المشي مسافات طويلة في الطبيعة.. هواية تونسية

منيرة حجلاوي_صورة تذكارية لمجموعة زينب على سفح جبل برقو
صورة تذكارية لعشاق المشي من مجموعة زينب على سفح جبل برقو (الجزيرة)

منيرة حجلاوي-تونس

قبل دقائق من إعلان إشراقة الشمس ولادة يوم جديد، تجمع عشرات المواطنين إلى جانب الحافلات التي اصطفت حذو الساعة العملاقة في شارع الثورة الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة، استعدادا لخوض رياضة المشي مسافات طويلة بين أحضان طبيعة تونس الساحرة.

كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف من صباح يوم الأحد -وهو يوم الراحة الأسبوعية في تونس- غير أن الشارع يشهد حيوية غير معتادة، أحاديث جانبية لمجموعات من الأشخاص يرتدون أزياء وأحذية وحقائب رياضية مختلفة الأشكال والألوان.

حانت ساعة الانطلاق، توجه كل منظم بمجموعته إلى حافلتهم الخاصة، وتجمعنا بدورنا حول زينب الشابة المسؤولة عن مجموعتنا، حيث كان اتجاهنا محافظة سليانة شمال غربي تونس.

تحصلت زينب التليلي (28 سنة) على الأستاذية في اختصاص برمجيات الحاسوب سنة 2013، غير أن نشاطها وعملها بعيدان كل البعد عن مجال تخصصها، حيث استهواها تنظيم رحلات المشي مسافات طويلة في الطبيعة أو ما يعرف بـ"الروندوني".

‪زينب‬ تركت (الجزيرة)
‪زينب‬ تركت (الجزيرة)

مرحة وضحوكة
منذ أن كانت طالبة، انخرطت زينب في منظمة طلابية وتولت مسؤولية تنظيم رحلات "الروندوني" للطلبة، كما كانت تشارك في دورات تدريب الموارد البشرية، وهي الآن تعمل في هذا المجال وفي تنظيم ملتقيات شبابية في تركيا الوجهة المفضلة لديها.

مرحة وضحوكة، ما إن تحادثها حتى تشعر بموجاتها الإيجابية تتسلل برفق إلى روحك. مشاعر أرادت زينب أن تتقاسمها مع الآخرين فأنشأت صفحتها الخاصة على فيسبوك وأسمتها "روندو-زينب" وهي تنشر فيها إعلانات الرحلات التي تنظمها للعموم.

منذ إنشائها عام 2014، حظيت فكرة زينب بإقبال كبير، وهي تحرص في كل إعلان على نشر توصيات الرحلة المهمة: اللباس الرياضي شرط أساسي مع اصطحاب الأكل والمياه للمشي مسافة 15 كلم على الأقدام مع رسم معلوم المشاركة 10 دولارات لكل فرد.

‪سد الأخماس وقد امتلأ بمياه الأمطار‬ (الجزيرة)
‪سد الأخماس وقد امتلأ بمياه الأمطار‬ (الجزيرة)

منظر يخطف الأنفاس
كانت الحافلة تقل قرابة ثلاثين مشاركا -وهو عدد صغير مقارنة برحلات سابقة- بعضهم شارك من قبل والبعض الآخر كانت هذه أول مرة لهم، غير أن أجواء الحافلة الدافئة قربت المسافات بينهم وأزالت كل الحواجز.

في جو من المسابقات والغناء والضحك، واصلت الحافلة طريقها في طقس ربيعي مشمس، وبدخول محافظة سليانة التحق الدليل السياحي بركّاب الحافلة ليرافقهم في جولتهم السياحية.

أولى المحطات كانت مدينة برقو، وتحديدا سد الأخماس، حيث كان المنظر يخطف الأنفاس. زرقة مياه السد التقت مع أشعة الشمس وخضرة غابات الأشجار والجبال التي تحيط به من كل جانب، لتكوّن لوحة فنية فاتنة من إبداع الخالق.

‪بعض المشاركات يستمتعن بخبز الملاوي وزيت الزيتون والعسل الطبيعي‬ (الجزيرة)
‪بعض المشاركات يستمتعن بخبز الملاوي وزيت الزيتون والعسل الطبيعي‬ (الجزيرة)

وليمة طبيعية
جلس المشاركون يستمتعون بجمال المشهد ويتناولون ما جلبه الدليل السياحي معه من خيرات هذه الأرض، من خبز "الملاوي" وزيت الزيتون مع العسل، وليمة طبيعية بحتة.

نظمت زينب قرابة خمسين رحلة "روندوني" داخل تونس بين محافظات الجنوب والشمال، شاطرت فيها المشاركين ولعها بالسفر واكتشاف الأماكن الطبيعية الخلابة، فتميزت في مجالها عن الآخرين بشهادة الجميع.

وتأخذ زينب على عاتقها قبل كل رحلة مسؤولية اكتشاف المنطقة وتجربة مسار المشي قبل الجميع، فتستقل سيارة أجرة "لواج" وتتجه إلى المنطقة المحددة رفقة الدليل السياحي لتقف على كل التفاصيل.

‪مجموعة زينب واستراحة محارب في الطريق إلى جبل برقو‬ (الجزيرة)
‪مجموعة زينب واستراحة محارب في الطريق إلى جبل برقو‬ (الجزيرة)

المسؤولية والمصداقية
احترفت زينب هذا المجال فصار بمثابة وظيفة لها، هامش الربح فيها مرتبط بعدد المشاركين غير أن ذلك لم يحبط من عزيمتها أو يثنيها على المواصلة، فرغبتها بمشاركة الآخرين عشقها للطبيعة وإخراجهم من ضغوط الحياة ومشاكلها اليومية التي يعيشونها تغلّب على كل العراقيل.

كما أن المسؤولية والمصداقية شعار الفتاة الشابة التي أسست شركتها الخاصة لتنظيم رحلات "الروندوني"، وطورت من نطاق وظيفتها لتشمل تنظيم رحلات جماعية إلى تركيا.

بعد سد الأخماس، حان موعد المشي في المسار المحدد بين جبلي السرج وبرقو مرورا بقرية "قنارة". علامات الدهشة بدت على ملامح الجميع من شدة إعجابهم بالمشاهد الطبيعية المحيطة بهم، متناسين إرهاق الصعود ويستنشقون هواء نقيا يفتقدونه في العاصمة.

‪مجموعة زينب تكتشف المكان المحيط بالسد‬ (الجزيرة)
‪مجموعة زينب تكتشف المكان المحيط بالسد‬ (الجزيرة)

الجدية والتفاني
إيمان الهمامي (29 سنة) شاركت في رحلات سابقة ولم تكن راضية تماما على الجانب التنظيمي، غير أنها وجدت ضالتها مع مجموعة زينب، فالأجواء عائلية يسودها الاحترام مما جعلها تقرر المشاركة معها مجددا، وفق ما تؤكد للجزيرة نت.

حب اكتشاف المناطق الطبيعية السياحية لتونس دفع إيمان إلى المشاركة في رحلات "الروندوني"، وقد  اختارتها لارتكازها على المشي في الأماكن الطبيعية وللتعرف على أشخاص آخرين وتكوين صداقات معهم.

بدوره، شارك أستاذ الثانوية محمد الغاوي (29 سنة) قرابة عشر مرات ضمن مجموعة زينب، وهو يعتبرها الفضلى في تنظيم هذه الرحلات نظرا لجديتها وتفانيها في عملها، و"الروندوني" في نظره ملاذ للهرب من إرهاق أسبوع مضن من العمل.

يشدد محمد للجزيرة نت على أن هذه الرحلات تساهم بشكل كبير في تنشيط السياحة الداخلية التونسية عبر تعريف المواطنين بالمناطق الجميلة والثروات التي تزخر بها البلاد، وذلك انطلاقا من تجربته الشخصية.

‪شمس المغيب بدأت تعلن نهاية الرحلة والمجموعة تستعد للعودة‬ (الجزيرة)
‪شمس المغيب بدأت تعلن نهاية الرحلة والمجموعة تستعد للعودة‬ (الجزيرة)

صعوبات التنظيم
نجاح زينب في التنظيم وعلاقاتها الطيبة مع المشاركين لم يمنعها من مواجهة صعوبات في التعامل مع شركات تأجير الحافلات التي تقدم لها أحيانا حافلات غير مناسبة خلافا لما يتم الاتفاق عليه، إضافة إلى وجود العديد من المنظمين "غير المختصين الذين يسعون إلى الربح المادي فحسب ويهملون الجانب التنظيمي".

بعد أكثر من نصف يوم مشيا على الأقدام، وصلت مجموعة زينب إلى سفح جبل برقو نقطة النهاية، وكانت المفاجأة وجود مجموعة من الشباب يخيمون في المنطقة، ألقى الجميع بأنفسهم على الأرض يستريحون ويستمتعون بمناظر غابات الأشجار الخضراء الشاسعة.

بدأت شمس الغروب تعلن نهاية اليوم، عادت المجموعة أدراجها وكان الظلام قد بدأ يخيم على طريق العودة. في الحافلة خيم الصمت على الجميع من شدة التعب، غير أنهم لم يخفوا بهجتهم بعد ما عاشوه من أجواء ممتعة، متسائلين عن موعد الرحلة القادمة ومكانها.

المصدر : الجزيرة