شعار قسم مدونات

فلسطين وجرح لا يلتئِم

blogs فلسطين

مُنذ سنين عدّة حين أصبَحتُ مدرِكة لما يَدور حولي في هذا العالَم وكنت أشاهِد أطفال يُعذّبون يُقتلون ويُحرقون كنت أتألمُ كثيرا وأشعُر بالعَجز والانكسار الذى لا حَدّ لوصفِه وكنت أتساءل دَوما من هؤلاء الجَرحى وهؤلاء الأطفال المُشردة التي تعاني من انعدام الإنسانية وما هو خطَئهم كي يحدُث بِهم كل ما يحدُث وكي يتألّموا ويعانوا كل هذا القدرِ الذى لا يتحمّله بشَر، وكانت الإجابة هي أنّهم أطفال فَلسطينيّون، ومُنذ ذلك الحين بدَئت أتساءل هل يُمكن أن يخطأ إنسَان على هذا الكَون خطأ يستحِق أن يُعاقب عليه هكذا بهذِه القسوة والألآم الدائمة بِلا توقف؟

 

فَكنت أرى حُروبا بدِوَل عِدة أرى جروحا تنزِفُ وأعلام مُنهارة من كثرَة الدِماء في شَعبها وأطفالِها ولكنّى يوما ما رئيتُ كَفلسطين ما رئيتُ جُرحا كَجرحِها ولا دموعا وانهيارا كما واجهَت هي، بدئت أبحث كثيرا ومُطولا خَلف تِلك القضيّة التي دامَت لقرن تنزف ودَام جُرحها مُنهارا لا يَلتئم، أطفال تُعانى كل لحظَة من السَطو والكَبت والضّيق، وجدت أن لا ذنبّ لهؤلاءِ سوى أنهم يُريدون أن يهنئوا بعيشَة سويّة داخل وطنَهم أرضِهم وبجانب شجرَة الزّيتون التي زرَعوها، وتمنّوا أن يبقوا بجانبها حتى يَروها تزهِر هكذا أمامهم، أن يَشعروا يوما بالاستقرار، يَشعروا بالحُرية والسعَادة، يشعروا بالحياة، لكن كيفَ وهُناك عِصابة لا تَرحم تختَلِس حياتهم، تقتَحمها بكل قسوة وعنف وشدة.

 

أرى أبناء تَيتّموا بِلا أبّ ولا أمّ يأتي الشِتاء عليهم وهُم فاقِدين لأدفئ الأحضَان على هذا الكَون. وما ذَنبهم وما ذنبِ كل هذا الدمارِ والانهيار والانكسار أكل ما يحدُث بهؤلاء فقط لأنّهم أرادَوا أن يبقوا بأرضِهم أرض أباءهم يهنئوا بأركانِ المسجِد الأقصى

أرى عِيدنا يأتي نهنأ ونفرَح ونَسعد نشترى لِباس العيد ونَحتفل نُعايد بعضِنا بعضا ولكن عندما أنظُر إلى شاشة التلفازِ خلالِ هذه الأيام ما كنت أرى سوى قلوبُ محطّمة وأطفال ذَهب بريقُ السعادة في عيونِهم أطفال يحلمون فقط بيوم كهذا اليومِ كي يتَحسّسوا معنى السعادة، ولكن حتى بهذا اليوم يعانوا من الحُروب حتى بهذه المناسباتِ لم يهنئوا يوما بفرحةِ منها، كنت أرى أمّهات يملأها الأسَى والحُزن فأولادِها قُتلوا أمامِ أعينِها بِلا رأفَة، بعد أن عانَت تِسعة أشهر من الوهنِ والضعف، ها هي تفقِدهم بلَمحِ البصَر، تفقِد حَنانا وعِزوَة تفقِد أسرَتها التي كانت تحلُم بها يوما.

 

ها هي أصبَحت أشلاءِ أسرة بعد سنوات من التعبِ كي تنشئ جِيلا يُحارب من أجل مَجدِه من أجل الدفاعِ عن الوطَن المَسلوب، لكن لم يكُن الحَق يوما بالأمرِ اليَسير بلّ لا بد أن تُعاني الفَقد من أعزّ ما تملك كي تَهنأ بِه، أرى أبناء تَيتّموا بِلا أبّ ولا أمّ يأتي الشِتاء عليهم وهُم فاقِدين لأدفئ الأحضَان على هذا الكَون. وما ذَنبهم وما ذنبِ كل هذا الدمارِ والانهيار والانكسار أكل ما يحدُث بهؤلاء فقط لأنّهم أرادَوا أن يبقوا بأرضِهم أرض أباءهم يهنئوا بأركانِ المسجِد الأقصى ويشعروا بروحَانياتِه وبحقِهم بِه.

 

هل هذا يَجعل عِقابهم أن يُقتلوا ويصبَحوا يتامى بِلا مأوى ولا مسكن هل هذا خطأ يستحِق بِسبَبه أن يُفعل بهم كل هذا ويا ليتَهم مُخطئون حتى بل كل ذنبِهم أنّهم فَلسطينيّون ولِدوا هكذا على هذه الأرض ليدفَعوا ثَمنا لأشياء لم يرتكِبوها كي يدفعوا ثَمن السعادة والحُرية والأمان الذي لم يهنئوا بِه يوما.

 

فَبِالنظَر إلى تِلك القضيّة من النّاحية الإنسانية نجِد أنه لا شَريعة ولا قانون يُحتّم أن يعيشَ هؤلاء الضَحايا طيلة هذه السنين وطيلة عُمرهم مُعذبون مُهانون فقط، لأنهم أرادوا أرضِهم وكيانِهم أرادو العِزّة والصمودِ بدلا من الخُضوع والمهَانة والتنازُل عن أملاكِ هي بحقّهم من يوم أن ولدوا حتى تقوم الساعة، لكنى واثقة كل الثقة أن الفُلسطينيّون وحدَهم قادرون على أن يَستعيدوا وطنهم وحياتهم التي سُلبَت منهم، قادرون أن يُعيدوا كل ما أُخِذ منهم نَهبا وهذا يحدُث فقط إذا ألقوا الضوء على شيء بسيط، وهو أنّه يجب عليهم أن يتوحّدوا، أن يكونوا يَدا واحدة أمامِ عدوّهم، أن لا يتفرقوا مهما حدَث ولا ينسوا قضيتَهم ولا يتغافَلوا عنها، أن لا يُهملوا أشجار الزّيتون التي باتوا ينتظرون ثِمارها تزهِر حينما كانوا أطفالا.

 

بل يجب أن يسعَوا ويتذكروا الدّرسَ الذي تعلّمناه جميعا مُنذ أن كنّا صِغار وهو أن الأب عندما جَلب لأولادِه مَجموعة من الخوصِ وأرادهُم أن يكسرِوه واحِدا واحِدا استطاع الأطفال أن يكسروه بكل سهولة لكن عِندما أعطاهم الكومَة مُجمّعة لم يستطِع أحد منهم أن يُثنيها حتى مُجرد ثنايا خفيفة. هذا وإن دلّ فإنّه يدلُ على أن يدّ الله مع الجمَاعة، وأن القوة لن تُهزم يوما ما دامَ يتخلَلها التعاون والأيدي الشجاعة الصارمِة التي تعرِف جيدا ما تُريده وتُدرك أي دلائِل من مكنونِها إرادَة العبَث وبسببِها يمكن أن يَنسى الإنسان أهدافه ويتخَبَط بين طُرق عديدَة ناسيا الطريق الذى قرّر أن يخوضَه كي ينتصِر ويأخذ حقوقِه المَسلوبَة.

 

فمُنذ الأونة الأخيرة ورأيت الشَعب الفَلسطيني بعضا مِنه وليس كُله ينحَاز إلى فِكرة المُسابقات والبرامِج الغنائية ويُشجعها ويُتابعها وأصبَح الداعِم الأكبَر لها لكن لو فكَر قليلا لوجَد أنّ من أحدَث هذه المُلهيات هو نفسِه الكيان الذى يضِع حياة الشعبَ بأسرِه تحت ضغط ومَهانة لذا عليكُم أن تخجَلوا من أن تترُكوا عَدّوكم يتَحكّم بِكم يُلغى عقولِكم بل يجب أن تنهَضوا وتجعلوا من كُل دقيقة هي الهَدف الأساسي لاستعادَة مجدِكم واستعادَة أرضِكم وأقصَاكم.

 

لا بُد أن يجزيَكم الله على شقائِكم هذا وإن لم يكُن في الدنيا فَسيكون حَتما بفضلِه في الأخرة. سيُجازيكم صبرَكم وتحملِكم وفقدِكم وانكسارِكم سيُجازيكم على كل لحظاتِ الألمِ والفَقد التي مرِرتم بها سُيطعمكم حلاوة الجنّة بدلا من كل مُر أجبِرتم عليه في الدُنيا

فمَهما حاولَت الدّول الأُخرى أن تَهتم بقضيّتكم وتُشعركم أنها بيدِها الحُلولِ وستُخلصكم يجب عليكم أنتم أن تبحَثوا عن مَخرج لكُم لأنّكم أنتم من بأعماقِ الجُرح أنتم من تَشعرون بِه ينزِف كل يوم وكل لحظة أنتم من تُعانون وتُقتلون وتُسلب أموالِكم وأراضيكُم وراحتِكم أنتم من تُسلب مِنكم حياتِكم لذلِك انهَضوا يا شعبَ فَلسطين توحَدوا وتعاونوا لا تتركوا العدّوِ يتربَص بكُم لا تسمَحوا له أن يكسِركم بل كونوا قوة لن تسمَح لأحدِ يوما أن يكسِرها وأنه مَهما حدث بِكم من ضعفِ ومذلّة إلا أن هُناك فُرصِ عديدة كي تَسعدوا كي تَهنئوا كي تَفرحوا بأعيادكُم وأنتم داخل أرضِكم جانِب أشجارِ الزّيتون هانِئون بِدفء الأسرة وبالمعنى الحقيقي للعيشَة الرّغدَة التي يملأها السّلام والأمان.

 

فمَهما ضاعَت فُرص لكى تتوَحدوا وتُناضلوا وتُنادوا بحقوقِكم إلا أن هُناك فُرص أكثر كي تستعيدوا كل صغيرة وكبيرة سُلبَت منكم بالإجبار كي تأخذوا حُقوق الدِماء التي سالت مِنكم وتَسيل كل يوم ولا تخافوا يوما من كَيدِ أعدائِكم لأن يدّ الجماعَة الله يُدعمها دائما يُيسر لها طريقها يفتَح لها أبواب مُغلقة يُنير لها طريق الحقّ مهما كان الطريق مُظلما وملبّدا بالأشواكِ والصِعاب فلا بُد أن يجزيَكم الله على شقائِكم هذا وإن لم يكُن في الدنيا فَسيكون حَتما بفضلِه في الأخرة.

 

سيُجازيكم صبرَكم وتحملِكم وفقدِكم وانكسارِكم سيُجازيكم على كل لحظاتِ الألمِ والفَقد التي مرِرتم بها سُيطعمكم حلاوة الجنّة بدلا من كل مُر أجبِرتم عليه في الدُنيا لكن طَالما أنتم بالحياةِ طَالما تستيقِظوا يوما وعيونِكم ترى القضيّة وعقولِكم واعيَة يجب عليكُم أن تتوحَدوا وتنهَضوا وتناضِلوا من أجل استعادَة كيانِكم وحقوقَكم ومن أجل الهدَف الأسمَى وهو أن فَلسطين التي باتت تَنزِف دمائِها وباتَت جُرحا لا يلتَئم تَجعلوها أنتم جُرحا طَاب وطابَت مسيرتُه وظلّ موعِظة ومَنهجا يسير عليه كُل مَسلوب حقّه على هذا الكونِ في كل زمانِ ومكان .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.