ الإنترنت متوفرة بشكل يسمح بتداول المعلومات الخاصة بعد.

 

بعد أغنيتها الأولى، توقع الكثير لها رحلة صعود مدوية، وبدأ اسمها يتردد مع نجمات جيلها اللاتي كن في بداية طريقهن.. لكنّها اختفت فجأة دون تفاصيل، وكأن الأرض انشقت وبلعتها، حتى ساحة الإنترنت -على اتساعها- عجزت عن أن تجد لها أثرا. مرت الأيام، وكبرنا، لكن لحظات الصفاء تجعلنا ننبش الماضي بحثا عن الذكريات، أو حين يذكرك يوتيوب فجأة بأغاني التسعينيات، لتقفز من بعيد أغنية رنين، على استحياء كأنها تلوم تلك الخوارزمية التي أجبرتها على التصدر من جديد.

 

البحث باسمها الحقيقي سيمنحك صفحة داخلية بزاوية موقع محلي، صفحة واحدة فقط لم ينقل موضوعها أحد، لكنها تحمل قصة اعتزال رنين بعد أحد عشر عاما من ظهورها الأول

يغلبك الفضول أحيانا لمعرفة كيف انتهت رحلة بعض نجوم جيلك، لا سيما إذا كانت النهاية بهذا الشكل الباعث على الفضول ذاتيا.. تبدأ التنقيب عن الآثار وتتبع الأدلة كأنك محقق في موقع عمل ينبش في التفاصيل. "فرقة فلسطينية تقودها الفنانة المعتزلة رنين".. هكذا يخبرك البحث -باقتضاب شديد- بعد أن يملّ من إلحاحك، اعتزلت إذن وقبل أن تبدأ في جني ثمار نجاحها! لم تكن تلك إجابة شافية أبدا، وإنما مفتاح أسئلة أكثر فضولا وإلحاحا.

 

لا يخبرك البحث الكثير، فالفتاة لم تكمل مسيرتها لتلحق بزخم الإنترنت الذي كان على الأبواب.. بالكاد صفحة واحدة بمنتدى مهمل كتبها صاحبها قبل 11 عاما، يحكي فيها سطورا مقتضبة عن اسمها الحقيقي، وتاريخ والدها وإخواتها الفني، وأنها كانت في عمر الـ 19 حين غنت أغنيتها.. لا ريب أنها الآن على مشارف الثلاثينيات.. ثم ماذا؟ لا شيء أكثر!

 

لكن البحث باسمها الحقيقي سيمنحك صفحة داخلية بزاوية موقع محلي، صفحة واحدة فقط لم ينقل موضوعها أحد، لكنها تحمل قصة اعتزال رنين بعد أحد عشر عاما من ظهورها الأول، وعلى صدر الخبر صورة لها بحجاب لم يغيّر كثيرا من ملاحمها.. لقد تابت واعتزلت بفضل طائر بوم حمل لها كل أمارات التفاؤل والإقبال على الحياة!

 

تحكي رنين قصة اعتزالها فتقول: "هي حكاية أقرب إلى الخيال، حتى إنني كلما تذكرتها ظننت أنها حُلما أو مشهدا دراميا.. في ذلك اليوم قبل أحد عشر عاما، أغلقتُ باب الشقة وجميع النوافذ كعادتي في كل يوم، وجعلت أغط في سبات عميق بعدما تسلل بعض التعب إلى جسدي، لم أفق إلا وذلك الشيء الضخم يعيق تقلبي المعتاد على سريري، نهضتُ من فراشي وإذ ببومة ضخمة تقف بجواري.. نظرتُ إليها فوجدتها تحدق بي بعينيها الجاحظتين المرعبتين، حتى خيل لي للحظة أنني لم أفق من نومي بعد، فهربت مسرعة من غرفتي وأغلقت بابها بإحكام، حتى جاء زوجي وطرد تلك البومة ذات الشكل المرعب.

 

بعدها بدأت كومة أحلام مزعجة تداهم منامي، في إحداها جاءني شيخ وخيرني بين نار مشتعلة ونعيم الجنة، وسألني: أيهما تريدين؟ هذا أم ذاك؟.. وفي هيئة أخرى، حضرني ليخبرني بأنه إن لم أتوقف فلن أنعم بالإنجاب أبدا. ظللت أياما في حالة يرثى لها من الخوف والرعب، حتى ذهبت إلى أحد الدعاة وطلبت منه تأويل الأمر، فأجاب: لعلها إشارة لك من الله لكي تتركي عملك وتهتدي إلى النور.

 

الفنانة رنين عكاشة بعد الاعتزال (مواقع التواصل)
الفنانة رنين عكاشة بعد الاعتزال (مواقع التواصل)

ورغم أن الناس لا يحبون البوم، جاءت تلك البومة لتقلب حياتي رأسا على عقب، وتأخذها عن مسارها الخطأ، فقررتُ ترك الغناء وارتداء الحجاب. لكن معضلة كبيرة واجهتني، حيث كنت قد وقعت عقدا مع شركة سعودية، ووضعتْ عليّ شرطا جزائيا بقيمة مليون دولار إن فسخت العقد، ولم يكن باستطاعتي دفعها، فدبت الحيرة في نفسي، وصرت أتساءل: كيف سأخرج من هذا المأزق؟ وكيف لي أن أدبر هذا المبلغ؟ ولكني لم أفكر أبدا بالتراجع عن قراري، وكنت أدعو الله دائما أن يهديني ويأخذ بيدي.

 

التدابير الإلهية خبأت لي ما لم يكن بالحسبان، حيث تعرضتْ تلك الشركة لحريق هائل، التهم كل مقتنياتها، بما فيها ذلك العقد، فخرجت من مأزقي والذهول يلفني، فما مررت به أقرب إلى المعجزة حقا. أيتها البومة في حين أنك وُصمتِ بالشؤم، إلا أنك كنت بالنسبة لي مصدرا للتفاؤل.. كم من الامتنان أحتفظ به لك؟! حمدا لله، فلولاك لبقيت هائمة على وجهي في ذلك العالم الصاخب".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.