القاعدة والحرب على الإرهاب عام 2006

القاعدة والحرب على الإرهاب في العام 2006


– ظهور جديد لأسامة بن لادن
– "قاعدة" العراق وتحولات الموقف
– تصاعد الحرب في أفغانستان وبيعة حكمتيار
– القاعدة إلى سيناء ولبنان
– شعور القاعدة بالانتصار
– التطورات المتوقعة في العام القادم

من المؤكد أن عام 2006 كان مميزا وحافلا بالأحداث بالنسبة لتنظيم القاعدة، وفي ذات السياق بالنسبة لما يسمى الحرب على الإرهاب، تلك الحرب التي أعلنتها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش منذ اليوم الأول لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.


ظهور جديد لأسامة بن لادن
افتتح العام 2006 برسالة صوتية لأسامة بن لادن، وذلك بعد عام من الغياب عن وسائل الإعلام، الأمر الذي أثار الشكوك حول ما إذا كان على قيد الحياة أم لا.

واللافت أن الرسالة كانت سياسية بامتياز، إذ غابت عنها مصطلحات الكفار والصليبيين واليهود لتحل مكانها لغة سياسية تتحدث عن حرب بين عدوين يعرض أحدهما الهدنة على الآخر.

لم يكن وصف بن لادن لأسباب الرفض الأميركي للخروج من العراق صحيحا، إذ تحدث فقط عن مصالح حزبية وشخصية، مع أن حقيقة الرفض إنما جاءت بسبب إدراك القيادة تداعيات الانسحاب على هيبة ونفوذ الإمبراطورية الأميركية.

أما المحافظون الجدد أو الصهاينة الذين يهيمنون على القرار السياسي الأميركي، فلهم منطلق آخر، إذ يدركون أن تراجع هيبة الولايات المتحدة سيؤثر بالضرورة على مصالح الدولة التابعة لها.

أيا يكون الأمر، فقد كانت الرسالة على درجة من الأهمية لتذكيرها الولايات المتحدة بفشلها في العراق، إلى جانب التذكير بأن أسامة بن لادن لا يزال حيا ومعه أيمن الظواهري والملا محمد عمر أيضا.

بعد ذلك بوقت قصير، وتحديدا في شهر مايو/أيار الماضي، عاد أسامة بن لادن، وعلى خلفية الهبة المتعلقة بالرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي عليه الصلاة والسلام، عاد وبث رسالة أخرى، كانت في واقع الحال محاضرة طويلة في العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي، من دون أن يخفي ذلك الكثير من الملاحظات التي يمكن للمراقب وضعها على الرسالة، أقله من زاوية الطريقة التي يمكن من خلالها الرد على العدوان الغربي.

لكنها كانت مناسبة للتذكير بمحاور الصدام بين الغرب والعالم الإسلامي مثل الشيشان والصومال وفلسطين وأفغانستان والعراق.


"
قيادة القاعدة لم تكن راضية عن سياسة قتل الشيعة كما بدا في رسالة الزرقاوي إلى بن لادن، وكما بدا على نحو أكثر وضوحا في رسالة الدكتور أيمن الظواهري للزرقاوي
"

"قاعدة" العراق وتحولات الموقف
ما من شك في أن محور القوة في وجود القاعدة منذ ما يزيد على عامين قد تمثل في فرعها في العراق، وهو الفرع الذي التحق بها لاحقا، تماما كما وقع قبل شهرين من نهاية هذا العام من قبل الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر.

ومعلوم أن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين كما أطلق عليه لاحقا كان سابقا تنظيم التوحيد والجهاد الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي بالتعاون مع بعض العراقيين والعرب الآخرين.

بعد انفجار سامراء الذي وقع في شهر مارس/آذار واتهم به تنظيم القاعدة رغم نفيه لذلك، بدا أن الوضع يسير حثيثا باتجاه الحرب الأهلية، وهي حرب نسب إلى الزرقاوي تبشيره بها خلال العام الثاني من الاحتلال كما ورد في رسالة نسبت إليه.

في حين بدا أن الوضع قد تطور سياسيا في اتجاه مساعي دمج العرب السنة في العملية السياسية، وضمن ذلك بعض العشائر في مناطق الأنبار، وهو وضع ربما أقلق الزرقاوي، الأمر الذي دفعه كما تشير بعض التحليلات، إلى الخروج العلني للمرة الأولى، كاسرا بذلك إجراءاته الأمنية المعقدة، تلك التي دفعت الكثيرين إلى التشكيك في وجوده في العراق من الأصل.

في نهاية شهر أبريل/نيسان ظهر شريط الزرقاوي، ولم يمض الكثير من الوقت (أقل من ستة أسابيع) حتى تمكنت القوات الأميركية من الوصول إليه واغتياله، الأمر الذي شكل منعطفا مهما بالنسبة للقاعدة، نظرا لما شكله الرجل من كاريزما بالنسبة للكثيرين.

كان الزرقاوي قبل وفاته قد أدرك إشكالية أن يكون هو واجهة التنظيم في العراق، فشكل ما عرف بمجلس شورى المجاهدين الذي يضم عددا من الفصائل ووضع على رأسه عراقيا هو أبو عبد الرحمن البغدادي، وهو تطور بدا مهما وإن لم يغير من حقيقة أن المجلس ظل صدى للقاعدة من حيث الوجهة السياسية والعسكرية.

بعد مقتل الزرقاوي نصّبت القاعدة أبا حمزة المهاجر زعيما عليها، حيث بادر الرجل مباشرة إلى إعلان البيعة لأسامة بن لادن كنوع من استمرار الوجهة التي بدأها سلفه، فيما لوحظ أن العمليات التي تستهدف المدنيين الشيعة قد تصاعدت بدل أن تتراجع، مع العلم أن قيادة القاعدة لم تكن راضية عن سياسة قتل الشيعة كما بدا في رسالة الزرقاوي إلى بن لادن، وكما بدا على نحو أكثر وضوحا في رسالة الدكتور أيمن الظواهري للزرقاوي.

لكن بن لادن عاد في رسالة رثاء للزرقاوي ليدافع عنه، نافيا تهمة القتل العشوائي، وقائلا إن الأوامر إليه كانت واضحة بالتركيز على جنود الاحتلال.


تصاعد الحرب في أفغانستان وبيعة حكمتيار
من التطورات اللافتة للانتباه عام 2006 ما يتعلق بالمعركة الدائرة في أفغانستان بين حركة طالبان وبين قوات الاحتلال المشكلة من الولايات المتحدة وقوات حلف الأطلسي.

وفي حين لا يبدو الدور الذي تلعبه القاعدة في سياق المعركة في أفغانستان واضحا، فإن المؤكد أن للتنظيم دورا ما هناك، سواء من خلال بعض خبراء المتفجرات أو المقاتلين الذين يتوافدون إلى هناك بناء على توجيهات قيادة التنظيم، أو من خلال الأموال التي يمكن أن تتدفق من خلال بعض الأنصار هنا وهناك.

أما اللافت في الوضع الأفغاني فيتمثل في ظهور القائد الأفغاني حكمتيار عبر شريط مصور على طريقة القاعدة يعلن فيه البيعة لأسامة بن لادن، كما يعلن فيه الحرب على قوات الاحتلال، من دون أن يعلن البيعة للملا محمد عمر، وإن بدا أن ذلك تحصيل حاصل على اعتبار أن بن لادن قد بايع الملا محمد عمر ولا يزال على بيعته.

كان لافتا بالطبع لجوء حركة طالبان بزعامة الملا محمد عمر إلى سياسة العمليات الاستشهادية الواسعة النطاق في سياق استهداف القوات الأجنبية، الأمر الذي ضاعف من خسائر تلك القوات، كما أحدث حالة ارتباك واضحة في صفوف قوات الجيش التابعة لحكومة كرزاي.


"
العمليات التي استهدفت منتجع دهب السياحي، وإن لم يؤكد ارتباطها بالقاعدة، تركت آثارا بالغة الأهمية على وضع التنظيم وعلى مخاوف الدولة العبرية من إمكانية تمدده في اتجاه الداخل الفلسطيني
"

القاعدة إلى سيناء ولبنان
من الضروري الإشارة هنا إلى العمليات التي استهدفت منتجع دهب السياحي في شبه جزيرة سيناء في مايو/أيار من العام الماضي، وهي عمليات يصعب الحديث عن ارتباطها المباشر بقيادة القاعدة.

لكن المؤكد أن تلك العمليات قد تركت آثارا بالغة الأهمية على وضع التنظيم وعلى مخاوف الدولة العبرية من إمكانية تمدده في اتجاه الداخل الفلسطيني، أي الأراضي المحتلة عامي 67 و48.

وقد عكست الصحف الإٍسرائيلية وكلام المحللين المعروفين الكبار مخاوف الدولة العبرية من هذا التطور، وما من شك أنها مخاوف مشروعة إلى حد كبير.

يشار هنا إلى أن رسالة الظواهري التي بثت قبل نهاية العام بأيام، والتي انتقد فيها موقف حماس المتعلق بالتهدئة والانتخابات، ربما بدت تحريضا على إيجاد وسائل للعمل في فلسطين، تماما كما هي إشارة أسامة بن لادن فيما يتعلق بدارفور.

كان كلام الظواهري حول لبنان بعد الحرب الإسرائيلية لافتا للانتباه لعدم تكراره التعبيرات السلفية حيال حزب الله، وإن لم تصدر عنه أية عبارة تزكية للحزب.

لكن حديث الرجل عن جبهة المستضعفين كان مهما لجهة شموله الضمني حزب الله وجميع المعارك التي يخوضها الأميركان والصهاينة في سياق واحد.

ولا خلاف على أن إمكانية اللقاء بين القاعدة وحزب الله ليست كبيرة، لكن ذلك لا يغير من حقيقة أن لكلا الطرفين معركته مع الولايات المتحدة.

وحين يكون الأمر كذلك فإن إمكانية اللقاء بينهما بشكل من الأشكال تبقى قائمة، وإن بدا أن ما يجري في العراق قد باعد الشقة بين الشيعة والسنة، لاسيما إثر المناكفات التي تسود الساحة اللبنانية والتي وضعها البعض في إطار البعد المذهبي.


شعور القاعدة بالانتصار
من المؤكد أن الشريط المصور الذي كان بمثابة فيلم وثائقي نشر في الذكرى السادسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كان مهما، بل بالغ الأهمية نظرا لتعبيره عن شعور القاعدة بالانتصار على الولايات المتحدة، بل شعورها بأن برنامجها القائم على توريط الولايات المتحدة في أفغانستان من أجل استنزافها قد نجح نجاحا كبيرا.

بل أضيف إليه نجاح آخر تمثل في توريطها في العراق، وإن لم يكن توريطا بالمعنى الواقعي للكلمة، حيث كان الغزو قائما على برنامج سياسي يريد الهيمنة على المنطقة.

والحال أن ما يجري في العراق وأفغانستان يشكل دلالة ما على نجاح القاعدة، وإن لم يكن كذلك فهو بالتأكيد فشل للغزو الأميركي للعراق ولأفغانستان.

وحين يذهب الجنرال جون أبي زيد، القائد العام للقوات الأميركية في الشرق الأوسط، إلى أن حربا عالمية ستندلع في الشرق الأوسط إذا لم يتم التصدي للإرهاب الذي يملك الأيديولوجية المتطرفة، ولديه القدرة الكامنة على امتلاك أسلحة الدمار الشامل، حين يحدث ذلك فإن التقليل من شأن الموقف سيكون عبثيا بالتأكيد.

لقد شهد عام 2006 تأكيدا لا يقبل الجدل على الفشل الأميركي في العراق وأفغانستان، وبخاصة العراق الذي زاد فيه معدل الاستنزاف المالي والبشري للقوات الأميركية، فيما بدت الحرب الأهلية التي انزلقت إليها البلاد عنوان فشل ذريع آخر للدولة المحتلة التي تتحمل المسؤولية عن حياة السكان الواقعين تحت الاحتلال، كما تنص الاتفاقات الدولية.

وقد جاء فشل الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس لتؤكد بدورها إدراك الشعب الأميركي معالم ذلك الفشل، بل وقدرته على معاقبة القائمين عليه بطريقته الخاصة.


"
ما يخدم القاعدة أكثر من أي شيء آخر هو غباء وغطرسة القيادة الأميركية، مع أن برنامج المقاومة المشروعة في العراق وفلسطين وأفغانستان ولبنان هو الأقدر على إفشال مشاريع الاحتلال بكل أشكالها
"

التطورات المتوقعة في العام القادم
من الصعب الجزم بطبيعة التطورات التي يمكن أن تطرأ على تنظيم مثل القاعدة بات أقرب إلى النموذج الملهم منه إلى التنظيم بصيغته المعروفة.

ذلك أن الوصول إلى أي من قياداته لا يبدو أمرا مستبعدا بحال، وإن بدا الموقف أكثر صعوبة في الآونة الأخيرة بعد التطور في الموقف الباكستاني من حيث السكوت على دعم مناطق القبائل لطالبان، وهي المناطق التي يرجح وجود بن لادن والظواهري والملا محمد عمر فيها.

على أن النظر إلى المشروع الذي تمثله القاعدة بعيدا عن القيادة وما يمكن أن يحدث لها، سيؤكد أن برنامجها المتعلق بمطاردة الولايات المتحدة واستنزافها ماليا وبشريا ما زال يمضي في اتجاه جيد.

ففي أفغانستان يمكن القول إن العام الجديد ومع مجيء موسم الصيف سيشهد تصعيدا واسع النطاق ضد قوات التحالف، وبالطبع على خلفية التطور في الموقف الباكستاني الذي أشرنا إليه آنفا.

أما الموقف في العراق، فإن المحاولات الأميركية لتجاوز الفشل ما زالت تتعثر، وإذا كانت القاعدة أو فرعها في العراق ما زال يتورط في عمليات قتل تطال المدنيين بما يزيد وتيرة الحرب الأهلية، فإن المقاومة ضد قوات الاحتلال ما زالت ماضية من خلال قوى المقاومة الأخرى، وربما أيضا من خلال بعض نشاطات القاعدة أو الفصائل القريبة منها.

من الصعب الحديث عن عمليات أخرى هنا وهناك، لكن المؤكد هو أن الكف عن العمليات التي تطال المدنيين في أي مكان سيكون أفضل للتنظيم وللمشروع الذي يتبناه في استهداف الولايات المتحدة.

ومن تتوفر له القوات الأميركية في العراق وأفغانستان سيكون من العبث أن يذهب في اتجاهات تضر المشروع، كما هو حال العمليات المشار إليها آنفا.

ما يخدم القاعدة في واقع الحال أكثر من أي شيء آخر هو غباء وغطرسة القيادة الأميركية، ولا خلاف على أن برنامج المقاومة المشروعة في العراق وفلسطين وأفغانستان ولبنان هو الأقدر على إفشال مشاريع الاحتلال بكل أشكالها، وهو برنامج يستحق الدعم بكل الوسائل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.