حرية التعبير في خطر.. تعريف غامض لمعاداة السامية يفتح معركة بين أساتذة الجامعات والحكومة البريطانية
تعيش الجامعات البريطانية على وقع جدل متزايد سببه التعريف المعتمد من طرف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية، وذلك بعد إعلان المجلس الأكاديمي لجامعة "كوليدج لندن" قرارها إعادة النظر في هذا التعريف، لأنه يضع "حرية التعبير الأكاديمية في موضع التهديد".
وأعلن مجلس هيئة التدريس في الجامعة -التي تعد من بين أعرق الجامعات في المملكة المتحدة- أنه يوصي إدارة الجامعة بوضع تعريف خاص بها لما يتعلق بمعاداة السامية عوض التعريف المعتمد من طرف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست، والذي اعتمدته الإدارة.
ورغم تحذيرات الحكومة البريطانية -خصوصا وزارة التعليم- من قطع الدعم عن أي جامعة ترفض اعتماد هذا التعريف فإن الكثير من الجامعات ما زالت تخوض نقاشات واسعة بشأن هذا الموضوع المثير للجدل، والذي يرى فيه بعض الأكاديميين البريطانيين مؤشرا على الحد من حرية التعبير الأكاديمية.
حرب التعريفات
وأوصى مجلس هيئة التدريس في جامعة "كوليدج لندن" بإعادة صياغة تعريف معاداة السامية، لاستبدال المعتمد حاليا من طرف الجامعة، ويأتي هذا القرار بعد تقرير أصدرته هيئة التدريس في الجامعة نهاية العام الماضي يحذر من أن تعريف معاداة السامية الذي أقرته الجامعة "يخلط بين الأفكار العنصرية ضد اليهود وبين النقاش السياسي بشأن إسرائيل وفلسطين".
وأشار التقرير المنجز من طرف فريق عمل في الجامعة إلى أن مثل هذا التعريف "سوف يؤدي للإضرار بحرية التعبير الأكاديمية، وإثارة ثقافة الخوف والرقابة الذاتية من الخوض في المواضيع المثيرة للجدل داخل الفصول الدراسية".
ويتضمن تعريف التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست كلمات معدودة مفادها أن معاداة السامية "هي نظرة معينة لليهود، والتي يمكن التعبير عنها بأنها كراهية لليهود، والمظاهر الخطابية والمادية لمعاداة السامية موجهة نحو اليهود أو غير اليهود وممتلكاتهم، وتجاه مؤسسات المجتمع اليهودي والمرافق الدينية".
وأثار قرار هيئة التدريس في "كوليدج لندن" العديد من أنصار اللوبي المساند لإسرائيل في بريطانيا الذين اعتبروا أن التعريف معتمد من طرف أعرق الجامعات، ومن بينها "كامبردج" و"أكسفورد"، إلا أنه حسب أرقام اتحاد الطلبة اليهود في بريطانيا فإن 48 جامعة فقط من أصل 133 في بريطانيا اعتمدت التعريف رغم تحذيرات الحكومة.
ولم تمر تحذيرات وزارة التعليم للجامعات بقطع الدعم عنها في حال لم تعتمد هذا التعريف المثير للجدل مرور الكرام، ففي رسالة نشرتها صحيفة "غارديان" (The Guardian) لعدد من كبار المحامين في البلاد أكدوا أن تحذيرات وزارة التعليم مخالفة للقانون ولمبدأ استقلالية الجامعات والحق في حرية التعبير.
وتؤكد رسالة المحامين البريطانيين أن الحق الراسخ والمؤكد قانونيا لحرية التعبير يتم تقويضه من خلال الترويج لتعريف غير ملزم من الناحية القانونية لمعاداة السامية، محذرين من أن الترويج لهذا التعريف والضغط من أجل اعتماده يؤديان إلى "تقليص سقف النقاش، ويجب دعم الجامعات التي ترفض مبدأ التضييق على الحرية الأكاديمية".
خوف في الجامعات
بكثير من الترحيب استقبل البروفيسور كامل حواش الأستاذ في جامعة برمنغهام البريطانية قرار هيئة التدريس في "كوليدج لندن"، معتبرا أن هذا القرار "جاء بعد دراسات معمقة من أكاديميين مختصين في معاداة السامية، وكلها اعتبرت أن التعريف المعتمد لا يصلح لمهمة إيقاف معاداة السامية، وإنما يهدف بالأساس لتقييد انتقاد سياسات إسرائيل".
وأضاف الأكاديمي البريطاني من أصول فلسطينية أنه كأستاذ جامعي ومناصر للقيم الإنسانية يريد للعنصرية ضد اليهود وغير اليهود أن تتوقف "ولكن دون محاولات تكميم الأفواه ووقف انتقاد دولة الاحتلال ومنع الفلسطينيين من تقديم سرديتهم لما يحدث في وطنهم".
ولفت إلى أن قرار هيئة التدريس في جامعة "كوليدج لندن" أعطى الكثير من الزخم لهذا الموضوع "وهذه بداية لإعادة النظر في هذا التعريف المثير للجدل، ويسلط الضوء أيضا على التهديدات الممارسة من طرف وزير الجامعات لاعتماد هذا التعريف".
ويؤكد حواش أن "هذا التعريف أدى لنشر جو من الخوف في صفوف الأكاديميين والطلبة، وبات البعض يتجنب هذا الموضوع حتى لا يوصم بأنه معاد للسامية وما لذلك من تبعات مهنية وأكاديمية"، وذلك في معرض رده على المدافعين عن تعريف الاتحاد الدولي لذكرى الهولوكوست بأنه لم يتم تسجيل طرد أي أستاذ أو إيقاف أي نشاط جامعي بمقتضى هذا التعريف لمعاداة السامية.
وشدد الناشط الفلسطيني على أهمية النضال "حتى تبقى الجامعات مكانا للتعبير الحر دون خوف، والحديث عن حقيقة ما يحدث في فلسطين".
سابقة في البلاد
بدورها، تتحدث مسؤولة برنامج الدراسات العليا للاجئين في جامعة شرق لندن الدكتورة عفاف الجابري عن استحالة إتمام عملها الأكاديمي في هذا البرنامج في حال إقرار هذا التعريف لمعاداة السامية، قائلة إنه "سيضعنا في تحد كبير، لأنه لا يمكن طرح موضوع اللاجئين مثلا دون الحديث عن فلسطين واللاجئين الفلسطينيين".
ومن خلال إشرافها على هذا البرنامج الأكاديمي تؤكد الدكتورة الجابري أن هذا التعريف سيقف حائلا دون الحديث عما حدث في 1948 والسياسات الإسرائيلية الاستيطانية، وباعتبارها المسؤولة الرئيسية عن وضع اللاجئين الفلسطينيين في مختلف دول العالم تؤكد أن دورها كأستاذة جامعية ومدافعة عن الحق الفلسطيني يقتضي "التطرق لإسرائيل كمشروع عنصري واحتلال يرتكب جرائم".
وتصف الأكاديمية من أصول فلسطينية هذا التعريف المثير للجدل بأنه "مقيد لحرية التعبير الأكاديمية، ولن نجد الحرية كأكاديميين لشرح الوضع".
وعن الأجواء التي تسود في أوساط الأكاديميين البريطانيين بصفة عامة تقول "إن الجميع يتخوفون من تدخل وزارة التعليم في الجامعات، وهذه سابقة في تاريخ البلاد، لأن الأعراف البريطانية تقتضي عدم التدخل الحكومي في عمل الجامعات"، مؤكدة أن تكتل الأكاديميين في بريطانيا "قوي ولن يسمح بمرور مثل هذا التعريف".