شعار قسم مدونات

كفلسطيني عليك ألا تحلم كثيرا!

مدونات - فلسطيني

في غرفة صغيرة كان الضياء يشع منها كثيرا.. أصوات مختلفة لا تدري مصدرها.. لكن السمر في الليل لدى الفلسطيني لا يكون إلا تحت بند العودة والحديث عما أصبحت عليه البلاد المحتلة، وكيف كان كبيرهم يعيش بين بيارات البرتقال وسنابل القمح التي تعكس نور الشمس كخيوط سرمدية، ولكن بعد عام 1948، لا ترى سوى الدمع ينسكب على وجهه من حرقة هذه الأيام، ولا تجد في عينيه إلا حكاية وطن ضاع بعدما غدرت رصاصات العرب مطلقها وانحرفت عن مسارها لترتد منهم في سياج لم يستطع أن يجعل الخط الأخضر لونا أحمر نهايته الحرية.

الساعَة الآن 12:45 صباحا، موعد السهر على ضوء القمر، وقضاء أجمل السمر، والنظر إلى النجوم في السماء الصافية المزينة بضوء القمر وبعض النيازكِ التي تمر مسرعة، أحمد تأخر كثيرا عن السهرة، ليس كعادته يحضر مبكرا، ربما حدث له شيء في الطريق، أو ربما هناك دورية للاحتلال تتجول الآن بالقربِ من الجدار والبوابة الرئيسية، هذا هو مسار الدورية خلال جولاتها الليلية.

مازال أحمد يراقب الدورية من ثغرة الجدار التي أوجدها وهو متمركز خلفه.. نصفُ ساعة مرت ولم يجد أي جديد، بقي أحمد خلف الجدار، ودورية الاحتلال تتجول مشعِلة إنارتها الصفراء الممزوجةِ باللون البُرتقالي.. إذن يبدو أن الوصول لحسام وعلي صعب للغاية، ويبدأ أحمد بطرحِ أفكاره لنفسه: ماذا لو الجدار كان هابطا قليلا؟ ماذا لو دورية الاحتلال تأخرت قليلا؟ ماذا لو بيت حسام خارج الجدار؟ ماذا لو؟ ماذا لو؟ ماذا لو؟ 

 

بدأ علي بعزفِ الموسيقى وبدأ أحمد يلحن خلفه كالعادة.. موطني، موطني.. الجلال والجمال.. آه كم تحمل هذه الكلماتُ من معان! وكم أصبح هذا الوطن خال من الجمال ومعبد بالمستوطنات!
بدأ علي بعزفِ الموسيقى وبدأ أحمد يلحن خلفه كالعادة.. موطني، موطني.. الجلال والجمال.. آه كم تحمل هذه الكلماتُ من معان! وكم أصبح هذا الوطن خال من الجمال ومعبد بالمستوطنات!
  
هذه الأسئلة تشعره بالدوار، لأن وضع البلد لا يسمح لشيء من هذا القبيل، المستوطناتُ في كل مكان.. يوم بعد يوم تزداد أعدادها بمهاجرين قادمين من أوروبا ليستقروا في أراضينا المحتلة.. شهر بعد شهر يعقد الكنسيت جلساته العنصرية ويصادق على بناء وإنشاء وحدات سكنية جديدة لهم، بالقدس والخليل وبيت لحم وأخرى بنابلس. "يباي قديش صعبة هالطريق، يلعن الاحتلال". وأخيرا وصل أحمد بيت حسام فقد طال وقته وهو يبحث عن مخرجٍ من الجدارِ، فلقد ذهبت الدورية حتى تسنى له الصعود على الجدار بواسطة سلم خشبي كان يركنه على شجرة الزيتون الكبيرة.. دقات قلبه شكلت موسيقى عسكرية تكثر فيها طبول النصر، وبدأ حسام بالاطمئنان عليه.

"مالك يزم اتأخرت هالكد، ومالك خايف ومرعوب"، "أخ ي حسام هالدورية ما رضيت تروح، كل مرة بتقعد 5 دقايق أو أقل، ليش هالمرة طولت مش عارف". "بعين الله أخوي هالحال ما رح يتغير مادام في مستوطنين بزيدوا يوم بعد يوم، وقيادتنا لساتها بتفاوض وراضية بالحل السلمي". "يزم لولا أنه لقيت ثغرة بهالجدار ولا كان روحت أو نزلت وانمسكت، بس الحمدلله هالثغرة انقذتني كثير، وأهم شي صرت بينكو".

بدأ علي بعزفِ الموسيقى وبدأ أحمد يلحن خلفه كالعادة ويطرب آذانهم التي اشتاقت لهذه الموسيقى والصوت ..موطني، موطني.. الجلال والجمال..آه كم تحمل هذه الكلماتُ من معان! وكم أصبح هذا الوطن خال من الجمال ومعبَّد بالمستوطنات! هذا الوطن يعاني من سرطان الاحتلال المستمر الذي قسم المُقسَّم، وجزءَ المُجَزَّء.. فالبيوت في هذا الوطن فُصلت عن بعضها البعض، فثمة بين كل بيتين فلسطينيين مسمار للاحتلال.

الصحفُ الفلسطينية لم تتوقف عن العناوين العريضة وكذلك المواقع الإلكترونية كوننا في ثورةٍ تكنولوجية جعلتنا حبيسي البيوت أمام شاشة حدودها 22 بوصة أو أقل، وهاتف أصبح بدلا من بندقية يكتب ويكتب ولا يطلق رصاصه بالشكل المطلوب، وأبرز العناوين هو أن الكنيست الإسرائيلي صادق على 1000 وحدة سكنية في الضفة المحتلة، و500 وحدة على حساب أراضي الفلسطينيين، مستوطنات جعلت حدود الفلسطيني أقصاها باب غرفته دون استخدام سلمه المنزلي لربما يكون مخطرا من قبل الاحتلال بالهدم أو المصادرة، أو تجد الصالون والمطبخ داخل الجدار، والغرفة والمرحاض خارجه.. وهكذا يمضي الفلسطيني دون أن يحقق أحلامه لترتطم بجدار قطع أوصار الحياة بسرطان استيطاني اسمه الاحتلال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.