شعار قسم مدونات

الجانب الآخر للتفكير الإيجابي

blogs - thinking

"إياك أن تفكر بصورة سلبية على الإطلاق، دائمًا فكر بإيجابية. تحدث عن إنجازاتك بين الناس وكأنها حدثت بالفعل حتى تدفع نفسك للقيام بها. تخيل حياتك وكأنك تعيش بالفعل في ذلك النجاح الذي تريد تحقيقه." أغلب الظن أنك مررت بنصيحة مُشابهة للفقرة السابقة، ولكن هل هي نصيحة سديدة بالفعل؟

 

في مُحاضرة قصيرة بعنوان "فلتبق أهدافك لنفسك" [1] يُخبرنا المُحاضر – وفقًا لأبحاث علمية- أنه كلما تحدثت عن أهدافك أكثر بصورة علنية -على الأقل في بداية الرحلة- كلما أصبح من غير المُحتمل أن تُحققها. السبب هو أنه بتكرار التحدث بين الأهل والأصدقاء والمعارف عما تريد فعله، يُصبح ذلك الحديث جُزءًا من "واقعك الاجتماعي"، وهو ما يخدع عقلك بأن جزءًا من أهدافك قد تحقق بالفعل، وبالتالي يتملكك وهم أنك متقدم نحو أهدافك أكثر مما أنت عليه في الحقيقة، وبالتالي تعمل بجدية أقل، وبالتالي لن تحققها في الواقع!

 

مقال آخر منشور على نيويورك تايمز[2]  تتحدث فيه الكاتبة – وهي تعمل كبروفيسور لعلم النفس في جامعتي نيويورك وهامبورج – عن "مشاكل" التفكير الإيجابي على الصورة التي يتم الترويج له بها في الوقت الحالي. قضت الكاتبة العقدين الماضيين في دراسة ما يُعرف باسم "قُوة التفكير الإيجابي" بصُورة علمية. أبحاثها تضمنت دراسة فئات مُختلفة من الناس في سياق مواقف حياتية مُتنوعة، وكانت النتيجة التي توصلت إليها في جميع الحالات واحدة: التفكير الإيجابي -بالصورة التي يروج له بها في الوقت الحالي- لا يأتي إلا بنتيجة عكسية.

 

انتقِل للتفكير في التحديات التي تحتاج للتغلب عليها من أجل الوصول للمستقبل الناجح، ثُم ابدأ في العمل عليها. التنقل الدائم بين هاتين الحالتين، أو "المقابلة العقلية"، أعطى أفضل النتائج في التجارب العملية التي قامت بها.

في دراسة تضمنت عددًا من النساء التحقن ببرنامج لإنقاص الوزن، طُلب من مجموعة الحفاظ على التفكير بصُورة إيجابية حيال العملية وتخيل حياتهن وكأنهن أتممن البرنامج بالفعل، بينما طُلب من مجموعة أخرى التفكير في العقبات التي ستواجههن – مثلًا أنهن سيقمن بالغش وسيتناولن طعام ليس من المفترض بهن تناوله. بعد عام، كانت النتائج كالتالي: علاقة عكسية بين مقدار التفكير الإيجابي -على الصُورة التي تم وصفها- وبين النُقصان الفعلي في الوزن!

 

لماذا لا يعمل التفكير الإيجابي كما هو متوقع منه؟ في حين أن النظرة الإيجابية للمُستقبل تؤدي إلى حالة هدوء عامة في الجسم وانخفاض ملحوظ في ضغط الدم، فإنها في نفس الوقت تقتطع من الطاقة التي من المُفترض بذلها من أجل تحقيق هذا المستقبل. بعبارة أخرى، هي تجعلك أكثر كسلًا. هل هذا يعني أن علينا التخلي نهائيًا عن التفكير الإيجابي والتعامل مع الأمور "بواقعية"؟ لا، هذا الخيار سيء أيضًا، ويؤدي لنفس النتيجة. ألا تتخيل في طريقك سوى العقبات والتحديات التي عليك تجاوزها هو بنفس سوء الغرق في خيالات إيجابية، وذلك لأنه سيمتص من الطاقة اللازمة لتخطي تلك العقبات بالفعل، هذه المرة بسبب الخوف.

 

الحل كما تقول الكاتبة هو اتباع أسلوب "المُقابلة العقلية"، وهو وسط بين التفكير الإيجابي وبين النظرة الواقعية. في البداية تتخيل ذلك المُستقبل الرائع الذي ينتظرك بعد تحقيقك لهدف معين، ثُم تتخيل أنك بالفعل في ذلك المُستقبل. بعد ذلك، قُم "بتغيير التروس" وانتقل للتفكير في العقبات والتحديات التي تحتاج للتغلب عليها من أجل الوصول لذلك المستقبل، ثُم ابدأ في العمل عليها. التنقل الدائم بين هاتين الحالتين، أو "المقابلة العقلية"، أعطى أفضل النتائج في التجارب العملية التي قامت بها.

تقول الكاتبة أيضًا أن هذا الأسلوب يُساعد الفرد على "تصفية" الأهداف؛ حيث أنه بمرور الوقت ستشعر بأنك تتمسك بالأهداف "القابلة للتحقيق" بالنسبة لك بصورة أكبر، بينما ستشعر بالفتور تجاه الأهداف الأخرى التي ليست كذلك. في حين أن "المُقابلة العقلية" هي الحالة الافتراضية التي يُفضل أن يتواجد فيها الفرد معظم الوقت، فمن المؤكد أنه ستمر على الفرد أوقات يُصبح فيها من الأفضل التفكير بإيجابية مُطلقة، وأوقات أُخرى يُصبح فيها من الأفضل التفكير بواقعية مطلقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.