ليبراسيون: كيف استدرجت رواندا بطل هوليود الأسطوري لمحاكمته بتهمة الإرهاب؟

محاكمة هذا "البطل" ستحظى بمتابعة كبيرة لمعرفة خاتمة ملحمة طويلة تميزت حتى النهاية بالمفاجآت.

Rusesabagina is detained and paraded in front of media in handcuffs in Kigali
روسيسابجينا بعد القبض عليه في كيغالي العام الماضي (رويترز)

هناك أقدار تجعل الحياة الواقعية أقوى من أي خيال أو تصور، وربما تكون قصة بول روسيسابجينا من هذا النوع، فمن هو هذا الرجل الذي خلدته هوليود في فيلم "فندق رواندا"، وبدأت محاكمته اليوم الأربعاء في كيغالي؟ وكيف استطاع أن يتحول خلال 15 عاما من مصاف الأبطال الأسطوريين إلى مرتبة الإرهابي المفترض؟

تستعرض صحيفة "ليبراسيون" (Liberation) الفرنسية بالاشتراك مع مجلة "جون أفريك" (Jeune Afrique) تفاصيل قصة هذا الرجل من خلال مقابلة مصورة مع القس الإنجيلي كونستانتين نيومونجير، الذي عمل شريكا في الفخ، الذي أعاد البطل ذا الوجهين إلى بلده، وسرد تفاصيل هذه العملية التي تستحق أن تكون فيلم تجسس.

التقى القس نيومونجير (45 عاما) المولود في بوروندي المجاورة لرواندا بروسيساباجينا عام 2017 عن طريق صديق مشترك "من المعارضة الرواندية في المنفى"، بمقهى في بروكسل، وظل على اتصال معه بعد ذلك، ولم يكن يعرف وقتها شيئا يذكر عن نجم الفيلم، الذي رشح لـ3 جوائز أوسكار، وظهر بطله إلى جانب أبرز مشاهير السينما العالمية.

كان روسيسابجينا (60 عاما) حتى ذلك الوقت بطلا مثاليا، في ثوب رجل من الهوتو، استطاع بشجاعته وقت الإبادة الجماعية عام 1994، أن يحمي 1268 لاجئا من التوتسي المطاردين في فندق بالعاصمة كان يديره، وقد حصل عام 2005 على وسام الحرية من يد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، وهو أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة.

رواية أخرى للقصة
بدأ روسيسابجينا يلقي سلسلة من المحاضرات بكى لسماعها الغربيون، الذين مزقهم الندم على تخليهم عن دولة رواندا الأفريقية الصغيرة في أوج حرب أهلية وإبادة جماعية معلنة، وقد تأثر البعض أيضا لرؤية بطل "فندق رواندا" يؤيد فرضية "الإبادة الجماعية المزدوجة"، التي سيكون الهوتو الباقون في البلاد ضحايا لها هذه المرة.

في ذلك الوقت، ظهرت بعض الانتقادات لبطل الفندق، وبدأ يُسمع حديث عن رواية أخرى لقصته البطولية، قصة صاحب فندق قام بفرض رسوم على الغرف، يهدد من لا يستطيعون الدفع.

وفجأة، في عام 2017 تغير كل شيء عندما أصبح روسيسابجينا زعيما لحزب معارض، هو "الحركة الرواندية للتغيير الديمقراطي"، التي شكلت جناحا مسلحا أطلقت عليه "جبهة التحرير الوطنية"، وهو متهم بارتكاب "أعمال إرهابية" في سلسلة من الهجمات المميتة، التي تم ارتكابها عام 2018 (جنوب غرب رواندا).

يقول القس الذي حصل على الجنسيتين البلجيكية والرواندية إضافة إلى جنسيته البوروندية، إنه بقي على اتصال مع روسيسابجينا الذي طلب منه الاتصال بالسلطات البورندية "لحل بعض المشاكل بعد أن تم القبض على بعض رجاله في شمال بوروندي، حيث كان يسعى لاستخدام الأراضي البورندية لمهاجمة رواندا"، وبالفعل جعله القس على اتصال "بدبلوماسيين بورنديين في بلجيكا"، بعد أشهر.

في وقت مبكر من عام 2009، كانت السلطات الرواندية على علم بالاتصالات بين روسيسباجينا والجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا، وهي جماعة مسلحة أخرى تم إنشاؤها بعد الإبادة الجماعية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتم تشديد الخناق عليها بفضل التعاون المتزايد مع البلجيكيين والأميركيين.

غير أن روسيسباجينا المقيم الدائم في الولايات المتحدة، لم يكن من الممكن تسليمه بعد حصوله على الجنسية البلجيكية؛ إلا أنه كان من الممكن الاستماع إلى أقواله، وقد بقي على هذه الحال حتى عام 2019، عندما بُدئ البحث عن محل إقامته، فلجأ خائفا إلى تكساس.

Paul Rusesabagina, portrayed as a hero in a Hollywood movie about Rwanda's 1994 genocide, is escorted in handcuffs from the courtroom in Kigali
قدم الفيلم روسيسابجينا باعتباره بطلا مثاليا استطاع أن يحمي التوتسي (رويترز).

بداية النهاية
في السنة نفسها، سلمت جزر القمر إلى رواندا أحد مساعديه، وهو كاليكست نسابيمانا الملقب صنكارا، وقد اعترف بالذنب، وتخلى عن شركائه السابقين، وتعززت اعترافاته بالنتائج التي توصل إليها المحققون البلجيكيون أثناء التفتيش، وقد كشفت هواتفه عن تبادل مكالمات مع القس الإنجيلي.

في بداية عام 2020 كان القس الذي يرعى كنائسه في رواندا موجودا هناك، وقد اتصل به مكتب التحقيقات الرواندي يوم 27 فبراير/شباط، واعتقل لمدة 5 أيام، واستجوبوه عن صلاته بروسيسباجينا، فأعلن لهم أنه سيقطعها نهائيا؛ ولكن رجال المكتب نصحوه بعدم القيام بذلك، وطلبوا منه الاستمرار في الحديث معه، ومن تلك اللحظة -يقول القس- بدأ إعداد الفخ.

في بداية شهر أغسطس/آب "عندما كنت في نيروبي -يقول القس- تلقيت رسالة جديدة، عرض علي فيها روسيسباجينا مرافقته إلى بوروندي؛ لأنني كنت أعرف البلد جيدا، فقد كان يريد أن يلتقي بقادة مجموعته وكذلك بعض السلطات. أبلغت مكتب التحقيقات الرواندي على الفور، فطلبوا مني أن أقبل".

ومع أن روسيسباجينا لم يكن يشك في رجل الدين، فإنه رفض السفر عبر الخطوط الجوية التقليدية في المنطقة، وأصر القس على أن روسيسباجينا "كان هو من طرح خيار الطائرة الخاصة لأسباب أمنية"، ونفى ما أكده صاحب الفندق السابق من أنه دعاه إلى رواندا للتحدث مع أتباعه.

غير أن نيومونجير يعترف بأنه هو من أنشأ الكذبة، التي تفيد بأن سلطات بورندي مستعدة لدفع ثمن طائرة خاصة من دبي للترحيب بمثل هذا الرجل المشهور، وفي 26 أغسطس/آب غادر روسيسباجينا تكساس، ووصل إلى دبي.

الوقوع في الفخ
"لقد استأجرت له غرفة في فندق إيبيس -كما يقول القس- لكي يستريح لبضع ساعات، ثم أخبرته أن طائرة تنتظرنا في المساء نفسه في مطار آخر، وهو لا يعلم حينها أننا لن نهبط في بوروندي؛ بل في رواندا".

"توليت إجراءات جوازات السفر، وبعيد صعودنا إلى الطائرة، كنت أتحدث إليه بصوت عال للغاية لتغطية صوت المضيفة، التي كانت تعلن عن جهتنا الحقيقية قبيل الإقلاع. نام روسيسباجينا حتى وقت الوصول، وعندما نزل من الطائرة أدرك أخيرا أننا لسنا في بوجومبورا".

بهذا تنتهي العملية، التي حملت صاحب الفندق السابق والمعارض وأمير الحرب إلى وطنه، حيث أكد أثناء إحدى جلسات الاستماع، أنه كان على رأس مجموعة مسلحة؛ لكنه كان معنيا فقط "بالجانب الدبلوماسي".

رفع محامو روسيسباجينا الأميركيون شكوى في ديسمبر/كانون الأول الماضي ضد القس وشركة الطيران "غين جيت"، كما تناضل عائلته في الولايات المتحدة لحث الشخصيات التي عرفته للدفاع عنه.

وما يزال بطل فيلم "فندق رواندا" حتى اليوم يحصل على بعض الدعم، حيث طالب البرلمان الأوروبي "بمحاكمة عادلة" له، وألقى بظلال من الشك على ظروف إعادته إلى رواندا، حيث ألقي في الحبس الانفرادي لمدة 3 أيام قبل تقديمه علنا.

وختمت الصحيفة بأن محاكمة هذا "البطل" ستحظى بمتابعة كبيرة لمعرفة خاتمة ملحمة طويلة تميزت حتى النهاية بالمفاجآت.

المصدر : ليبراسيون