لاجئون سوريون في غزة.. اشتراك في الألم والمحن والنسب

رائد موسى-غزة

"لولا أخوتنا في غزة لكانت الغربة أشد وأصعب، وتبقى العودة إلى سوريا هي الحلم والأمل".. بهذه الكلمات عبّر اللاجئ السوري وريف قاسم الذي لجأ إلى غزة في 2013، عن مشاعره في الذكرى السنوية الثامنة لاندلاع الثورة السورية.

وريف (39 عاما) أصبح مع مرور السنوات واحدا من أبناء غزة، يشاركهم الهم والألم وحتى النسب، حيث تزوج فتاة غزية، وأنجبا طفلة سمياها "إيلياء" نسبة إلى أحد الأسماء التاريخية المعروفة لمدينة القدس المحتلة.

غادر وريف مدينته حلب بعد شهور من اندلاع الثورة السورية في 2012، وتنقل بين تركيا ومصر قبل أن يستقر به المقام في غزة، التي دخلها عبر أنفاق التهريب أسفل الحدود الفلسطينية المصرية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

يقول وريف للجزيرة نت "تعرفت إلى شاب فلسطيني في مصر عن طريق الصدفة، وعرض علي العمل بمطعم في غزة، واصطحبني معه، ومكثت في غزة 11 يوما، تعرفت خلالها على الناس ونمط الحياة، وعدت إلى مصر ثانية، قبل أن أقرر العودة من جديد والاستقرار في غزة حتى هذه اللحظة".

وبحسب وريف، الذي يعتبر الناطق الرسمي باسم اللاجئين السوريين في غزة، فإن 26 عائلة سورية الأصل لجأت إلى غزة، لم يتبق منها حاليا سوى تسع عائلات، بينما هاجرت البقية إلى دول غربية عن طريق "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" التابعة للأمم المتحدة، فضلا عن لجوء نحو 265 عائلة من فلسطينيي سوريا إلى غزة.

‪وريف قاسم يحلم بالعودة إلى حلب في سوريا‬ (الجزيرة)
‪وريف قاسم يحلم بالعودة إلى حلب في سوريا‬ (الجزيرة)

ومنذ لجوئه إلى غزة، يعتبر وريف أحد أشهر وأنجح اللاجئين السوريين، فقد شارك بمجهوده رجال أعمال فلسطينيين في مطاعم عدة تقدم وجبات على الطريقة السورية، وقدم برامج طهو على فضائية فلسطينية محلية، وهو الآن "الوجه الإعلاني" لشركات غذائية فلسطينية.

يضيف وريف أن "الحياة في غزة تشبه إلى حد كبير الحياة في سوريا، ورغم التعامل الودي من الأهل في غزة والنجاحات التي حققتها، فإن الحنين إلى حلب لا يفارقني، وأحلم باليوم الذي أتمكن فيه من العودة إلى سوريا".

ويعتقد أنه "لا يوجد لاجئ سوري إلا ويحلم بالعودة إلى سوريا، ولكن في ظل بقاء النظام (بشار الأسد)، فإن العودة مستحيلة، ما لم يكن في سوريا دولة مدنية ديمقراطية تحترم القانون وحقوق الإنسان".

دموع ليلة الزفاف
وبينما تعرض منزل وريف في حلب بعد مغادرته للقصف والتدمير في غارة جوية لقوات النظام السوري، عايش تجارب صعبة في غزة، التي تعرضت بعد لجوئه إليها لحرب إسرائيلية دموية عام 2014.

ويقول وريف إن حياته اختلفت كليا في غزة بعد تعرفه على زوجته وإنجابه طفلته إيلياء التي "توافقنا على تسميتها نسبة إلى مدينة فلسطينية أو سورية، فكان هذا هو خيارنا المشترك حبا في الوطن".

عايش وريف تجربة اختلطت فيها مشاعر الفرحة بالحزن والدموع في ليلة زفافه، حيث وجد نفسه وحيدا من دون أن تتمكن عائلته من مشاركته فرحته.

ورغم النجاحات التي حققها وريف في غزة، فإن تفكيره بعد الزواج اختلف لجهة التفكير في "حياة آمنة" لأسرته.

يقول إن "الحياة في غزة أصبحت صعبة جدا والأوضاع متدهورة، والخطر قائم في كل لحظة، في ظل الحصار الإسرائيلي والاعتداءات والحروب المتكررة، ولذلك فإن البحث عن مكان آمن يمثل لي أولوية في الوقت الحالي إلى حين العودة إلى سوريا".

ويحمل وريف وغيره من اللاجئين السوريين في غزة، جوازات سفر فلسطينية منحتها لهم السلطة الفلسطينية، فضلا عن تأمين صحي ومعونات اجتماعية شهرية، إلى جانب بطاقات هوية تعريفية صادرة عن وزارة الداخلية في غزة من أجل "المعاملات الداخلية اليومية".

وأوضح وريف أن جوازات سفرهم السورية منتهية الصلاحية، وتجديدها أمر صعب كونه يتطلب مراجعة السفارات السورية، وهو غير متاح في غزة.

ويتطلع وريف، المقيد على كشوف "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" منذ ثلاثة أعوام، إلى لمّ شمل أسرته الصغيرة بأحد أفراد عائلته الكبيرة الذين تشتت بهم السبل ولجؤوا إلى دول غربية عدة.

هروب من الدم
أنس أبو عجينة (25 عاما) لاجئ سوري آخر لجأ إلى غزة في 2013، يقول إنه هرب كي "لا أحمل السلاح في وجه أبناء شعبي".

‪أنس أبو عجينة هرب من الالتحاق بجيش النظام في سوريا‬ (الجزيرة)
‪أنس أبو عجينة هرب من الالتحاق بجيش النظام في سوريا‬ (الجزيرة)

ويضيف للجزيرة نت "مع بلوغي الـ18 من عمري كان يفرض القانون في سوريا التحاقي بالجيش، ولكنني قررت الهرب ومغادرة دمشق حيث تقطن أسرتي، كي لا أُجبر على الالتحاق بجيش النظام وحمل السلاح وارتكاب الجرائم ضد أبناء شعبي".

يقطن أنس حاليا بمفرده في بيت بالإيجار في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، ويعمل في البلدية بموجب عقد تشغيل مؤقت بعدما خاض منذ لجوئه إلى غزة في عمر الـ19 تجربة العمل برفقة وريف، وفي عدد من المطاعم.

وكان أنس يعمل قبل مغادرته دمشق في مجال "التدفئة والتكييف" إلى جانب دراسته الثانوية، ويحلم بالالتحاق بالجامعة.

يقول "لا أزال أحلم بالدراسة الجامعية، وأنتظر تلبية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لطلبي بالهجرة إلى دولة غربية من أجل بدء حياة جديدة وآمنة إلى حين العودة مجددا لأسرتي وبلدي بعد زوال هذا النظام وعودة سوريا إلى شعبها".

ويحفظ أنس لأهل غزة ودهم وتعاملهم الإنساني "الراقي" معه، حيث كوّن خلال السنوات الماضية الكثير من الصداقات، لكنه يقول إن الأوضاع في غزة صعبة للغاية وتدفعه بوصفه لاجئا سوريا للعيش وحيدا و لا تمكنه من بناء نفسه وتكوين أسرة وحياة جديدة وآمنة.

المصدر : الجزيرة