الجزيرة نت تبحث الأزمة الاقتصادية والسياسية في سريلانكا مع مستشار معهد فاكتوم للدراسات في كولومبو

تطورت الأزمة الاقتصادية في سريلانكا بسبب جائحة كورونا وسوء إدارة الحكومة لها إلى أزمة سياسية استقال وزراء الحكومة على إثرها، إلا أن الشارع لا يزال غاضبا ويطالب باستقالة الرئيس ورئيس الوزراء، وهو ما يبحثه هذا الحوار مع الخبير في الشؤون السياسية السريلانكية ومستشار معهد فاكتوم للدراسات الدكتور رانغا كالانسوريا.

Protest against Sri Lankan President Gotabaya Rajapaksa near the parliament, in Colombo
غضب شعبي متواصل رغم استقالة وزراء الحكومة بسبب الأزمة الاقتصادية في سريلانكا (رويترز)

كولومبو – تحولت أسوأ أزمة اقتصادية تعصف بسريلانكا إلى أزمة سياسية، فبعد جائحة كورونا التي ضربت السياحة على مدى عامين جاءت الحرب على أوكرانيا لتسرع من وتيرة تدهور الاقتصاد، ولم يعد في خزينة الدولة قدرة على استيراد المواد الأساسية، مثل الوقود والمواد الغذائية.

وقد تسببت الأزمة باستقالة جماعية لجميع أعضاء الحكومة، باستثناء الرئيس ورئيس الوزراء، ووفق رأي الخبير في الشؤون السياسية السريلانكية ومستشار معهد فاكتوم للدراسات الدكتور رانغا كالانسوريا يبدو الحل مستعصيا مع استمرار الرئيس غوتابايا راجاباكسا في السلطة، ولا مخرج منها إلا بالاستجابة للمطالب الشعبية.

ونظرا لأن الرئيس يتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة، ولا يمكن لحكومة معارضة العمل معه، والقروض والمساعدات الدولية مرهونة باستقرار النظام السياسي، فإن الخيار الأسلم لسريلانكا هو تسليم الرئيس وشقيقه رئيس الوزراء السلطة وتشكيل حكومة تكون مهمتها إنقاذ البلاد.

وهذا نص الحوار مع الدكتور رانغا كالانسوريا حول الأزمة في سريلانكا:

رانغا كالانسوريا - مستشار معهد فاكتوم للدراسات في العاصمة السريلانكية كولولمبو
رانغا كالانسوريا يرى أن المخرج الوحيد من الأزمة السياسية في سريلانكا هو تنحي الرئيس (الجزيرة)
  • دكتور رانغا، الأزمة الاقتصادية ليست وليدة اليوم، وهي نتيجة إخفاق متراكم لحكومات متعاقبة، فلماذا يلقى اللوم على الحكومة الحالية؟

أنت محق في قولك إن الأزمة الاقتصادية نتيجة إخفاق الحكومات المتعاقبة، فهذا صحيح، أما توجيه اللوم لهذه الحكومة فلأسباب كثيرة، منها:

أولا: لقد تعهدت منذ اللحظة الأولى لتسلمها السلطة في عام 2019 بالعمل على معالجة الأزمة الاقتصادية، وكان هناك توصيات من الخبراء في الاقتصاد بكيفية الخروج من الأزمة، لكن ما فعلته الحكومة هو عكس هذه التوصيات، فلم تتخذ القرارات الصحيحة في الوقت الصحيح.

ثانيا: إذا أخذنا مجموع الديون المستحقة على سريلانكا فإننا نجد أن 78% منها تم اقتراضها في عهد نظام راجاباكسا الأول، من عام 2005 حتى عام 2015، فالمبلغ الأضخم استلف من قبل حكومة هذه العائلة.

ثالثا: وهو المهم أن هذه الأموال لم تنفق على خدمة الشعب، وإنما على مشاريع عديمة الفائدة للشعب والمستفيد منها أشخاص معينين.

  • إذن ما أسباب الأزمة، إذا كنت تقر بأن المسؤول عنها حكومات متعاقبة، وما الأسباب الرئيسية لهذا الإخفاق؟

سوء الإدارة والعجرفة، وكما أن الرئيس التنفيذي الحالي لا يملك الخبرة والحكمة في إدارة شؤون الحكم، ويضاف إلى هذه العوامل مجتمعة جاءت جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا لتفاقم المشكلة.

  • كيف أثرت الحرب على أوكرانيا على اقتصاد سريلانكا؟

بالتأكيد العامل الأول يتعلق بالسياحة.

  • لكن ألم تتضرر السياحة بسبب جائحة كورونا؟

لا، نحن لم نغلق أبوابنا في وجه السياحة، فقد استمر السياح الروس في زيارة البلاد أثناء الجائحة، وكانت تنظم رحلات خاصة بالسياح الروس والأوكرانيين، ويكادون يكونون الوحيدين الذين لم يتوقفوا عن زيارة سريلانكا ضمن إجراءات خاصة.

ثم صادرات الشاي، فروسيا وأوكرانيا تعدان أكبر مستوردان للشاي السريلانكي، وضربت هذه السوق بشكل مباشر بعد اندلاع الحرب، يضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار الوقود عالميا، وغيرها الكثير من تداعيات الحرب في أوروبا على سريلانكا.

  • هناك من يربط الأزمة في سريلانكا بالتنافس الهندي الصيني عليها، فكيف ترى ذلك؟

النزال بين الصين والهند على سريلانكا بدأ منذ وقت بعيد، وهذا ليس جديدا، ويعود إلى مرحلة ما بعد الاستقلال مباشرة، عندما لم تكن الصين هي الصين الكبرى اليوم، فالنفوذ الصيني واضح في سريلانكا مثل قصر المؤتمرات الذي بناه الصينيون في السبعينيات.

والعلاقات بين الصين وسريلانكا تاريخية، كما هو الحال مع الهند التي نعتبرها الأخت الكبرى، وفي السياق الحالي لا أحب استعمال تعبير قتال وإنما تنافس بين البلدين للاستحواذ على حصة أكبر من المصالح الاقتصادية وغيرها من المصالح المختلفة الأخرى.

أما بالنسبة للحكومة السريلانكية، خاصة الحكومة الثلاث أو الأربع الأخيرة، فقد أخفقت في إدارة هذا التنافس لمصلحة سريلانكا، ووظفوه لمصلحة بعض الأشخاص، ولا أعتقد أننا نجحنا في إدارة العلاقة بينهما سياسيا، ولذلك فإننا نواجه الأزمة الحالية، على الأقل في جانب مهم منها.

Protest against Sri Lankan President Gotabaya Rajapaksa near the parliament, in Colombo
الشارع السريلانكي غاضب من الأزمة الاقتصادية ويطالب بتنحي الرئيس راجاباكسا (رويترز)
  • هل سقطت سريلانكا في فخ الديون الصينية؟

لا أريد استعمال كلمة فخ في هذا السياق، لأنه لن يكون من اللائق سياسيا ودبلوماسيا استعمال كلمة فخ، والمشكلة هي أننا كنا مرنين جدا في استدانتنا من الصين، ولا أقول الدولة، وإنما بعض القادة السياسيين الذين مارسوا مرونة كبيرة جدا أثناء التفاوض على الشروط، مثال ذلك أن القروض تتضمن فوائد بنسبة تصل إلى 8% وهذه ليست قروض مساعدات وإنما قروض تجارية واستثمارية، وهذه الديون لم تكن بعد انتخابات 2019 وإنما كما قلت سابقا إن 78% منها حصل في عهد حكومة راجاباكسا السابقة لبناء شبكات اتصالات ومشاريع خاصة.

  • وماذا عن الموانئ ومشاريع البنية الأساسية؟

إذا ما ذهبت إلى الجنوب فإنك ستجد مراكز مؤتمرات وملاعب كريكيت، كما تشاهد في العاصمة كولومبو أبراجا تجارية، وكلها لا تعود بفوائد اقتصادية للشعب، وأقيمت بديون من أموال الشعب، أما مدينة الميناء فتصب في خدمة البلاد على الأقل.

  • ولكن الميناء أثار إشكاليات وجدلا سياسيا واقتصاديا أكثر من الفوائد المتوقعة؟

نعم هذا صحيح، فقد تسبب بقلق أمني للهند، ولذلك أقول إننا لم ندر هذا التنافس بشكل صحيح، وعلينا أن نعرف كيف ندير اللعبة الدبلوماسية بين البلدين.

  •  بالعودة إلى الأزمة، هناك حكومة منتخبة، فإذا كانت فاشلة لماذا لا ننتظر حتى الانتخابات المقبلة لنرى التغيير؟

لأن نظام الحكومة أخفق إخفاقا ذريعا، ولا يقدم شيئا للشعب، فلا يمكن الانتظار.

  •  معاقبة الحكومة ألا يجب أن يكون عبر صناديق الاقتراع وليس في الشارع؟

هذا تحد كبير، لأن الرئيس يتمتع بحصانة قانونية، ولا يمكن معاقبته.

  • أقصد أن يعاقبه الشعب عن طريق صناديق الاقتراع

إذا انتظرنا 3 سنوات أخرى من أجل معاقبة الرئيس عن طريق صناديق الاقتراع فإننا لن نجد سريلانكا، وقد نكتشف مع مرور الوقت أن الأسواق السريلانكية قد بيعت لمجموعات المصالح، فلا يمكننا الانتظار، وأنا مع الناس أقول لا يمكننا الانتظار لـ3 سنوات أخرى.

Sri Lanka celebrates 74th Independence Day
الرئيس راجاباكسا (وسط) يحظى بشرعية انتخابية غير مسبوقة لكن الشارع يطالبه بالتنحي (رويترز)
  • ولكن الذهاب إلى انتخابات مبكرة قد لا يكون معقولا في ظل الأزمة الاقتصادية؟

لا نستطيع الذهاب إلى الانتخابات في هذا الوقت، فالانتخابات تكلف نحو 12 مليار روبية (حوالي 38 مليون دولار)، وحتى لو توفر بعض المال فإننا لا نملك ثمن أوراق الانتخاب، وهنا تكمن الورطة في الأزمة.

  • إذن أنتم لا تريدون انتخابات ولا تريدون الرئيس، فما الحل؟

هناك 3 خيارات:

الأول هو النزول عند مطالب الشعب، وهي أن يعود راجاباكسا إلى بيته، بأن يستقيل ويأخذ مكانه شخص آخر، وعليه أن يفعل ذلك طواعية، فالأمر يتعلق به، وهو مجرد مطلب والأمر يعود إليه في قبوله أو عدمه، والدستور في سريلانكا واضح فيما سيحدث حال استقالته، فهناك نظام تعاقب للسلطة في الدستور، وحتى يتم ذلك عليه أن يستقيل.

والخيار الثاني: تشكيل حكومة برلمانية دون أن يستقيل، وهذه ستكون تحت سيطرته، حكومة جديدة بدون شخص راجاباكسا على رأسها، إضافة إلى تفاصيل أخرى.

الخيار الثالث: ألا يستقيل الرئيس، ولكن المعارضة هي من تشكل الحكومة الجديدة، وهذا يعني الوصول إلى طريق مسدود، لأنه سيكون لدينا رئيس تنفيذي وبرلمان معلق، ولا يمكن العمل في هذه الحالة.

وإذا درسنا هذه السيناريوهات معا، فإن السيناريو الأول هو الممكن والعملي، وهو الوصول إلى صفقة تقضي بتنحي الرئيس حفاظا على البلد، أما الخياران الآخران لن يكونا عمليان.

  • لكن الرئيس ما زال يتحدى، ويقول إنني منتخب من قبل 7 ملايين مواطن، فلماذا أستقيل؟

بالضبط هذا ما يجادل به، ومتمسك به، لكننا ننتظر كيف ستتفاعل الأمور خلال الأسبوعين المقبلين، وأنا لا أسطيع التأكيد أن الرئيس وشقيقه رئيس الوزراء يمكنهم الاستمرار في هذه الظروف لأسبوعين آخرين، فمصلحة سريلانكا تتطلب حكومة قوية، والمجتمع الدولي يريد حكومة مستقرة لتقديم مساعدات أو منح أو قروض، لذلك فإن استعادة البلاد عافيتها الاقتصادية يعتمد على تشكيل حكومة قوية، وما دام أن السيد راجاباكسا متمسك في موقعه في الرئاسة فإن البلاد لن تكون مستقرة.

  • لكن هناك قناعة واسعة أنه أقوى رئيس في سريلانكا، فقد فاز بأغلبية تجاوزت الثلثين، وهو بطل حرب، فلماذا أخفق؟

أنا كذلك مشوش، لأن هذا ما كنا نقوله، ولم نكن نتوقع ذلك، واليوم يقيد وسائل الإعلام ويحظر وسائل التواصل الاجتماعي، وأثبت أنه ليس بالشخص الذي كنا نأمل.

  • بُعد آخر، ماذا تعني استقالة جميع الوزراء؟

استقالة أعضاء الحكومة لا تعني شيئا، وهذه ليست إلا محاولة لشراء الوقت وتضليل الشعب، لأنه في اليوم التالي سترى مجموعة وزراء آخرين يؤدون القسم، وهذا سيحشد مزيدا من الناس في الشوارع.

  • هناك نحو 40 عضوا برلمانيا أعلنوا تخليهم عن الحكومة والبقاء في البرلمان مستقلين، فهل هذا يعني أن غوتابايا خسر الأغلبية في البرلمان؟

نعم لقد خسر الأغلبية لأن الذين أعلنوا تخليهم عن دعمه يزيدون على 40 عضوا، وهناك أكثر من 30 عضوا آخرين ينتظرون اختيار قيادة قوية من داخل البرلمان.

  • لما لم تتطرق إلى خيار عزل الرئيس؟

عزل الرئيس يحتاج إلى 145 عضوا دفعة واحدة من بين 225، ليشكلوا غالبية الثلثين، ولا أظن أن من يسعون لمشروع سحب ثقة عن الحكومة بغالبية النصف يملكون هذا العدد لعزل الرئيس، فالوصول إلى هذا العدد ليس سهلا لأن مواقف البرلمانيين تتشكل أحيانا بصفقات تجارية، ويمكن شراء بعضهم بسهولة.

ولكن ممارسة مزيد من الضغط في الشارع يعني مزيد من الضغط داخل البرلمان، لأن عدم تجاوب أعضاء البرلمان مع الشارع يعني أن عليهم أن يرحلوا، ونحتاج إلى عدد كاف في البرلمان للخلق برلمان معلق يشل النظام السياسي الذي يقوده الرئيس الحالي.

المصدر : الجزيرة