قانون المعاشات الجديد.. نهاية مأساة أم استمرار لمعاناة المصريين؟

أصحاب المعاشات يطالبون بإدارة أموالهم بعيد عن الدولة (الجزيرة)
هل يساهم القانون الجديد في إنهاء معاناة أصحاب المعاشات بمصر (مواقع التواصل)

محمد سيف الدين-القاهرة

لم يمثل الخروج على المعاش نهاية سعيدة للسيدة المصرية سوسن عبد الكريم كما كانت تحلم بعد ثلاثة عقود ونيف من الشقاء والعناء في العمل.

ورغم استبشار الستينية المصرية بالقرارات الأخيرة التي اتخذتها الدولة لصالح أصحاب المعاشات فإنها تؤكد أن التقاعد ما زال يمثل لها فقدان نسبة كبيرة من دخلها المادي الذي اعتادت عليه طوال فترة عملها، ولا يتلاءم مع تكاليف المعيشة حاليا في البلاد.

ووافقت لجنة القوى العاملة في مجلس النواب (البرلمان) الثلاثاء الماضي -من حيث المبدأ- على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن التأمينات الاجتماعية والمعاشات تمهيدا لمناقشته الأسبوع المقبل وإقراره بشكل نهائي، وعادة ما تتم الموافقة على القوانين المرسلة لمجلس النواب من قبل الحكومة.

ويربط مشروع القانون الجديد بين الحد الأدنى للمعاش والحد الأدنى للأجر بحيث يساوي 65% من الأجر الأساسي، إلا أن السيدة المصرية ترى أنه ما زال "غير مجز".

وقالت سوسن في حديثها للجزيرة نت إنه "لو تم احتساب هذه النسبة على أساسي المرتب الذي يتقاضاه الموظف الذي تجاوز فترة عمله 25 عاما (وهي المدة المحددة بالقانون الجديد مقابل تسوية المعاش) فإن الحد الأدنى لن يصل بأقصى تقدير لألف جنيه، مؤكدة أنها لا تكفي لسد احتياجات أسرتها، في ظل الارتفاع شبه السنوي في الأسعار الذي بدأ عام 2016 في أعقاب قرار تعويم الجنيه (تحرير سعر الصرف)".

في المقابل، يؤكد رئيس صندوق التأمين الاجتماعي للعاملين بالقطاع الحكومي محمد سعودي أن وضع الحد الأدنى للمعاش سيقضي تماما على تدني المعاشات مع مرور الوقت، وفق تصريحات صحفية.

ويبلغ الحد الأدنى للمعاش حاليا 900 جنيه تقريبا (الدولار نحو 17 جنيها)، وبدأ تطبيقه في أول يوليو/تموز الجاري، بزيادة إجمالية 28.1 مليار جنيه عن العام الماضي، ويبلغ عدد المستفيدين من هذه الزيادة 9.8 ملايين شخص (هم عدد أصحاب المعاشات) وفق تقديرات رسمية.

وقف التوظيف
لم تتوقف مخاوف أصحاب المعاشات في مصر من عدم ملاءمة الحد الأدنى للمعاش لتكاليف الحياة المرتفعة وحسب، حيث يرى ياسر السروي (موظف حكومي) أن الدولة تسعى لخفض نسبة المستفيدين من المعاش.

وأوضح السروي للجزيرة نت أن القانون الجديد يحرم الابنة من معاش والدها المتوفى عند بلوغها سن 24 عاما، حتى في حالة عدم زواجها أو عملها، خلاف ما كان سائدا قبل ذلك.

ويستفيد من أموال المعاشات ثلاثة ملايين أسرة كإرث عن عائلها، وفق تقديرات رسمية.

وإضافة إلى ذلك رفع القانون التقاعد إلى 65 عاما على أن يكون ذلك بالتدرج، بحيث يكون التقاعد في سن 61 عاما في يوليو/تموز 2032، ويزيد كل عامين حتى يصل للمستهدف في يوليو/تموز 2040.

ويتضارب هذا التعديل مع قانون الخدمة المدنية الذي يشجع على الخروج بالمعاش المبكر، وفق ما أوضح طلال شكر نائب رئيس النقابة العامة لأصحاب المعاشات.

أما الناشط العمالي سيد حماد فأوضح أن أغلب الموظفين بعد الستين تكون حالتهم الصحية متدهورة ويحتاجون لرعاية.

وأشار حماد في حديثه للجزيرة نت إلى أن رفع سن المعاش يعني أن الحكومة ستغلق الباب نهائيا أمام التعيينات الجديدة، مرجعا ذلك لاشتراطات صندوق النقد الدولي الذي يجري مراجعات اقتصادية دورية على مصر بعد منحها قرضا قيمته 12 مليار دولار.

ويفتح الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة (حكومي) باب التعيينات في الدولة مرتين سنويا إذا ما تطلبت الحاجة، وذلك خلال شهري يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران.

ومنذ عام 2016 لم تعلن الحكومة عن وظائف جديدة بسبب وجود ترهل في الجهاز الإداري للدولة، حيث يعمل بمصر نحو 5.7 ملايين موظف حكومي، تحدث عنهم الرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة بوصفهم عبئا على كاهل الدولة، لكنه أكد أنه لا نية لتسريح الموظفين.

مظاهرات سابقة لأصحاب المعاشات في مصر(الجزيرة)
مظاهرات سابقة لأصحاب المعاشات في مصر(الجزيرة)

مزايا القانون
وعلى الرغم من تلك الانتقادات فإن الحكومة ترى أن قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الجديد يقدم عددا من المزايا، أهمها: فض الاشتباك المالي الموجود مع الخزانة العامة وبنك الاستثمار القومي، وفق ما أوضح المستشار القانوني في وزارة التضامن الاجتماعي أحمد الشحات.

ومن ضمن المميزات أيضا التي تسوقها الحكومة لأصحاب المعاشات لتسويق القانون الجديد أنها ستستثمر أموالهم بشكل اقتصادي يضمن استدامتها المالية من خلال صندوق استثمار يعمل في مختلف الأنشطة.

وتلتزم هيئة التأمينات -طبقا للقانون- باستثمار 75% من فائض أموالها في أذون وسندات الخزانة العامة، ويجوز تخفيض هذه النسبة إلى 65% بعد الاتفاق بين وزيري التضامن والمالية، وذلك بعكس القانون الحالي الذي لا توجد فيه أي نصوص قانونية لاستثمار أموال التأمين الاجتماعي، بشكل جعل كل صندوق يتولى استثمار جزء من أموال التأمين الاجتماعي الخاصة به، وهو ما كان له أثر سلبي على عوائد استثمار أموال التأمينات.

ويحذر الناشط العمالي سيد حامد من هذه الخطوة، مؤكدا أنها إعادة لتجربة وزير المالية الأسبق بطرس غالي عام 2005 التي باءت بالفشل حينما قرر استثمار أموال التأمينات بالكامل في سوق المال، ثم اعتمد عليها لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة، وذلك مقابل إصدار صكوك لصالح صناديق التأمينات بفائدة سنوية تتراوح بين 8 و9%، ومنذ ذلك الحين تحولت أموال التأمينات إلى صكوك وسندات وديون على الدولة.

ولمنع تراكم ديون جديدة على الخزانة العامة للدولة لصندوق التأمينات، ألزم القانون الجديد الخزانة العامة بسداد 160.5 مليار جنيه سنويا للهيئة القومية للتأمين الاجتماعي لمدة 50 عاما، ويزداد هذا المبلغ بنسبة 5.7% فائدة مركبة سنويا لسداد 642 مليار جنيه إجمالي المديونيات لصندوق المعاشات حتى 30 يونيو/حزيران 2018، وهو ما انتقده خبراء بسبب طول المدة المحددة لسداد الديون، واعتبروه نوعا من المماطلة.

غير دستوري
منذ سنوات يناضل الاتحاد العام أصحاب المعاشات (غير رسمي) لمطالبة الحكومة بسداد أموال المعاشات التي يرون أن الحكومة حرمت أصحاب المعاشات من استثمارها بشكل يعود بالنفع عليهم.

وتقدر أموال أصحاب المعاشات بحوالي تريليون جنيه، وفق ما أوضح رئيس الاتحاد العام لأصحاب المعاشات البدري فرغلي.

من جهتها، تساءلت عضوة اتحاد أصحاب المعاشات نيفين طرابية: كيف يتم استثمار أموالهم دون تمثيلهم في اللجنة المشكلة من قبل الحكومة للتأكد من أن الأرباح تصل لمستحقيها؟

وقالت طرابية في حديثها للجزيرة نت إن "القرار مثير ويضع الكثير من علامات الاستفهام، خاصة في ظل الحجم الهائل لتلك الأموال".

بدروه، يؤكد عضو لجنة القوى العاملة في مجلس النواب (البرلمان) عبد العزيز شعبان أن قانون التأمينات والمعاشات الحالي غير دستوري، حيث إنه يدار من قبل الدولة.

وفي تصريحات صحفية طالب شعبان الدولة بضرورة تعديل القانون، على أن يشمل إنشاء هيئة مستقلة لتجاوز العوار القانوني الحالي.

وعلى الرغم من الانتقادات التي صاحبت القانون الجديد قبل إرساله إلى مجلس النواب فإن الحكومة لم ترسل نسخة منه للمستفيدين، وفق ما أوضح البدري فرغلي.

وطالب فرغلي أمس الأربعاء -في خطاب أرسله إلى وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي- بحتمية إدارة حوار مجتمعي وجماهيري يتسع ليشمل جميع محافظات الجمهورية، ويشارك فيه أكبر عدد ممكن من المستفيدين من تطبيقه.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة