شعار قسم مدونات

هل السرعة في القيادة تعني وصولنا أسرع؟

BLOGS طريق

هل السرعة في القيادة تعني وصولنا أسرع؟ هذا ما تقوله قصتي الحقيقية.. وأنا مسافرٌ نحو اليمن مررت بسلطنة عمان، وصلت إلى مدينة صلالة -المدينة التي تقع على حدود اليمن من جهة مدينة المهرة- وكان لابد أن أركب سيارة حتى أدخل الحدود اليمنية فذهبت نحو محطة الحافلات وكانت الساعة الحادية عشرة مساءً. اصطحبني رجل عماني طيب الحديث يُدعى سالم إلى جانبه صديق يمني يدعى عمر؛ لقد تعرفت عليهما إثر وصولي عمان في إحدى المطاعم اليمنية. وصلنا أنا وسالم وعمر إلى محطة الحافلات ورأينا أن الحافلة لن تتحرك إلا في الصباح، فرأيت تاكسي بداخله أربعة مواطنين يمنيين بجانبهم السائق العماني؛ جميعهم ينتظرون مسافر خامس حتى يتحرك التاكسي. وصلت فسألت ما إن كانوا سيتحركون ففرحوا مجيبين "أي نعم".

شكرت صديقاي عمر وسالم ثم تحرك التاكسي يجوب الطريق الصحراوية التي لا تخلو من الجمال متجهًا نحو المهرة. كان كل من على التاكسي عائدون من أرض المهجر؛ كلٌ ينتظر لقاء أهله بفارغ الصبر. كان التاكسي يتحرك بسرعة ثمانون ولكن لم يرق للمسافرين هذه السرعة التي تعتبر بالنسبة لهم بطيئة، فطلبوا من السائق أن يسرع أكثر. فتح السائق بعض الأغاني اليمنية المشهورة التي جعلت الجميع يشعر بالأنس والراحة وداس السائق على دواسة السرعة لتصبح السيارة أكثر سرعةً من ذي قبل.

نظرت خلف الشاحنة فرأيت ثلاثة رجال أجسادهم مرميةٌ على الأرض إثنان منهم قد ماتوا بينما أجسادهم تسيل منها الدماء. نظرت نحو الرجل الثالث وكان يزأر كما يزأر الأسد

الجميع مبتهجون لسماعهم الأغاني ومستمتعين بسرعة السيارة التي تجعلهم يشعرون أنهم يطيرون في فضاءات الكوكب. مرَّت بنا السيارة بهذه السرعة لمدة ساعة ونصف بينما نحن نتبادل النكات ونستمع الأغاني وبعض الأوقات يتكلم بعضنا عن مغامراته التي قام بها في غربته. رغم أن سرعة السيارة كانت عالية نوعًا ما إلا أن أحد المسافرين معنا طلب من السائق أن يزيد من سرعة السيارة أكثر حتى نصل قبيل الفجر. أصبحت سرعة السيارة جنونية بينما نحن نقهقه بطريقة هستيرية فرحين بالوضع. فجأة رأينا ضوء سيارة إسعاف بوسط الطريق التي نحن متجهين نحوها.

هدأ السائق من سرعة السيارة رويدًا رويدًا والسكوت مخيمٌ على الجميع. سألت أنا "ماذا يعني هذا الضوء بوسط الطريق؟ هل من مشكلة؟ أجابني السائق أن الطريق التي نمر منها مليئة بالجمال، وربما اصطدم أحد المسافرين بإحدى الجمال دون علمه. وصلت السيارة إلى مكان الحادث. يا للهول! لقد كان حادثًا مروعًا. سألنا أحدهم عن ما حصل فأجابنا أن شاحنة كبيرة أتت مسرعة فاعترضها إحدى الجمال التي كانت ما زالت في المرعى ولم يستطع إيقاف الشاحنة إلا بعد أن اصطدم بالجمل. نظرت خلف الشاحنة فرأيت ثلاثة رجال أجسادهم مرميةٌ على الأرض إثنان منهم قد ماتوا بينما أجسادهم تسيل منها الدماء. نظرت نحو الرجل الثالث وكان يزأر كما يزأر الأسد، نظرت نحو جسده فكان منظرًا مروعًا؛ إحدى قدماه قد انشق لحم فخذها حتى أصبح العظم يُرى من خلاله، بينما إحدى يديه شبة مقطوعة عوضًا عن الدماء التي قد غطت وجهه وبعض أجزاء جسمه. كان يئن ويزأر وكأنه يريد أن يقول شيئًا ما. يقلب عينيه يمينًا ويسارًا ولا يجد إلا رجلٌ يردد بصوتٍ مفجوع "قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" الرجل بصره شاخص ينظر نحونا دون جواب. ردد الرجل الواقف كلامه مرات ومرات عله ينطق الشهادة قبل أن يفقد حياته لكن لا فائدة.

لم نستطع البقاء أكثر من هول الحادث فقررنا أن نترك المكان ونذهب تاركين خلفنا أناسٌ رغبوا أن يسرع السائق حتى يصلوا إلى أهاليهم أسرع ولكن لم يصل إلى أهاليهم سوى أجاسدهم الهامدة الملطخة بدماءٍ أهدرتها سرعتهم المتهورة. ركبنا السيارة فتحركت بنا نحو طريقنا المقصود، بينما ذلك الرجل الذي لم يكن راضيًا عن سرعة السيارة من قبل بدأ يتحدث "يا جماعة نتأخر ساعة ساعتين حتى نصف يوم واحنا سالمين أفضل من السرعة التي ربما تودينا في داهية"، رد السائق موافقًا قول الرجل ثم قال "يا جماعة! هذا تلفوني فيه رصيد دولي، من يحب يُطمئن أهله يقدر يأخذ التلفون ويتصل" اتصل البعض بأهاليهم، ثم سأل رجلٌ ثالث: "ما في جامع قريب من هنا؟ للأسف ما قد صلينا المغرب ولا العشاء".

وقفت السيارة بجانب إحدى المساجد وخرج الجميع للصلاة. صلى الجميع ثم رجعنا نحو السيارة. فبدل أن كنا نستمع للأغاني فتح السائق إحدى إذاعات الراديو لنستمع بعض الأخبار المحلية وبعض الأوقات تتكلم الإذاعة عن الأدب وقصص وغيره. ما أردت إيصاله للجميع من خلال قصتي هذه أن السرعة الزائدة عند السفر لا تعني وصولك أسرع؛ فأن تصل سالمًا أفضل لك بكثير من أن لا تصل بالأصل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.