شعار قسم مدونات

تاريخ انتهاء صلاحية البشرية في فلسطين

مدونات - العمالة
كم من الوقت ستحتاجُ للتفكير في عرضي؟
هل ستتأخر علي في الرد على ما طلبته منك؟
أنا لا أريدُ جوابا الآن.. اذهب لبيتك واجلس مع نفسك واشرب سيجارتك مع فنجان من القهوة وتأمل في سقف غرفتك، وبعد ذلك أطلعني وزودني بجوابك الذي آمل أن يكون كما أُريد وليس كما تُحب.

إذن لا مَفر من ذلك سوى أن يلتزم بما قاله له. جزء صغير من حوارٍ اعتياديّ لضابط مخابرات اسرئيلي مع مواطنٍ ما يعيش بين مِقصلةِ القيدِ ووحلِ العمالةِ، فلا شكّ بأنه سَيُزج به في السجن طالما داهمته قوات الاحتلال. ولعل ( م.ع ) يناجي الله بأن ينجو من عروض الشاباك الإسرائيلي المُغريةُ في الحياةِ الدنيوية، المُهلكَةُ في الآخرة. رموز اعتدنا على قراءتها في كلِّ مرة يتم إلقاء القبض على مواطن غرق في وحل العمالة بعدما أغرته الدولارات وأنواع الهواتف المتعددة، فهو في هذه اللحظةِ مُخيَّر وليس مُسير. لكن لا أعلم إن كان وصل لنهاية الخيط في تأمله في سقفِ غُرفتهِ وسط متاهاتٍ واضحة في ظلالِ دُخانِ سيجارته التي حبست غرفته وتكاد تصنع له مطرا صناعيَّا، تماما كما المال الذي سيقبضه من ضابط المخابرات دون تعب أومَشقة.

تتعدد أساليب الإيقاع في وحل العمالةِ دون أن تُنقص من شخصيته شيئا عكس عمره الذي أصبحَ مرهونا في يدِ ضابطَ شاباكٍ ينتظر منه كل يوم معلومة مقابل حفنة من المال، أموال يجنيها في سبيل بحثه عن رفاهية الحياةِ من مأكل وملبس ومشرب، وكذلك هاتف محمول وسيارة. فلا أحد منا ينكر أن هذه الأمور من أساسياتِ الحياةِ والعيشَ في ظلالِ الرأسماليةِ التي أقحمت نفسها في جميعِ مخططاتنا، وهنا الاحتلال يستهدف من هو أكثر الأشخاصِ محبة بين أقرانه أو أكثرهم حاجة للمال والحياة، أو ذاك الذي يُمني نفسه بدراسةِ الطب أو الهندسةِ أو التخصصات العلميةِ ذات المبالغ والأقساطِ الباهضة، رغم تردي أوضاع أهله المعيشيةِ والاقتصاديةِ، فلا بدَّ لمن سيقع في مصيدةِ الجوسسة أن يجتاز الفحص الأولي ومدى حاجته للمال. عدا عن أُناس همهم الأوحد علب السجائر والهاتف في جيوبهم.

كثيرون هم من كشف عنهم جهاز المخابرات الصهيوني وأحرق كرتهم لانتهاء صلاحيتهم كما حدد تاريخ إنتاجهم
الكلُّ يعرف مدى حنكةِ ضابط المخابرات في بحثه عن هذا العنصر المهم والذي سيتكئ عليه في المراحل القادمة لإنجاز مهامه الاستخباراتية، فأكثر من دراساتٍ تحليلية وأكاديميةٍ أثبتت أن ضابطَ المخابرات يُقاس نجاحه في حكومة الاحتلال وبالتحديد في وزارة الجيش والأمن بعددِ العملاء الذين جندهم خلال عمله في منطقة معينة من فلسطين. وهناك ضبّاط نظرتهم واسعة الأفق فيلجأ إلى الدول المجاورة، وهنا إسرائيل تجيد ذلك جيدا، لكن لا مقارنةَ بين الصنفينِ.

وحينما تمرُّ في شارعٍ آخر النهار بعد نهايةِ عملك ستكون مُراقبا من جميع مَن حولك وكذلك ظِلُكَ الذي ربما سيشهدُ عليكَ يوما ما أنك ارتكبت فعلا مُقاوما ضد أهدافٍ صهيونية، فأنت هُنا تكون بعينين ثاقبتين وعقلٍ مُتزن وقلب يخشى أن يُصاب بالسكتةِ إذا ما أظهرت الأيام أن أحد أصدقائكِ يبادرُ عليكَ بطرحِ السلامِ ويُقَبِلًكَ على وجنتيك ثلاث ورُباع، وفي نهاية المطاف تكتشفُ بأنه كان لك مُصافحا في الظاهرِ طاعنا لكَ في الظهر. وأكثر الأيام تنتشرُ فيه خفافيش الليلِ رفقةَ كشافاتهم الضوئيةِ البشريةِ حينما يهمُ الاحتلال باعتقال مُطارد أو التعرف على بيته لتتم مداهمته واعتقاله وتصفيّته، فهو في أولِّ لحظة سيسيرُ في هذه الطريق عليه أن يدرك تماما أن هناك أرواحا ستتعلقُ في رقبته بجانبِ الفحص الأولي لمكانته الاجتماعية ومدى حاجته في الحياة. وهنا الاحتلال يُتقن لغة المراقبةِ كنسرٍ ينقَض على فريسته من مسافات بعيدة ولا يتمكن منها إلا بمخالبهِ القوية أو الظروف المناسبة، وهُنا الاحتلال لا ينجح في صيدِ شيء إلا بالظروف المحيطة والمناسبة والمساعدة في اعتقال خلية مقاومة أو تصفيتها لتنفيذها عدة أهداف مقاومة.

( يا ناطحًأ الجبلِ الأشمِّ بقرنكَ.. رفقا بقرنك لا رفقا بالجبل)
 
"وفي سياق مُتصل أعلنت المقاومة الفلسطينية عن اكتشافها لعميل عمل لصالح المخابرات الإسرئيلية، فيما حكمت المحكمة العسكرية بإعدامه رميا بالرصاص". هذا جزء من خبر يتم تداوله عادة عند الإمساكِ بمن غرق في بحرِ العمالة ولم يستطع أن ينقذ نفسه لثقلهِ الزائد نتيجة حصادهِ الكثير من المال وغيره من الأمور الدنيوية التي باتت أحلامه مبنية عليها. لكنه لم يستطع أن يبني لنفسه أو يتخيل خلال إمعانه في سقف غرفته حينما طلب منه ضابط المخابرات ذلك أن يرسم لنفسه نهاية الطريق، أو أن يسأل نفسه، ماذا لو انتهت مُهلتي المحددة في البحث عن هدف ما، وماذا لو قال لي ضابط المخابرات إلى هنا نكتفي بمعلوماتك اذهب في طريقك بسلام، وهنا يقصد إما السجن أو الإعدام ولا مفر من ذلك.
 
وكثيرون هم من كشف عنهم جهاز المخابرات الصهيوني وأحرق كرتهم لانتهاء صلاحيتهم كما حدد تاريخ إنتاجهم، فلا مناص لك يا ( م.ع ) كما تنشر عنك وسائل الإعلام حفاظا على مكانةِ أهلك وعائلتك إلا السجن أو الموت، في كلتا الحالتين انتهى عمرك الزمني في انتظارِ دفنك دون الآخرين، لأنك ستتخلف عنهم في كل شيء حتى في طريقةِ تفكيرك الروتينية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.