شعار قسم مدونات

هل الاختلاف جريمة؟

blogs ثورة ليبيا

قد يكون الاختلاف في الرأي لدى بعض المجتمعات المنفتحة فكريا هو شيء أساسيا تضمنه الأنظمة الديمقراطية، ولكن أختلف المعنى في مجتمعنا الليبي الذي يخوض حربا بين المضي قدما أو الرجوع خطوات إلى الخلف.

فإذا ما تحدثنا عن المجتمع الليبي فهنا ينقسم بين مجموعة صغيرة تؤمن باحترام تعدد الآراء والاختلاف وأخرى تقابلها ينساق خلفها بقية المجتمع والذي بات من السهل عليه جدا أن يخون ويطعن بل ويشكك في وطنية من يناقضونه الرأي ويختلفون معه وهذا ما نستدل به على الصراع السياسي القائم بين الأحزاب والجماعات السياسية والتي أصبحت تتهم خصومها الساسة وتخونها على شاشات التلفاز ناهيك عن حربهم الشعواء على شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت منبرا للقذف والسب..

كل هذا يدفعنا إلى التساؤل عما إذا كان يعي الليبيون معنى الحرية التي نادوا بها إبان ثورة 17 فبراير أم كانت شعارات لا تحمل معناها دفعت بها حماسة التغيير والأحاسيس الثورجية. ما تمخض من رحم الثورة الليبية من خلاف واختلاف بين مخرجاتها تحول إلى صراع وحرب عززه السلاح وانتشاره، لم يسلم هنا من قاد الثورة ومن قمعها وأمسى الاعتقال يطال كلاهما، فبالنظر لتوزيع مراكز القوى والمعسكرات السياسية المنقسمة في ليبيا ينكشف لنا أن أي معارض لتوجه المعسكر السياسي وهو متواجد ضمن حدوده الديموغرافية والجغرافية طاله التهديد أو الوعيد أو تصاعد الموقف للاعتقال والخطف وممارسة الانتهاكات وصلت بعضه حد الاغتيال فقط بسبب الاختلاف.
 

عند النزول للشارع لا يتحدث كثيرون عن آرائهم السياسية خوفا من أن تطالهم يد القمع وتكميم الأفواه وأصبح الرأي يكتب على منصة التواصل الاجتماعي خلف صورة واسم مستعار

قد يكون قمع الرأي المخالف هو تقليد متأصل من حقبة حكم الفرد التي ترعرعت عليها أجيال شاهدة على حكم العقيد الراحل معمر القذافي والذي وضع لحرية الرأي والتعبير خطوط حمراء تقطع رقبة كل من يتجاوزها وأرسى الاختلاف خيانة لا يسمح بها ولا يقبل بوجودها وتستعمل معها قوة السلاح لردمها، إذ طالت مواطنين كثر الانتهاكات الجسيمة بداً من حرق بيوتهم وتهجيرهم قصرا فقط بدافع أنهم أجهروا برأيهم ورفضوا الانصياع لإرادة السواد الأعظم ممن يتعايش معهم .

حتى عند النزول للشارع لا يتحدث كثيرون عن آرائهم السياسية خوفا من أن تطالهم يد القمع وتكميم الأفواه وأصبح الرأي يكتب على منصة التواصل الاجتماعي خلف صورة واسم مستعار حتى أنني رأيت أحدهم كتب على حائطه الفيسبوكي "لا حرية لشخص يضع اسمه الحقيقي وصورته" مما يشير إلى خوف متغلغل داخل المجتمع، بينما نجد في المقابل قلة تكتب بأكثر انفتاح وتوسع وتتكلم بقدر أكبر من الحرية مع الحفاظ على خطوط حمراء فرضتها مركزية القوى التي تتواجد بها هذه القلة. السابق يدفعنا للتساؤل هل فعلا جاءت الثورات لرفض القمع واحترام الاختلاف أم أن مجتمعاتنا العربية لا تقبل أن يخرج منها من يخالفها وينتقد واقعها؟
 

أصبح تعدد الآراء هو سخط يطال أصحابه إذ ما وجدو في المكان والزمن الخطأ ليرحلوا ضحية آرائهم السياسية تحت تهمة الخيانة والعمالة ويكونوا منبوذين مرفوضين من مجتمعهم المتقوقع في حدوده الفكرية المبنية على الرأي الواحد المتعصب

فعليا أرى أن الجانب المتأصل في أنظمة الحكم الشمولي خلفت عقب سقوطها أجيال مستعدة لرفض أي تغيير يطرأ على تركيباتها وأصبح من يخالف القبيلة ليس بابنها ومن يختلف مع الآخر فهو عدو له ليأخذ الاختلاف مضمون الصراع "يا أنا يا أنت" وكأن الارض لا تحمل إلا إحداهما، فبات من يختلف مع الآخر هو خائن قد يجوز قتله بعيداً عن لغة الحوار وصوت العقل والمنطق لان الحجة هنا ضعيفة والأسهل هو الاتهام بالخيانة ليكون مسلك القتل والخطف مشروعا تحت مظلة العداوة والكره والبغض ومثل ما قاله العقيد معمر القذافي من لا يحب معمر لا يستحق الحياة كدلالة واضحة أن الاختلاف والنقد مرفوضين.

وهنا نعيش هذه المخلفات ليكون التغيير في ليبيا عقب ثورتها سطحيا لم يطل مضمون الثورة وشعاراتها وأصبح تعدد الآراء هو سخط يطال أصحابه إذ ما وجدو في المكان والزمن الخطأ ليرحلوا ضحية آرائهم السياسية تحت تهمة الخيانة والعمالة ويكونوا منبوذين مرفوضين من مجتمعهم المتقوقع في حدوده الفكرية المبنية على الرأي الواحد المتعصب..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.