"أطفال القمر" في تونس والخروج من العتمة
خديجة بن الحاج حميدة-تونس
ورغم صعوبة المرض، فقد وجد المصابون به السند القوي من جمعية مساعدة أطفال القمر بتونس التي تأسست عام 2008 بمبادرة من عدد من أولياء هؤلاء الأطفال إلى جانب عدد من الأطباء، حيث كان لها الفضل الكبير في التعريف بمحنتهم والإشراف على تأطيرهم وتقديم يد المساعدة والعون لهم والدفاع عن مصالحهم.
مرض أطفال القمر، واسمه العلمي "التقرح الجلدي الاصطباغي" أو "زيروديرما بيغمنتوزم"، هو مرض وراثي نادر تم اكتشافه لأول مرة عام 1870 من طرف الدكتور موريتس كابوزي.
ويعاني حامله -وفق المختصين- من حساسية مفرطة من الأشعة فوق البنفسجية، سواء القادمة من الشمس أو من أنواع معينة من الفوانيس، حيث يولد الطفل بصحة جيدة دون أي علامات إصابة، ولكن فور تعريضه لأشعة الشمس تظهر عليه علامات المرض المتمثلة في احمرار مصحوب بجفاف في الجلد وعدم قدرة على رؤية الضوء.
ومع الاستمرار في التعرض للشمس ولو لمدد قليلة تظهر علامات أخرى كالبقع البيضاء وأخرى بنية تتكاثر في المناطق المعرضة للأشعة ما فوق البنفسجية، ومع مرور الزمان يظهر "سرطان الجلد"، ولا مجال لإيقاف تطور المرض إلا بالعيش في فضاء خال من الأشعة فوق البنفسجية والوقاية عبر ارتداء ملابس وأقنعة ونظارات واقية، إضافة إلى استعمال مراهم جلدية على كامل الجسد وإلا يكون مصير طفل القمر التشوه والوفاة.
أما عن معدل حياة المصابين بهذا المرض فتشير التقديرات إلى أنه لا يتجاوز 15 سنة في غياب الوقاية، وأما في ظل توفرها فيقترب من المعدلات الطبيعية.
بصيص على ضوء القمر
يقول أخصائي الأمراض الجلدية والفوطوبيولوجيا الرئيس الشرفي لجمعية مساعدة أطفال القمر بتونس الدكتور محمد الزغل إن الجمعية تتابع 465 حالة من مختلف جهات البلاد، تجاوز 30% منهم سن العشرين عاما.
ويشير الزغل في حديث للجزيرة نت إلى أن الجمعية توفر لأطفال القمر الأزياء والأقنعة الخاصة والمراهم الواقية من الشمس وأشرطة قاتمة لتغليف شبابيك غرفهم المعرضة مباشرة للشمس في بيوتهم، كما تعمل على تجهيز قاعات الدرس في مؤسساتهم التربوية التي يتعلمون فيها بما يلزم من مكملات حتى يجد طفل القمر الظروف المناسبة للدراسة، مشددا على أن جميع تلك الخدمات تقدم مجانا.
وتسهر الجمعية أيضا على توعية الأولياء بهذا المرض، وطرق الحماية منه والبحث عن سبل إدماج هؤلاء المرضى في مجتمعهم والسهر على راحتهم.
وبحسب محمد الزغل فإن الجمعية مواكبة عن كثب لمستجدات البحث العلمي في تونس وفي الخارج حول هذا المرض خصوصا والأمراض الوراثية عموما، منبها إلى أن كل تونسي هو حامل لما بين 25 و30 جينا معطبا، وأن هناك 30 ألف طفل معاق جراء الأمراض الوراثية، مرجعا السبب في ارتفاع هذا العدد إلى زواج الأقارب، مما يتوجب في رأيه وضع برنامج رسمي للتصدي للأمراض الوراثية والتوعية بمخاطرها.
خالد القربي، وهو أب لطفلين مصابين بهذا المرض ومن بين مؤسسي الجمعية، أشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذا الهيكل المجتمعي (الجمعية) لم يكن ليرى النور لولا الدوافع الذاتية التي حتمت ضرورة إيجاد جهة تدافع عن حقوق أطفال القمر وتعرّف بقضاياهم، مشيدا بالدور الذي اضطلعت به الجمعية لتوفير لوازم الوقاية وتوزيعها على مستحقيها، والقيام بالأنشطة الترفيهية والإدماجية للأطفال التي ما فتئت تنظمها، وبالدور المناط بعهدتها من أجل التفاوض مع الجهات الرسمية من وزارات ومجلس نواب الشعب ومنظمات حقوقية للتوعية بشواغل هذه الفئة وضمان أكثر ما يمكن من مكاسب لها.
أحلام أقوى من كل القيود
نادية الجربي شابة في الثامنة والعشرين من عمرها من مدينة منزل بوزلفة (بالشمال الشرقي للبلاد)، وهي من المصابين بهذا المرض، تشتغل حاليا حرفية في مجال الحلي التقليدية والصابون الطبيعي، لم يتسن لها ممارسة نشاطها الحرفي إلا بعد أن تعرفت على الجمعية سنة 2010 والتي مكنتها من وسائل الوقاية من الشمس ومن ورشات تدريبية وتكوينية.
وقد استطاعت بفضل دعم الجمعية أن تنشئ ورشتها الخاصة، كما تمكنت من التسجيل في معهد الموسيقى حيث درست العزف على آلتي البيانو والقيثارة، وتمارس أيضا الرياضة، وتقول في حديثها للجزيرة نت إنها فخورة بأنها تركت المرض خلفها وتعيش حياتها بكل إصرار على التفوق.
نادية تعتبر أن ورشتها هي عالمها الخاص الذي تمارس فيه شغفها بالعمل والعزف، وقد أنشأت في أحد أركانها مكتبة صغيرة للمطالعة. وتواظب على حضور الملتقى السنوي الذي تنظمه الجمعية، وتحرص من خلال مشاركاتها على نقل تجربتها الناجحة في التأقلم مع المرض والتعايش معه.
من ناحيتها تحدثت خلود القربي (26 سنة) من مدينة خنيس بالوسط الشرقي للبلاد، للجزيرة نت عن مرضها حيث أكدت أنها لم تتقبله في البداية وكان يشعرها بالوهن والضعف، إلا أنها مع الزمن استطاعت أن تتجاوزه بفضل عزيمتها الكبيرة وصبرها والسند العائلي الكامل لها.
وأشارت إلى أن شقيقها الأصغر خير الدين هو أيضا مصاب بهذا المرض، مما جعلها تسعى بكل قواها لتقديم صورة إيجابية له تبعث فيه روح التحدي.
وتحدثت خلود عن شغفها بكتابة الخواطر النثرية، بالإضافة إلى الرسم على الفخار والبلور حيث استفادت من الورشات التدريبية التي نظمتها الجمعية في مجال التزويق منذ العام 2010، مما أهلها لتطوير مهاراتها.
وتأمل خلود أن توسع أكثر من دائرة نشاطها الحرفي والأدبي، وأن تنشر مخطوطاتها النثرية في كتاب.