قداسة على قداسة.. أطباء فلسطينيون يؤدون قَسَمهم في الأقصى

جمان أبو عرفة-القدس المحتلة

"أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي وأن أصون حياة الإنسان في كل الظروف والأحوال".. بهذه الكلمات أدى أكثر من مئة طبيب فلسطيني القَسَم الطبي، صباح أمس السبت، داخل المسجد الأقصى، حيث ارتدوا معطفهم الأبيض وسماعاتهم الطبية رافعين كفهم الأيمن متوسطين قبة الصخرة والمصلى القبلي.

مقدس في مقدس
أكمل هؤلاء الأطباء نهج من سبقوهم في كلية الطب بجامعة القدس ببلدة أبوديس شرق القدس المحتلة، حيث بادرت أول دفعة طبية عام 2000 بأداء القسم الطبي داخل الأقصى، ولم يقطع خريجو الكلية هذه السُنة الحسنة من بعدهم أبدا طيلة 19 عاما، لأهمية المسجد الشريف بالنسبة إليهم.

يعتبر القسم الطبي من أكثر المحطات أهمية في مسيرة الطبيب، حيث يقسمه قبل مزاولة المهنة متعهدا أمام الله بجملة من الالتزامات الأخلاقية التي تربط علاقته بمرضاه وزملائه.

واجتمع الأطباء من شمال ووسط وجنوب فلسطين، ودخلوا الأقصى فُرادى في الصباح الباكر مُخفين معطفهم وسماعتهم الطبية، كي لا يلفتوا انتباه شرطة الاحتلال على أبواب المسجد.

‪وراسنة لم تدخل الأقصى إلا خلال سنواتها الدراسية بالجامعة‬ (الجزيرة)
‪وراسنة لم تدخل الأقصى إلا خلال سنواتها الدراسية بالجامعة‬ (الجزيرة)

غياب قسري
يقول وسيم حمد (24 عاما) من مخيم العروب شمال مدينة الخليل للجزيرة نت إنهم فعلوا ذلك بسبب عرقلة الاحتلال لزملائهم السنوات الماضية، حيث منع إدخالهم للمعاطف والسماعات. ويكمل "آلمني أننا دخلنا خلسة على فترات وكأننا نفعل جرما ما".

ويوضح حمد أنه ومعظم زملائه من سكان الضفة الغربية يمنعهم الاحتلال من دخول القدس إلا بتصريح منه، وقد شكّل تخصص الطب جسر العبور إلى القدس للكثير منهم، ففي سنواتهم الثلاث الأخيرة، يلزمون بالتدريب في مشافي المقاصد والمطلع بالقدس، ويحصلون على تصريح لذلك.

افتقد الأطباء أكثر من عشرين زميلا لهم غُيبوا عن القسم الطبي في الأقصى، بسبب رفض الاحتلال استصدار تصاريح دخول لهم لأسباب "أمنية" مما حرمهم من التدريب ومشاركة زملائهم لحظتهم التاريخية.

وتقول بيسان وراسنة (24 عاما) من الخليل للجزيرة نت إن اعتقال الاحتلال لبعض الطلبة أدى إلى تأخرهم عن دفعتهم وبالتالي تأخر تخرجهم، وتضيف أن مرض السرطان غيّب زميلهم مجدي شحادة عن قَسَمهم أيضا، حيث توفي في سنته الدراسية الثانية، وأسمى زملاؤه الدفعة باسمه.

وتضيف وراسنة أنها لم تدخل القدس طوال حياتها إلا في السنة الثالثة من دراستها في كلية الطب، وتضيف: عندما رأيت الأقصى لأول مرة شعرت أنني في حلم، طلبت من صديقتي أن تقرصني لأستيقظ" ويبدو أنها ستستيقظ من حلمها فعلا بعد شهر، لأن تصريح دخولها سينتهي بانتهاء دراستها.

قبل شهر كانت إيمان محمود (24 عاما) من مدينة رام الله حزينة على عدم تمكنها من أداء القسم الطبي داخل الأقصى، فعلى مدار سنواتها الدراسية منعها الاحتلال من دخول القدس بسبب إصابة شقيقها في مواجهات مع الاحتلال.

خاضت الشابة معركة قانونية فشلت خلالها مرارا، لكنها استطاعت في اللحظة الأخيرة انتزاع تصريح للدخول إلى القدس والتدريب في مشافيها ومشاركة زملائها القسم الطبي، وتقول للجزيرة نت "كان من أجمل المفاجآت في حياتي".

‪شبانة استطاع أن يتفوق في الثانوية العامة في ذات السنة التي توفي والده فيها‬ (الجزيرة)
‪شبانة استطاع أن يتفوق في الثانوية العامة في ذات السنة التي توفي والده فيها‬ (الجزيرة)

حكايات خلف القَسَم
بسبب حواجز الاحتلال وقيوده لم يستطع الأهل مشاركة أبنائهم فرحتهم بالأقصى، لكن أبناءهم واكبوهم باللحظة عن بعد عبر الصور والرسائل، والكعك المقدسي الذي جلبوه لهم حين عودتهم.

"أهدي شهادتي لأمي، لو أرادت أن تأخذها وأنا أتوقف لفعلت مقابل تضحيتها" بهذه الطريقة شكر أسيد شاهر شبانة (24 عاما) من قرية سنجل قضاء رام الله والدته عبر الجزيرة نت، مقابل وقوفها معه في أحلك أوقاته.

تلقى شبانة نبأ نجاحه في الثانوية العامة بمعدل 97% بالفرع العلمي في الذكرى السنوية الأولى لوفاة والده بداية سنة "التوجيهي" الدراسية، ورغم مصابه الأليم عزم على تحقيق حلم أبيه بأن يصبح طبيبا.

وقف ملتقطا صورة تذكارية أمام قبة الصخرة ولسان حاله يقول لوالديه "تفوقت وأصبحت طبيبا وأعلنت ذلك من قلب الأقصى".

المصدر : الجزيرة