لقد هاجروا وهاجرنا، أما هجرتهم أزهرت عنها حضارة إسلامية امتدت ليومنا هذا، وهجرتنا أنستنا القضية، بعضنا من انسلخ عن أصله وباع الآخرة بعرض من الدنيا.
الجديد من الكاتب
تدفق المحتوى
في ليلة الوفاة كنت وحيدة في المنزل، وكان أبي في دمشق يقضي آخر ما تبقى له من ساعات العمر القليلة، لم أعلم بأن الوداع قريب جداً
لو كنت بيننا، ستختار الرفيق الأعلى كما اخترته سابقاً، لكنك لن تترك وراءك عظماء كما فعلت قديما، ستترك ثلّة من الآخرين، يطلبون اللحاق بك، وينتظرون يوماً تشخص فيه الأبصار.
تلك الخزانة التي تفوح منها رائحة قمصان أبي، وذاك ألبوم الصور الذي جمعنا يوماً، يدفن تحت الركام لأنه يحمل ذكرياتنا الجميلة، لا ذكريات سارقه، فهو لا يعود عليه بالربح.
أن أحافظ بجزء بسيط على تلك الوصفات التراثية، ومؤمنة حقاً بأن زعتر فلسطين، وعنب سوريا، وأرز النيل وثمار الوطن العربي، ما من أحد تذوقهم إلا وصار أسير تلك النكهة العربية.
وصلت العروس صالة انتظار الرحلة المتجهة إلى ألمانيا، تجر وراءها حقيبة سفرها التي لا تحوي إلا على حاجاتها البسيطة، على غرار بقية العرائس اللاتي يخرجن معهن سوق تجاري بأكمله!
يجلس في مسجد يقتات على ذكرى زوجته التي رحلت وطفولة ابنته ومسنّ لا يملك أصدقاء في رحلة الشقاء والنزوح سوى بضع عقاقير يحملها في جيبه، وقلبه العليل في صدره.
لم أَمَل بعد من خط حروفٍ لأمي ولن أمل ولو بعد مضي آلاف السنوات، رحيلها كان بمثابة قيامة مصغرة لي، ستبقى بطلة حكاياتي ومحور حديثي و تفكيري.
مهما عصفت بنا رياح الأيام من سوء يجب التطلع إلى الأفق البعيد المزدهي بألوان الطيف، وسط آهات الأطفال والنساء والمعتقلين، لنتذكر جميعنا أننا قصّرنا يوماً اتجاه أنفسنا.