شعار قسم مدونات

هل تُيتَمُ "قوات الكرامة" بعد حفتر؟

مدونات - خليفة حفتر

بصوت مرتعش واختناق واضح.. وشهيق وزفير نجحت المصادح في نقله عبر الشاشة لتفضح الارتباك الذي سيطر على الناطق باسم قوات الكرامة التابعة لخليفة حفتر أحمد المسماري في مؤتمره الصحفي الدوري. تجاهل المسماري الأخبار التي تحوم بشأن آمره والحال أن صحف العالم ضجت بها، ذاك أمر لا يُستغرب من رجل هبّ لنفي ما عدّها شائعات، أكثر من ذلك تأكيده أن خليفة حفتر يواصل متابعته عن كثب سير العمليات العسكرية، تعامل منطقي في ظل إدراكه جيدا ما يعنيه إعلان مرض رجل يقطع ذكر اسمه أنفاس كثيرين.

 
يرقد حفتر إذن في إحدى مستشفيات باريس وإن تضاربت الأنباء بشأن حالته الصحية وإصرار أنصاره على أن لا مخاطر تهدد حياته، إلا أن مصادر كثيرة تحدثت عن تعرضه لجلطة دماغية وحالات إغماء وأخرى عن تفشي المرض الخبيث في جسده.

 

أصداء من باريس من شأنها أن تؤثر وبشكل مباشر على سير الأحداث في ليبيا، خاصة شرق البلاد أين يسيطر حفتر بيد من حديد على سير الأحداث فيه. الرجل نجح في كسب ورقة القبائل مع إعلان عملية الكرامة عام 2014، لكن معسكره شابته انقسامات أخيرا بعد فشله في توزيع الامتيازات بينها، خاصة مع صعود نجليه خالد وصدام إلى المشهد العسكري وبدء العائلة في خوض معارك داخلية للحفاظ على السلطة بالشرق وأخرى خارجية مدفوعة الأجر لتلميع السمعة.

 

في خضم الأحداث ستجد قوات عملية الكرامة نفسها مضطرة لخوض حرب وجودية في ظل غياب ولي أمرها "حفتر" واقتران وضعها بوضعه، ما يعني أن ما ينتظرها قد يتجاوز التفكك الداخلي

لم تكن أطماع حفتر السياسية بخافية لكنها تدحرجت أخيرا إلى ما دون ذلك وبات يرنو لكسب مقعد عسكري يبقيه تحت الأضواء.الآن وقد يحول وضعه الصحي دون ذلك، لن يشمل السقوط قائد عملية الكرامة وحسب بل قد يتجاوزه إلى مكانة القوة في الشرق الليبي. انشقاقات منتظرة قد تضرب العملية المهترئة أصلا، خاصة وأن الأصداء القادمة من هناك تفيد باختلاف وجهات النظر بشأن اختيار خليفة لحفتر على مستوى قيادة ما يسمى بالجيش الليبي، خلافات نابعة من مطامع قبلية بحتة، فما تحقق لقبيلة فرجان التي ينتمي إليها حفتر يسيل لعاب أقرانها والوقت بات مناسبا بالنسبة لها لتبادل الأدوار.

 
خلافات داخلية قد تعصف بكل ما يحيط بقوات حفتر وقد تمس مناطق سيطرته في الموانئ النفطية والجنوب، حتى أن مزاعم اقتحام مدينة درنة عدها كثيرون مجرد دعاية للفت النظر وتجاوز ما تعيشه القوة من تخبط في غياب قائدها. المجلس الرئاسي الذي وضعه حفتر أمام حتمية التواصل معه وكسب رضاه للسير نحو حل سياسي للأزمة التي تعصف البلاد وتحقيق مطامع الطرفين في كسب مناصب سيادية، لن يكون في ظل الوضع الصحي الراهن لحفتر مُطالبٌ باستكمال المسار ما يعني إسقاط معسكر الكرامة من حساباته.

 
إقليميا ما من شك أن تدهور الحالة الصحية لحفتر لخبطت أوراق حلفائه العرب وبالأساس مصر والإمارات، ولعل تزامن زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن سلمان لمصر مع ذلك، دليل على ارتباطها بشكل واضح مع ضرورة بحث متطلبات الوضع الجديد في ليبيا لضمان عدم خسارة موقعهما هناك، فحكومة أبو ظبي التي بدأت في تنفيذ مخططاتها في ليبيا عبر ضمان وجود عسكري لها هناك، وفتح المجال لها لشراء الأراضي في بنغازي ستجد نفسها اليوم دون سند ما يعني أنها ستبحث عن آخر بعيدا عن معسكر الكرامة.

  undefined
 

دوليا سيجد الغرب أنفسهم أمام خيار وحيد وهو استكمال المسار الأممي الطامح للمضي قدما نحو إجراء انتخابات نهاية هذا العام، لن يحتاج اللاعبون الدوليون بعد حفتر للمسك بطرفي الحبل في ظل عدم قدرة من كان يطمح لقلب المعطيات على مواصلة ما بدأه، وغياب من يُوكل إليه ذلك خاصة وأن موقف الغرب من حفتر بني على ثلاث أسس رئيسية هي:
– امتلاكه للسلاح وسيطرته على مساحة من البلاد بينها مناطق الثروة النفطية.
– نجاحه في التسويق لنفسه كمحارب للإرهاب.
– رغبة الغرب في المسك بطرفي الحبل بغاية الحفاظ على أوراقهم في ليبيا مهما تغيرت المعادلة في البلاد.

 

وفي خضم كل ذلك ستجد قوات عملية الكرامة نفسها مضطرة لخوض حرب وجودية في ظل غياب ولي أمرها واقتران وضعها بوضعه، ما يعني أن ما ينتظرها قد يتجاوز التفكك الداخلي إلى حالة يُتم يُقصيها من المشهد بمختلف أبعاده.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.