أسرار الطبيعة التشيكية تعالج الأمراض المستعصية وتجذب العرب

براغ – يلعب العامل النفسي أحيانا كثيرة دورا كبيرا في تسريع عملية الشفاء من أمراض مزمنة يقف الطب عاجزا عن تقديم حلول كاملة تبقي المريض في دوامة استهلاك الأدوية.

ولذلك فإن الكثير من المصحّات الطبيعية بدولة التشيك، أصبحت من أهم الوجهات التي يقصدها المرضى من جميع أنحاء العالم، لارتباطها بتوظيف اكتشافات أسرار الطبيعة، والاستفادة منها في علاج الأمراض المستعصية.

الطبيبة إيفانا مارتينكوفا رئيسة العيادة الداخلية وتشخيص الأمراض في العاصمة براغ، قالت إن "عشرات المصحّات للعلاج الطبيعي في البلاد، أصبحت اليوم تتقن وبمهنية عالية التعامل مع استشفاء بعض الأمراض المستعصية في مراحل ليست متقدمة بالمرض، ويتم دراسة ملف كل مريض للتنسيق مع أطباء المصحات وشرح حالته قبل إرساله إلى هناك".

وتضيف مارتينكوفا للجزيرة نت أن "أمراض مثل الربو والتهاب الأوردة الدموية، والفرعية منها، والوذمة اللمفاوية المزمنة، وحالات ما بعد الجلطات الدماغية، وشلل الأطفال، بالإضافة لأمراض الجهاز الحركي، جميعها يتم تحويلها إلى مصحات العلاج الطبيعي، التي أقيمت على منابع المياه الغازية الحارة في مدن تشيكية مثل تيبلتسيه، وكارلوفي فاري، ومريانسكي لازني، وياخيموف، وداركوف".

ينابيع قمم جبال كروشني

المهندس برنيسلاف كروليخ، عمدة مدينة ياخيموف التشيكية، الواقعة على هضاب جبال كروشني، والقريبة من الحدود الألمانية، قال إن "هناك أدلة عديدة على بدء العلاج الطبيعي بالمياه المعدنية في البلاد، منذ عام 1730، وإن طريقة تشكل المياه الرادونية هناك، تحدث بعد أن تتجه مياه ينابيع قمم جبال كروشني من جديد إلى أعماق الأرض، ومن ثم إلى المناجم القديمة، ويتشكل من تلك المياه غاز الرادون، الذي يعود اكتشافه إلى عام 1904".

وكانت تلك المياه تنقل قديما على الخيول إلى المصحات، أما اليوم وبفضل التقنيات الحديثة فإن المياه العلاجية الرادونية تصل إلى مقرات العلاج بشكل آمن، ويستفاد منها بأفضل الطرق العلمية، مما جعل ياخيموف المدينة الأشهر في العالم في تقديم العلاج الطبيعي للأمراض المستعصية.

وتقول الطبيبة لينكا دراشكا المشرفة على العلاج في مصحات ياخيموف إن "المياه الرادونية تعالج الآلام المزمنة، وتجعل المريض يستغني عن الأدوية المسكنة بنسبة 80-90%، وتسرّع التئام الجروح، وتحسن الدورة الدموية، وتنشط خلايا الجهاز الحركي، وتفعل الجهاز المناعي، ذلك لأن الرادون لا يدخل بأي تفاعل كيميائي، وتكمن القوة العلاجية بخروج أشعة آلفا منه، على أن يتم توجيه هذه الأشعة بشكل منتظم واحترافي بشكل دفعات محددة، وتساعد المغاطس الرادونية بتفعيل الجهاز البيولوجي في الجسم، ليقوم بعلاج ذاتي يترافق هذا مع العلاجات التكميلية الأخرى، التي تجدد نشاط الجسم بشكل كامل".

الاستفادة من أسرار الطبيعة

ويبين الطبيب النفسي يرجي تيل في العاصمة براغ أن "مصحات العلاج الطبيعي تعتمد أيضا على الأطباء النفسيين، كون نسبة كبيرة من هذا العلاج يحتاج إلى طرق مبتكرة للتعامل مع المرضى وفهم حالتهم النفسية والعمل على تعزيز الثقة بالنفس، عبر الاستفادة من أسرار الطبيعة، خاصة أن 50% من العلاج في المصحات يعتمد على المياه الجوفية الغازية المتعددة مثل اليود والرادون والكبريت، والنصف الآخر يعتمد على علاج فيزيولوجي يجب أن يكون الأطباء متمكنين منه بشكل كبير لتظهر النتائج في شفاء المرضى".

ويضيف تيل للجزيرة نت، أن علاقة الإنسان بالطبيعة علاقة روحانية أيضا، وهي تؤثر في نفسيته لحل المشاكل المعقدة، ذلك لأن جزءا كبيرا من شفاء الأمراض المستعصية يحتاج إلى الاسترخاء والراحة والسعادة، ويساهم التأمل بمناظر البحيرات والأشجار والطيور، في الطمأنينة وقوة التركيز والحد من القلق والتوتر والإحباط والحزن، ويرافق المرضى برامج المشي والرياضة في الغابات لأن ذلك يعزز الانضباط الذاتي ويساعد في الاستفادة بشكل كبير من العلاج الفيزيائي.

مقصد للعرب

راشد الهاجري؛ سفير دولة الكويت في العاصمة براغ، عبّر عن ريادة المصحات التشيكية للعلاج الطبيعي، لما تملكه من خبرات عبر سنين طويلة، وقد أثبتت نجاحا فعّالا لحالات مرضية مثل الجلطات الدماغية لكبار السن وأمراض العمود الفقري "الديسك" وحالات الشلل، وهذا ما اعتاد عليه المرضى الكويتيون في العلاج بتلك المصحات منذ ثمانينيات القرن الماضي.

وأضاف الهاجري في حديث للجزيرة نت "أن ما يقارب 4 آلاف مريض كويتي يأتون سنويا إلى المصحات التشيكية، وتختلف نسب الاستفادة في الشفاء من شخص إلى آخر، لكن في العموم نتائج العلاج جيدة ومرضية، وهذا ما أشاهده من خلال زياراتي المستمرة إلى تلك المصحات، للاطمئنان على سير الأمور العلاجية والتنظيمية والخدمية، حيث يتم مراعاة الخصوصيات للنساء في العلاج، مثل طريقة عمل حمامات السباحة وتحضير الطعام الحلال، في حين الأسعار العلاجية والسكنية مناسبة مقارنة بدول أخرى، غير أنه يوجد مشكلة في مدة الإقامة وهي 90 يوما فقط المسموحة، بالمقابل تحتاج بعض الحالات إلى ما لا يقل عن 4 أشهر لإتمام العلاج وآحيانا أكثر".

وفي مصحات داركوف التي تبعد عن العاصمة براغ حوالي 400 كيلومتر، وتختص في علاج الجهاز الحركي والعصبي للجسم، خاصة بعد العمليات نتيجة الحوادث أو الشلل الناتج عن الجلطات الدماغية، حيث يتم استخدام ينابيع مياه اليود، التي هي أساس في العلاج مع استخدام أحدث أنواع الأجهزة التي تعيد تأهيل الجهاز الحركي للمرضى.

ويقول لافي المقاطي الذي يقيم بالقرب من تلك المصحّات منذ 20 سنة، ويساعد المرضى العرب القادمين إلى المصحّات في داركوف "إن أكثر المرضى هم من دول الخليج (السعودية والكويت والإمارات)، في حين نسبة رضاهم عن العلاج ازدادت كثيرا في السنوات الأخيرة، وهناك من عاد إلى المشي بعد أن كان لا يستطيع حتى تحريك ساقيه".

احترام عادات وتقاليد العرب

ويبين المقاطي للجزيرة نت أن غالبية مصحات العلاج الطبيعي تقريبا في التشيك تحترم خصوصيات وعادات وتقاليد العرب والمسلمين، في المأكل والسكن والعلاج، وتراعي عدم اختلاط أقسام الرجال والنساء مع بعضها، ويتوجب التنويه إلى ضرورة احترام تعليمات الأطباء المعالجين بدقة، خاصة المرضى الذين يخضعون لعلاج أمراض السمنة المفرطة، وسُجلت حالات عديدة من عدم الاستفادة من العلاج، بسبب إفراطهم في تناول الطعام في السر بعيدا عن أعين الأطباء.

وينقل المقاطي عن لسان أحد المرضى، أن شهية الطعام عنده تضاعفت بعد أيام من فترة العلاج بسبب سحر مناظر الطبيعة والهواء النقي.

ويذكر أن مدينة كارلوفيفاري التشيكية التي تبعد حوالي 120 كيلومترا عن العاصمة براغ، تحتضن في أجواء طبيعية خلابة أشهر المصحّات الطبيعة، وينبثق بين ربوعها أكثر من 80 عينا للمياه الدافئة، التي تتراوح درجة حرارتها بين 30 و70 درجة مئوية، ويستخدم منها 13 ينبوعا للعلاج الصحي من الأمراض المستعصية بمياهها المعدنية الحارة.