جيمس كوك.. قبطان بريطاني اكتشف جزر سوسايتي ونيوزيلندا وهاواي

James Cook British explorer
المستكشف في البحرية البريطانية جيمس كوك (مواقع التواصل)

جيمس كوك، قبطان ومستكشف بريطاني، ولد يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 1728 في قرية صغيرة في يوركشاير، واكتشف خلال رحلاته جزر سوسايتي ونيوزيلندا وساندويتش (هاواي)، ولقي مصرعه على يد سكان هذه الأخيرة يوم 14 فبراير/شباط 1779.

أبحر كوك في الممرات البحرية وسواحل كندا، وأجرى 3 بعثات إلى المحيط الهادي (1768-1771 و1772-1775 و1776-1779)، بدءا من حقول الجليد في أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية) إلى مضيق بيرينغ، ومن سواحل أميركا الشمالية إلى أستراليا ونيوزيلندا.

إنجازات كوك في رسم خرائط المحيط الهادي ونيوزيلندا وأستراليا غيّرت بشكل جذري المفاهيم الغربية لجغرافيا العالم، وصار بذلك واحدا من الرجال القلائل في البحرية في القرن الـ18.

المولد والنشأة

ولد القبطان والملاح ورسام الخرائط والمستكشف في البحرية البريطانية جيمس كوك يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 1728 في قرية صغيرة في يوركشاير بالقرب من منطقة ميدلزبره ببريطانيا.

انتقل مع أسرته وهو في سن 17 عاما إلى قرية ساحلية شمال "ويتبي" (Whitby)، واستقر بها ووجد عملا مع تاجر فحم هناك، وفي عام 1755، التحق كوك بالبحرية الملكية البريطانية، وأبحر على مستوى أميركا الشمالية حيث تعلم مسح المياه الساحلية ورسم خرائطها.

والد جيمس كوك مهاجر أسكتلندي، كان يشتغل مزارعا في إحدى الضيعات بإنجلترا، قبل أن يصبح رئيسا للعمال في مزرعة في قرية مجاورة، في وقت أظهر فيه جيمس -الذي كان لا يزال طفلا صغيرا- علامات على نبوغه وذكائه، اعتنى به صاحب المزرعة ودفع تكاليف تعليمه في القرية حتى بلغ من العمر 12 عاما.

التدريب والتكوين العملي

قضى جيمس كوك السنوات الأولى من مرحلة المراهقة في المزرعة التي كان يعمل فيها والده، لكنه أثبت من خلال تدريب مهني قصير مع شركة إبحار تجارية في قرية ساحلية شمال "ويتبي" أنه بحار ومستكشف مستقبلي شجاع، الأمر الذي جعله على اتصال بالسفن والبحر.

عام 1746، تدرب كوك عند مالك سفينة يدعى جون ووكر من "ويتبي" وكان آنذاك عمره 18 عاما، وفي سن 21 عاما تم تصنيفه بحارا مؤهلا في قوارب نقل الفحم.

عاش كوك على الشاطئ ودرس الرياضيات ليلا، ومنحته قوارب "ويتبي"، التي تعمل باستمرار على مستوى مياه بحر الشمال، تدريبا عمليا رائعا، مكنه من تعلم مهارات الإبحار ولم يعد يخشى الإبحار في أي مكان آخر.

خلال حرب السنوات السبع بين بريطانيا العظمى وفرنسا (1756-1763)، قاتل كوك في خليج بسكاي، وتم منحه قيادة سفينة تم الاستيلاء عليها، وشارك في حصار لويسبورغ إيل رويال (نوفا سكوشا حاليا وهي مقاطعة كندية)، وفي الهجوم البرمائي الناجح ضد كيبيك.

رسم كوك الخرائط ووضع علامات على الامتدادات الأكثر صعوبة لنهر سانت لورانس، وأسهم في نجاح هبوط اللواء جيمس وولف هناك، وبعد أن استقر في هاليفاكس خلال فصل الشتاء، أتقن مسح المياه الساحلية باستخدام الألواح الخشبية.

بين عامي 1763 و1768 بعد انتهاء الحرب، قاد كوك المركب الشراعي "غرينفيل" أثناء مسح سواحل نيوفاوندلاند، وأبحر معظم السنة وعمل على رسومه الخرائطية في قاعدته في إنجلترا خلال الشتاء، وفي عام 1766 لاحظ كسوفا للشمس وأرسل التفاصيل إلى مؤسسة "رويال سوسايتي" (Royal Society) في لندن.

الزواج

تزوج جيمس كوك من إليزابيث باتس عام 1762 عندما كان يبلغ من العمر 34 عاما، لكن الرحلات الاستكشافية التي قام بها لم تترك له الوقت الكافي للحياة الأسرية، وعاش أكثر من نصف حياته الزوجية في البحر.

أنجب كوك 6 أطفال، توفي 3 منهم في مرحلة الطفولة، والثلاثة الآخرون الذين بقوا على قيد الحياة، اثنان منهم التحقا بالبحرية، ماتوا جميعا بحلول عام 1794.

الرحلة الأولى.. تاهيتي ونيوزيلندا

في عام 1768، نظمت مؤسسة "رويال سوسايتي" بالتنسيق مع الأميرالية البريطانية، أول بعثة علمية إلى المحيط الهادي، وتم تعيين جيمس كوك، البالغ من العمر حينها 40 عاما، قائدا للبعثة.

تم تكليفه على عجل بصفته ملازما، وتم منحه قاربا كان يستعمل لنقل الفحم من "ويتبي" أصبح هو سفينة الأبحاث التي استعملها كوك في استكشافاته، وأعيد تسميتها باسم "إنديفور" (HMS Endeavour).

كان على متن السفينة عالم الفلك تشارلز غرين، وعالم النبات جوزيف بانكس، وكانت أوامر كوك هي نقل العلماء من مؤسسة "رويال سوسايتي" ومساعديهم إلى تاهيتي لمراقبة خسوف نادر نجم عن مرور كوكب الزهرة بين الأرض والشمس.

وصلت "إنديفور" إلى تاهيتي في أبريل/نيسان 1769، حيث تمكن غرين من مراقبة عبور كوكب الزهرة، ثم واصلت "إنديفور" طريقها إلى نيوزيلندا، وأبحرت على طول الساحل الشرقي لأستراليا، الذي لم يسبق أن رآه الأوروبيون من قبل، وادعى كوك أنه لبريطانيا وأطلق عليه اسم "نيو ساوث ويلز".

في الثالث من يونيو/حزيران 1769، كان عليه البحث لاستكشاف القارة الجنوبية المسماة "لتيرا أوستراليس" (Terra Australis)، التي جادل الفلاسفة بضرورة وجودها لتحقيق التوازن بين مساحات اليابسة في نصف الكرة الشمالي.

كان قائد العلماء هو عالم النبات جوزيف بانكس، البالغ من العمر 26 عاما، ومساعده السويدي دانيال سولاندر، بالإضافة إلى علماء الفلك والفنانين، وخلال هذه الرحلة حمل كوك معه تقويما بحريا قديما وسدسا نحاسيا (أسطرلاب)، ولم يكن معه جهاز "كرونوميتر بحري".

أبحر جيمس كوك في اتجاه الجنوب والجنوب الغربي لتاهيتي، بعدما كان أسلافه قد أبحروا إلى الشمال والشمال الغربي، مع الرياح الشرقية للمحيط الهادي، واكتشف نيوزيلندا ورسم خريطتها بالكامل، وقد كانت مهمة صعبة استغرقت 6 أشهر.

بعد ذلك، وبدل الانعطاف أمام الرياح الغربية حول "رأس هورن" (Cap Horn) من أجل العودة، عبَر بحر "تاسمان" (Tasman) غربا، وفي 19 أبريل/نيسان 1770، وصل إلى الساحل الجنوبي الشرقي لأستراليا.

وعندما كان يبحر في اتجاه الشمال الذي يبلغ طول ساحله الشرقي 2000 ميل (3200 كلم)، قام كوك في الوقت نفسه بعملية المسح الأرضي أثناء رحلة ذهابه، وقد نجح في الإبحار في اتجاه الحاجز المرجاني العظيم في "كوينزلاند" (Queensland) -الذي يُعتبر منذ ذلك الحين أحد أكبر الأخطار الملاحية في العالم- حيث مر ببحر المرجان ومضيق توريس في طريق رحلته.

اصطدمت السفينة "إنديفور" بصخر مرجاني ليلا، لكنها صمدت أمام تأثير الاصطدام وتمت إعادة تعويمها، وبعد أن تم إرساؤها على ساحل كوينزلاند القريب لإصلاحها، أعادها كوك إلى إنجلترا، وتوقف لفترة وجيزة في باتافيا (جاكرتا حاليا) للحصول على الإمدادات.

وعلى الرغم من أن الطاقم كان يتمتع بصحة جيدة حتى ذلك الحين، توفي 30 شخصا منهم بسبب الحمى والدوسنتاريا (مرض معدي يصيب الأمعاء، من أعراضه الإسهال المصحوب بدم) بمجرد خروجهم من البحر، لكن لم يمت أي من أفراد الطاقم بفضل النظافة والتهوية اللتين كان يحرص عليهما كوك في أماكن عمل الطاقم، ونتيجة إصراره على اتباع نظام غذائي مناسب يشمل حب الرشاد ونوعا من مستخلص البرتقال.

بعد عودته إلى إنجلترا، تمت ترقية كوك إلى رتبة قائد وتقديمه إلى الملك جورج الثالث، وسرعان ما بدأ في تنظيم رحلة أخرى أكثر طموحا، خاصة بعد نجاح البعثة الاستكشافية لجوزيف بانكس وعلمائه، أصبح هدف كوك ليس فقط اكتشاف أراض جديدة، بل معرفة أشياء جديدة في العديد من الموضوعات العلمية الأخرى.

كانت ثروة المواد التي تم جمعها علميا من رحلة "إنديفور" فريدة من نوعها، ولهذا تم تزويد كوك بسفينتين أخريين للقيام بأول طواف حول القطب الجنوبي واختراقه.

الرحلة الثانية.. البحث عن القارة الافتراضية

بين يوليوز/تموز 1772 ويوليو/تموز 1775، قام كوك بواحدة من أعظم رحلات السفن الشراعية، لكنه لم يجد خلالها أي أثر "لتيرا أوستراليس"(القارة الافتراضية)، على الرغم من أنه أبحر إلى ما بعد خط العرض 70 درجة جنوبا في القطب الجنوبي.

أكمل كوك بنجاح أول طواف دائري بين الغرب والشرق في خطوط العرض العليا، ورسم خريطة تونغا وجزيرة إيستر خلال الشتاء، واكتشف "كاليدونيا الجديدة" (New Caledonia) في المحيط الهادي، وجزر ساندويتش الجنوبية وجزيرة جورجيا الجنوبية في المحيط الأطلسي.

أظهر كوك أن تيرا أوستراليس الحقيقية لم تكن موجودة إلا في أراضي أستراليا ونيوزيلندا، وأن أي أرض قد تظل مجمدة خارج الحافة الجليدية للقارة القطبية الجنوبية.

ومرة أخرى، لم يمت أحد من طاقمه بسبب الإسقربوط (scurvy)، وبعد عودته إلى إنجلترا، تمت ترقيته إلى رتبة نقيب.

الرحلة الثالثة.. ذهاب بلا عودة

كان لا يزال هناك سر آخر يجب اكتشافه على مستوى المحيط الهادي، وهو ما إذا كان هناك ممر شمالي غربي حول كندا وألاسكا أو ممر شمالي شرقي حول سيبيريا، بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي.

وعلى الرغم من أن أبحاثا أوروبية عن الممرات أجريت قبل ذلك لكنها كانت دون جدوى، فإنه كان يُعتقد أن عملية بحث انطلاقا من شمال المحيط الهادي قد تكون ناجحة.

كان كوك هو الشخص المؤهل للقيام بهذه المهمة، حيث انطلق في يوليوز/تموز 1776 مرة أخرى على متن سفينة "ريزولوشن" (HMS Resolution)، مع سفينة أخرى تابعة لويتبي تسمى "ديسكفري" (Discovery).

لكن هذا البحث لم يكن ناجحا، حيث لم يكن هناك ممر شمالي غربي ولا شمالي شرقي يمكن استخدامه بواسطة السفن الشراعية، وأدت هذه الرحلة إلى وفاة كوك.

الألقاب

انتخب كوك زميلا في الجمعية الملكية وعضوا في مؤسسة "رويال سوسايتي"، ومُنح واحدة من أرفع الجوائز التي حصل عليها، وهي ميدالية "كوبلي" الذهبية (the gold Copley Medal) عن ورقة أعدها عن بحثه حول داء الإسقربوط.

الوفاة

توفي جيمس كوك يوم 14 فبراير/شباط 1779 على يد البولينيزيين سكان جزر هاواي أثناء شجار وقع بينهم بعد سرقة مركب تابع لسفينته، وقُتل كوك على الشاطئ في خليج "كيلاكيكوا" (Kealakekua) بعدما حاول أخذ زعيمهم رهينة.

حطام سفينة جيمس كوك

في فبراير/شباط 2022، عثر باحثون أستراليون في ميناء "نيوبورت هاربور" (Newport Harbor) في "رود آيلاند" (Rhode Island) على حطام السفينة "إنديفور"، التي رست في المياه الأميركية منذ ما يقرب من 250 عاما.

وكان علماء الآثار البحرية يحققون منذ عام 1999 في العديد من حطام السفن التي غرقت في القرن الـ18، في منطقة تبلغ مساحتها ميلين مربعين (5.18 كيلومترات مربعة) قبالة الساحل الأميركي، لكن خبراء أميركيين شاركوا في هذا الاكتشاف انتقدوا مزاعم نظرائهم الأستراليين، معتبرين أن الإعلان بشكل قاطع أن الحطام يعود للسفينة إنديفور "سابق لأوانه".

وأكدت العديد من المعلومات الأرشيفية والدلائل الأثرية التي تم العثور عليها، أن الحطام يعود لـ"إنديفور"، التي أُغرقت من طرف القوات البريطانية خلال حرب الاستقلال الأميركية في عام 1788 مع 4 سفن أخرى، لمنع أسطول فرنسي من الدخول إلى ميناء "نيوبورت هاربور" وتقديم الدعم للأميركيين، حيث ظلت منسية هناك لأكثر من قرنين من الزمان.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية