شعار قسم مدونات

تشييب أم تشبيب!

blogs - بوتفليقة
منذ ما يزيد عن أربع سنوات خرج الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بخطاب تاريخي، دعا الشباب فيه إلى التجنّد وتحضير نفسه من أجل استلام مشعل القيادة والتسيير في البلاد، لأن جيله كما قال "طاب جنانو"، وهي جملة باللهجة الجزائرية تعني أن جيله قد قدم ما يكفي ولم يصبح قادرا على تولي زمام الأمور، هذا التصريح الذي جاء بعد جملة من أحداث شغب عرفتها الجزائر مطلع العام 2011، كانت تنذر بعدوى ربيع جزائري على غرار ما عرفته أغلب الدول العربية، بعد احتواء تلك الأحداث تدهورت صحة الرئيس بوتفليقة على إثر جلطة دماغية ألزمته "كرسيا متحركا" مع شلل نصفي جعل من الطبقة السياسية والشعبية تتساءل حول قدرة الرئيس على تأدية مهامه الرئاسية، ليرد على كل تلك التكهنات والتساؤلات عندما ترشح لعهدة رئاسية رابعة، فاز فيها بالأغلبية الساحقة في أفريل عام 2014، وهو الحدث الذي أنهى أحلام كثيرين ممن كانوا يتمنون تفعيل مسألة تشبيب القيادة السياسية في الجزائر، بعد أن حكم الشيوخ مقاليد الحكم منذ الاستقلال.

لكن يبدو أنه ولا شيء تغير بالنسبة إلى موضوع إشراك الشباب في الحكومة بعد مضي أكثر من عامين على عهدة الرئيس الرابعة، بدليل أن مختلف الوزراء و السياسيين لا تقل أعمارهم عن النصف قرن، وهو السن الذي يدخل فيه الإنسان مرحلة الشيب والشيخوخة، أمر جعل ممن دخلوا معترك الانتخابات البرلمانية المقبلة يراهنون على مصطلح التشبيب داخل الأحزاب السياسية من أجل جذب شريحة واسعة من المجتمع الجزائري وهو عنصر الشباب، فترى الحزب العتيد الذي أغلب المنخرطين والقياديين فيه أعمارهم تفوق السبعين سنة اتخذوا شعار التشبيب في خطاباتهم وملصقاتهم ومنشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب الشباب، وعلى أرض الواقع تجد من تم ترشيحهم في القوائم جميعهم شيوخ.

حتى نتجاوز ما يتخبط فيه هذا النظام وما يعيشه شباب الجزائر اليوم، وجب أن نضع استراتيجية محكمة، تقوم أساسا على التخطيط والبناء الجاد والمحاسبة من خلال تفعيل مؤسسات الدولة.

الأمر نفسه بالنسبة إلى الأحزاب المعارضة والإسلاميين الذين ينتقدون السلطة في قضية التشبيب، نجد أن مختلف قوائمهم الانتخابية تحمل أسماء أشخاص يعود تاريخ ميلادهم إلى ألفية مضت، وهنا نتساءل كيف لهؤلاء القدامى أن يفهموا جيلا جاء بعد ألفية جديدة وفي خضم تطور تكنولوجي وزخم معلوماتي يتميز بالسرعة؟ وما هو معدل عمر التشبيب الذي يعنيه هؤلاء في تصريحاتهم وحملاتهم؟ ثم ما هو سبب تخوفهم من مسألة تشبيب السلطة؟ ألم تخرج القيادة السياسية والعسكرية بعد الثورة بأعمار لا تزيد عن الأربعين سنة؟ أم أن بين التشييب والتشبيب باء وياء لهما حسابات لا يعلمها شباب اليوم؟

الإجابة عن هذه التساؤلات تحتاج إلى تحليلات الطبقة الأكاديمية والسياسية نفسها، فهذا الجيل الجديد من الشباب يحتاج لمن يأخذ بيده إلى رصيف يمكنه من تحقيق طموحاته ومشاريعه، الشباب في الجزائر لم يعد يثق في هذه القيادات ولا في وعودها، نسبة كبيرة منهم هاجر إلى الضفة الأخرى عبر قوارب الموت منهم من وصل ومنهم من أكله الحوت في عرض المحيط الأطلسي.
 
الشباب في الجزائر اليوم وصل إلى درجة اليأس بعد أن ذاق من كأس الخيبة، فهو الطالب المتخرج بشهادات عليا لكنه لا يجد عملا لأن المحسوبية والرشوة تقفان عائقا أمام توظيفه، وهو العامل البطال الذي أغرق نفسه وأغرقه نظام فاشل بمشاريع فاشلة لا لسبب إلا لأنها لم تقم على أساس الدراسة والتخطيط.

حتى نتجاوز ما يتخبط فيه هذا النظام وما يعيشه شباب الجزائر اليوم، وجب أن نضع استراتيجية محكمة، تقوم أساسا على التخطيط والبناء الجاد والمحاسبة من خلال تفعيل مؤسسات الدولة، وهذا لن يتحقق إلا إذا تم إشراك الكادر الشبابي الذي تزخر به البلاد، بشرط أن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم، إذ يكون للقضاء المستقل دورا فعالا في الحفاظ على مكتسبات وأموال العامة، ويكون للإعلام دورا هاما في توعية المجتمع وتحسيسه بضرورة البناء، ويكون أيضا للمؤسسات الأمنية الدور الأكبر في الحفاظ على استقرار وهبة الدولة ضد ما يحاك لها عبر الحدود.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.