شعار قسم مدونات

أنا وليلى.. هل تعرف معنى الخذلان النفسي؟

مدونات - الخذلان
تلك اللحظة الصادمة.. لحظة معرفتي بزواجها، هل تفهم معنى الصدمة؟! (مواقع التواصل الاجتماعي)

تأمل معي تلك القصة، ليست لشيء سوى التأمل، فقد سمعنا وقرأنا عن الخذلان كثيرًا، الخذلان مِن شخص ما، أو وطن ما، أو من أنفسنا؛ حين نتعلق ونتشبث بآمال وأحلام كان من العسير علينا ترويضها.

أحببتُ فتاةً ذات مرة. أعلمُ أنك ستقول: سمعت مثل تلك القصص كثيرا؛ المعاناة والفراق، وأغاني الهوى وروايات الحُب صيغت على نفس المنوال، هل من جديد؟

نعم.. يوجد جديد، التأمل في معنى خذلان النفس لصاحبها، هل سمعت عنه؟!

تلك الفتاة كانت -دون مُبالغة- عُمري وحياتي، طيلة سنوات الجامعة الأربع، كُنت -أشبه ما يكون- مُتيمًا بها، كان كلامنا في كل شيء وعن أي شيء، إلا عن الاعتراف بالحب، أظنني لم أعترف لها بسبب الفروق التي بيننا، والمسألة ليست في الفروق، لكنها خوف من الاعتراف وردة الفعل. وبعد تخرجنا مباشرة، استمر التواصل بيننا، ثم غابت لفترة، إلى أن فوجئت منذ شهر بأن قرانها قد عُقد!

تلك اللحظة الصادمة: لحظة معرفتي بزواجها! هل تفهم معنى الصدمة، معنى الخذلان، كنت أشبه ما يكون بالمُخدر، بمن سَكر دون أن يشرب، لم أكن أعي هل ما سمعته صحيح أو لا؟!

بدأت باسترجاع صور من الذاكرة كثيرة؛ هل خُطبت سرًا، لم يبدُ لي أي شيء عليها حينها، كيف؟! كنت في حالة إنكار.

لحظة تشعر حيالها بخذلان نفسك لنفسك، فليس للمسكينة ذنب -والتي ما زلت أحبها- ليس لها يد في ذلك، هل هي من أمرتني بحبها؟!

ما زلتُ أذكر يوم الصدمة هذا، كأني ما زلتُ أعيشه الآن حتى اللحظة، كدتُ أن أُجن وأنا أتخيلها مع غيري، تُبادله الحُب، تُقاسمه الطعام، تشاركه الفراش، وكل تفصيلة في حياتها يكون أول عالم بها. صار هو سندها وملاذها ووطنها ورجلها، وليس أنا!

مع سماعي وتأكدي من الخبر، هرعت أسير في الشوارع كالمجنون الهائم، كأني أبحث عن شيء، أسير دون هدف ولا بوصلة توجهني، أسير فقط كلاجئ طُرد من وطنه، تُهت في الشوارع، ودموعي بادية مني، وأنيني مكتوم في صدري، أنظر في وجوه الناس لعلي أجد من يُكذب الخبر، ثم نحو السماء أتطلع؛ لعلي أكون في حلم، أو تبدأ الساعة وينطفئ القمر. كُنتُ مطرودًا منبوذًا في أسوأ أيام حياتي، كنت بلا وطن، ولم أجد صدرًا أرتمي فيه كي يحنو عليَّ كما كانت تفعل أمي صغيرًا.

حاولت الاستسلام والتسليم وتقبل الواقع: نعم لم تعد لك، صارت لغيرك، لذلك الغريب الذي تفترش ضلوعه الآن، هذا الغريب الذي يزداد حنقي وغضبي حين أفكر فيها معه.

حاولت أن أرضى، ولم أَلمْ سوى نفسي، فالمسألة كانت أمرًا محتومًا، لا بد ولكل طير أن يبني عُشا له يومًا ما، وهي قد دخلت عُشها. لُمتُ نفسي التي بادرت بالحب، لُمتُ نفسي التي كتمت الهوى في صدري، ونسيت أن الهوى فضّاح وأن الشوق ذبّاح، فكل من كان يسألني عن حالي أقول -كذبًا- بخير، وأنا في حقيقتي لست سوى إنسان منحور، يكتم دموعًا ناطقةً لا محالة ولو حاول زجرها.

النسيان

"انسَ".. "ستحب مرة أُخرى".. "ثِق بالله"، تلك الكلمات التي يُرددها الناس في مثل تلك القصص، يظنون أنها تُساعد المرء، لكنها لا تساعده، من قال إني أحاول نسيانها، لم يحدث لي أي شيء أفضل من حبها؛ امرأة رُزقت بحبها، كانت معنى لوجودي.

كل الأحلام والآمال التي شيدتها في كياني، كانت معقودة بحبل وجودها وأمل قربها وبقائها، فلمّا انقطع الحبل، وأُسر الأمل، انهمرت أحجار البنى وتهاوت أحلامي أرضًا. فشعرت أن لا معنى لوجودي في حياة لم تعد هي فيها.

تعلمتُ شيئًا

لكني تعلمت شيئًا من تلك الصدمة؛ تعلمت أن الإنسان يُوجده الحُب، فهو يعيش في سبيل شيء يحبه، يظل باحثًا عنه، وعلى أتم الاستعداد ليُفني حياته فِداءً له، فلا نستطيع أن نحيا سوى بذلك الحُب، فلو نضب نهر الحُب فينا، كيف لسُفننا أن تُبحر في الحياة، وما معنى وجودنا دون مجداف وأشرعة البقاء؟! فالحب هو أساس الوجود، لذا، فأنا شاكر لها إضافتها معنى لحياتي.

ولستُ نادمًا على حبها، ولو عاد بي الزمن، لكررت حبها ألف مرة، ولست من الأوغاد الذين يتمنون طلاق امرأة لينالوا الفرصة، فهل سأبني سعادتي على جراحها!

أفكار.. وعلاج بالكتابة

تنتابني أفكار تنغص عليَّ ساعاتي التي أحاول شغلها بما يُلهيني عن التفكير فيها، ولكن دون جدوى، أفكار تحمل صورًا لها مع ذلك الغريب؛ يضمها، يقبلها، يبتسمان لبعضهما. وأنا، هنا أكتب فحسب!

أشعر بالقهر والأسى، لكن، رغم فقداني شغف الحياة، لم أُفكر بقتل نفسي، رغم أني أخذت أتساءل عن سبب بقائي حيا ومعنى وجودي، فلم أُقدم على الانتحار أبدا، ذلك لأني أعلم أن حبها أضاف لوجودي الكثير، تجربة جميلة كان لا بد لها أن توجعني يومًا ما، وقد كان.

أراقبها في السر، وفي الخفاء أُناجيها، كحال أي عاشق دمره الاكتئاب، لكن لا بد وأن أتقدم في الحياة، لعلي يوم القيامة أجتمع بها، فلو شاء الله وخيّرها بيني وبين الغريب، عارضًا عليها حالتي في فراقها وصدق حبي لها، عسى أن يُلقى في قلبها حبي عندئذ، لنصير معًا في الخلد.

أما عن كتابة تلك القصة، فليس لشيء، فلن تُفيدكَ شكوتي، فالشكوى لصاحبها..

شكواك شكواي يا من تكتوي ألمًا..

ما سال دمعٌ على الخدين سالَ دمُ

لكني أكتبها كعلاج، فالكتابة علاج بسيط، بمفعول سحري.

لن أقول إنني نسيتها، فهذا كذب، والكذب حرام، فكلما دنا الليل، أخذت أرقب الساعة، حيث تعود الأفكار الجلادة إليّ، فابدأ أسأل: "هل هي معه الآن؟ بالتأكيد، ماذا تفعل.. أو يفعلان!" عذاب، طوال الليل لا أذق سوى العذاب، ولا أذهب إلى النوم، لأني أخشى النوم باكيًا، فأنتظر حتى تهدأ نفسي، وينطفئ وهجُها، ليعود ويشتعل مجددًا حين يتسلل الليل.

لكني أخيرًا فهمت كلمات قصيدة "أنا وليلى" لكاظم الساهر، والتي تنطبق حالتها -قليلًا- على حالتي، في أكثر الأبيات التي تصف حال كُل العاشقين المُبتَلين:

نُفيتُ واستوطن الأغرابُ في بلدي .. ودمروا كل أشيائي الحبيباتِ

خانتكِ عيناكِ في زيف وفي كذب .. أم غرّكِ البهرجُ الخدّاعُ، مولاتي!

لكني الآن أتعافى، أو أحاول التعافي، كما أحاول نسيانها، وإن لم أستطع، لكني سأحاول!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.