"رمضان في القدس غير".. فعاليات تحيي أزقة المدينة العتيقة

6-أسيل جندي صورة من انطلاق المسيرة من أمام باب حطة أمام المسجد الأقصى المبارك
أزقة البلدة القديمة تزدحم بالمشاركين في إحياء فعاليات "رمضان في القدس غير" (الجزيرة)
أسيل جندي-القدس المحتلة
من باب الساهرة -أحد أبواب القدس- يدخل آلاف المصلين في شهر رمضان المبارك نحو المسجد الأقصى، ثم ينعطفون يسارا ويمرون من أزقة عدة زُيّنت بإنارة رمضانية تنسجم مع عمران البلدة القديمة، وتبث في نفوس المارة البهجة والطمأنينة.
 
يصل المصلون إلى زقاق باب حطة -أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك- وهناك يطيلون النظر إلى الزينة الرمضانية التي يبتكر القائمون عليها كل عام فكرة جديدة مختلفة، يتميز بها هذا الزقاق بالتحديد عن أزقة البلدة القديمة الأخرى.

ويحرص كثير من المصلين على دخول المسجد والخروج من هذا الباب للاستمتاع بالمظاهر الرمضانية هناك، بدءا بالزينة المميزة مرورا بتوزيع الحلوى والقهوة مجانا على طول الطريق، وليس انتهاء بتنظيم فرقة الرازم للأناشيد الدينية والزفات الشعبية عروضا في المكان.

تسكن عائلة الرازم في الرواق المؤدي للمسجد الأقصى من جهة باب حُطّة، وقد عرفت منذ عقود بخدمة رواد المسجد على مدار العام وفي الشهر المبارك بشكل خاص، وخلال خروج المصلين من صلاة التراويح يقف أحد شبان العائلة على جانب الطريق وينادي بأعلى صوته "النبي محمد صلّوا عليه" ويوزع القهوة على جميع المارة.
مئات المقدسيين ساروا خلف الفرقة باتجاه برج اللقلق (الجزيرة)
مئات المقدسيين ساروا خلف الفرقة باتجاه برج اللقلق (الجزيرة)
صوته لم يخفت ونداءاته لم تتوقف رغم الصخب الكبير حوله من أصوات المصلين والباعة، وصوت فرقة الرازم التي بدأ منشدوها وعازفوها زفتهم الرمضانية من أمام باب حُطّة، مرورا بأزقة عدة وصولا إلى جمعية برج اللقلق للعمل المجتمعي.
إيذانا بانطلاق فعاليات حملة "رمضان في القدس غير"، جابت الفرقة وخلفها مئات المقدسيين شوارع البلدة القديمة وهم يرددون خلف الفرقة الأناشيد الرمضانية.
 
رغم ضيقها وكثرة السلالم فيها، بدت الأزقة متسعة واحتضنت المصلين، فيما اعتلى سكان البلدة القديمة أسطح منازلهم، وفتحوا الأبواب، ووقفوا أمامها للاستمتاع بالأجواء الصاخبة التي ينتظرونها كل عام.
مئات الهواتف الذكية رُفعت عاليا لتوثيق لحظات الازدحام والفرح في القدس، وكأن موثقيها يعزون أنفسهم بمشاهدتها على مدار العام.
وصلت مسيرة فرقة الرازم ومئات المرافقين لها -ومنهم أطفال انضموا للمسيرة حاملين فوانيسهم الصغيرة- إلى برج اللقلق، وهناك استعد الآلاف لمراقبة إضاءة فانوس رمضان الضخم للعام الثالث على التوالي.
أزقة البلدة القديمة المؤدية للمسجد الأقصى تزينت بحلتها الرمضانية (الجزيرة)
أزقة البلدة القديمة المؤدية للمسجد الأقصى تزينت بحلتها الرمضانية (الجزيرة)
الممثل المسرحي المقدسي حسام أبو عيشة -الذي رافق الفرقة أيضا، وكان له فقرة مسرحية بعيد إضاءة الفانوس- قال للجزيرة نت إن كل الفعاليات التي نظمت وتُنظم في القدس بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب المدينة المحتلة عاصمة لإسرائيل، تندرج تحت إطار المقاومة والتصدي والصمود.

يقول أبو عيشة "شهر رمضان يشكل فرصة كبيرة للمقدسيين لإثبات هويتهم الفلسطينية العربية الأصيلة التي تحاول إسرائيل وأميركا وبعض العرب المتخاذلين تغييبها. نحن من خلال فعالياتنا الرمضانية نؤكد على التمسك بعروبة القدس وعلى إسلامية الأقصى ومسيحية القيامة".

وعن إضاءة الفانوس الرمضاني في البلدة القديمة، قال أبو عيشة إن أهميته تنبع من كونه يضاء في أعلى موقع بالبلدة القديمة، ويمكن لآلاف المارين بالشوارع المحيطة الاستمتاع بالنظر إليه على مدار الشهر الكريم.
أما الشابة المقدسية نور نجيب، فتحدثت للجزيرة نت عن فرحتها باحتشاد آلاف المقدسيين في أزقة البلدة القديمة وفي ساحة ملعب برج اللقلق، مشيرة إلى أن ذلك يبرهن على تعلقهم بالأقصى والبلدة العتيقة: "برج اللقلق مستهدف بالتهويد وبالتضييق على فعالياته وبوجودنا اليوم نتضامن مع المكان ونعلن انتماءنا له".
المنشد المقدسي فراس قزاز مع أعضاء فرقته (الجزيرة)
المنشد المقدسي فراس قزاز مع أعضاء فرقته (الجزيرة)
الطفلة سيدرا غراب ذات الأعوام العشرة راقبت بشغف الفعاليات المصاحبة لإضاءة الفانوس، وقالت إنها تتوجه من حي الثوري في القدس إلى الأقصى لأداء صلاة التراويح مع والدتها طوال الشهر، "أرى البلدة القديمة فارغة على مدار العام واليوم أنا سعيدة لأنها مزدحمة وجميعنا فرحون بهذه الأنشطة".
فرحة سيدرا ومئات الأطفال ممن حضروا حفل إضاءة الفانوس أغاظت قوات الاحتلال التي اقتحمت جمعية برج اللقلق أمس الجمعة بهدف هدم الفانوس، وتراجعت عن ذلك بضغط من أبناء الحي والمحامي المقدسي حمزة قطينة، وتوعدت بهدمه خلال الأيام المقبلة.

بعد إضاءة الفانوس صدحت حنجرة المؤذن والمقرئ والمنشد المقدسي فراس قزاز وفرقته بالأناشيد الرمضانية، واستهلوا فقرتهم بأنشودة "صمنا والصوم مبارك"، وأتبعوها بأنشودتي "روّح فؤادك قد أتى رمضان"، و"قمر سيدنا النبي" وغيرها من الابتهالات والمدائح النبوية والأذكار.
أضفت هذه الفقرة أجواء روحانية وانسجم الحضور مع الفرقة مرددين الابتهالات والأناشيد المرحبة بالشهر المبارك. وعن مدى تفاعل الجمهور مع هذه الأمسيات الرمضانية قال المنشد المقدسي قزاز إن الإقبال كبير، ومن الملاحظ استحسان فئة الشباب لهذه الأذكار والمدائح متمنيا اتجاه الجيل الجديد نحو هذا الفن الملتزم النقي بكلماته وعبره.
وستحيي الفرقة المعروفة بالفن الملتزم عدة أمسيات في شهر رمضان داخل القدس وخارجها، وقد وعد منسق حملة "رمضان في القدس غير" بشار أبو شمسية المقدسيين وزوار المدينة بفعاليات مختلفة تمتد على مدار الشهر، إذ سيصل عدد الأمسيات طوال رمضان إلى 15 أمسية.

وعن إقبال المقدسيين على حضور أولى فعاليات الشهر المبارك، علق أبو شمسية "هذا أكبر دليل على أن سكان القدس ينقصهم شيء واحد هو الفرح الذي تسعى المؤسسات الفلسطينية القائمة على الأنشطة الرمضانية لإدخاله على قلوبهم".

المصدر : الجزيرة