شعار قسم مدونات

علاقتنا المكهربة مع العلم

stack of books
كثيرون هم من يرددون في مختلف وسائل الإعلام أن تخلف العديد من دول الشرق الأوسط عن ركب العلوم والتقدم التقني راجع إلى الغرب، فمن الممتع الإيمان بنظرية المؤامرة، وأننا ضحية للغرب الذي يعرقل ويخطط لإفشال أي محاولة منا للتقدم، فذلك يغنينا عن التفكير في أسباب تخلفنا، وينسينا أن كثيرا من دول العالم عانت مثلنا من الاحتلال والحروب وقلة الموارد لكنها تقدمت علميا وفكريا. فمازال هذا الخطاب الإعلامي المنتشر في القنوات الفضائية ووسائل التواصل الإعلامي وخطب بعض الوعاظ، يسوق تصورا مشوشا لدى الجمهور عن العلم.

العلم والدين

يبدع بعض الخطباء في دروسهم ومواعظهم في بيان فضل النصوص الشرعية على باقي العلوم التي أبدعها الإنسان، ويذكرون الجمهور والمستمعين بأن القرآن الكريم يحوي كل العلوم، وأن العقل قاصر، كأننا في منافسة أو تحدي بين العلم والدين. بينما للعلم أدواته المنهجية الخاصة، التي تؤمن بالتجربة والتحليل والتصنيف، وللدين أدواته ونصوصه ومقاصده.

في أمريكا خمسة في المئة فقط خريجي الفلسفة يعملون في مجال الفلسفة، أما الباقي فيشتغلون في البحث العلمي أو القانون أو مجالات أخرى بسبب تمكنهم من أدوات التفكير النقدي ومنهجية البحث العلمي.

الروح مثلا، أمر مسلم به في الإسلام وفي أغلب الأديان، لكن العلم لا يؤكد ولا ينفي وجود الروح، وحتى إن ذكرها فلا يقصد بها المفهوم الديني للمصطلح، فنفي أو تأكيد وجود شيء في العلوم يحتاج إلى دليل مادي. والمسلم أو المؤمن لا يحتاج لإتباث أي من مفاهيم دينه بدراسة علمية. لذلك من الأفضل التعايش مع حيادية العلوم.
 

علم بلا فكر ولا فلسفة

تنتشر التقنيات الحديثة في العام العربي وفي الدول ذات الغالبية المسلمة، من هواتف وانترنت وحواسب، وتستعمل نتائج الدراسات العلمية في ما نملك من الصناعات. لكن هذه العلوم التي نستهلك، تقدمت بالأساس نتيجة لانتشار التفكير النقدي والفلسفة وشيوع استعمال المنطق العلمي في اتخاذ القرارات. أما في جامعاتنا فتنتشر الخرافات حتى بين طلبة العلوم.

فما زلنا نجد الكثيرين يؤمنون بأن الأرض منبسطة وتشكل مركز الكون، رغم أنه يشاهد قنواته الفضائية المفضلة بعد استقبال إشارات الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض! أما نظرية التطور فكثيرا ما يتم تشويه مضمونها للجمهور، وتتم مهاجمة من يدرسها. فقد ذكرت الأستاذة آنا دجاني في حوار لها على مجلة نتيور في نسختها العربية، كيف كان يستغرب طلابها تدريسها نظرية التطور بينما هي مسلمة ملتزمة.
 

أما الفلسفة فقد انتشر الاستهزاء بأهلها وبمن يدرسها، بل في إحدى الدول ذات الغالبية المسلمة يتم مهاجمة الفلسفة في مقررات التربية الإسلامية. ويتم رمي أهلها بالإلحاد وتسفيه الفلاسفة المسلمين القدامى وتحرير الخطب في بيان ضلالهم، بالرغم أنه في عهدهم كان العلماء العرب أو من يكتبون بالعربية هم من يقود التطور العلمي في العالم.
 

الروح مثلا، أمر مسلم به في الإسلام وفي أغلب الأديان، لكن العلم لا يؤكد ولا ينفي وجود الروح، وحتى إن ذكرها فلا يقصد بها المفهوم الديني للمصطلح.

أما الدراسات التي تثبت أهمية تدريس الفلسفة ودورها في رفع التحصيل العلمي للطلبة فكثيرة لدرجة أنه أصبح ينصح بتدريسها في السلك الابتدائي للأطفال. ونشرت جامعة شمال تكساس أن في أمريكا خمسة في المئة فقط خريجي الفلسفة يعملون في مجال الفلسفة، أما الباقي فيشتغلون في البحث العلمي أو القانون أو مجالات أخرى بسبب تمكنهم من أدوات التفكير النقدي ومنهجية البحث العلمي.
 

تحسين نظرة الجمهور للعلوم والفلسفة بين الناس، سيخلق جيلاً مبدعا، قادرا على مواجهة تحديات العصر، متقبلا للاختلاف ومنفتحا على النقاش. ولا خوف على الشباب أو على دينهم من كل فكرة جديدة أو نظرية علمية، فالعلماء الذين ساهموا في بناء الحضارة خرجوا عن المؤلوف والمسلم، لينتجوا الجديد والمبتكر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.