الشريعة و الحياة / صورة عامة
الشريعة والحياة

فقه الخطأ

تتناول الحلقة الخطأ كظاهرة بشرية فطرية تبقى تذكر الإنسان بأن الكمال ليس من خصائص البشر بل إن كمال الإنسان في كونه يخطئ.

– تعريف الخطأ والذنب ومرجعية تحديد الخطأ
– موازين تقييم الخطأ وأهمية الاعتراف به

– مستويات ومراتب الأخطاء وكيفية التعامل معها

– مرجعية التصحيح ودور الهيئات الدينية

عثمان عثمان
عثمان عثمان
سلمان العودة
سلمان العودة

عثمان عثمان: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أهلا ومرحبا بكم مشاهدينا الكرام إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}[يوسف:97] ويقول عز من قائل أيضا {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[آل عمران:135] الخطأ ظاهرة بشرية فطرية تبقى تذكر الإنسان بأن الكمال ليس من خصائص البشر بل إن كمال الإنسان في كونه يخطئ ولكن كمال تكوينه لا يكتمل إلا بكمال عقله وكمال عقله بالاعتراف بالخطأ والسعي لإصلاحه ولهذا تميز عن باقي المخلوقات بالعقل الذي يزن الأمور، في هذه الحلقة مشاهدينا الكرام نناقش موضوعا شديد الأهمية وهو فقه الخطأ فمتى يكون الخطأ؟ وما فضيلة الاعتراف به؟ وما مستويات الخطأ؟ وكيف نصلحه؟ إذاً فقه الخطأ موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الشيخ الداعية الدكتور سلمان العودة المشرف على مؤسسة الإسلام اليوم، مرحبا بكم فضيلة الدكتور.


سلمان العودة: أهلا وسهلا ومرحبا.

تعريف الخطأ والذنب ومرجعية تحديد الخطأ


عثمان عثمان: بداية هل هناك فرق بين الخطأ والذنب؟ هل كل خطأ ذنب؟


سلمان العودة: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين. لا شك أن الحديث عن مفهوم الخطأ مهم في البداية ويمكن نعرف الخطأ باعتبار أن الخطأ هو نقيض الصواب هذا أقرب ما يكون في التعريف لأنه في مقابلة الصح أو الصواب يكون الخطأ فلذلك أقول إن الخطأ هو ارتكاب الإنسان ما يخالف الصواب فإن كان الأمر متعلقا بجوانب شرعية فهنا سوف يكون الخطأ مخالفة الكتاب أو السنة أو إجماع أهل العلم وإن كان الخطأ متعلقا بأمور الحياة العادية فسيكون الخطأ في مقابلة المصلحة، الخطأ أحيانا يطلق كما في الآية الكريمة التي تلوتها {قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} هنا يسمى الواحد خاطئا يعني ارتكب خطيئة والخطيئة درجة أعلى من الخطأ، إذاً هناك الخطأ وهناك الخطيئة، الخطأ ضد الصواب الخطأ ضد العمد أحيانا أيضا كما في قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً..}[النساء:92] يعني أنه لم يتعمد قتله قد يكون أراد أن يصيد صيدا فقتل إنسانا هذا يسمى قتل خطأ وفيه أحكام تختلف عن قتل العمد أو شبه العمد على تفصيل معروف عند الفقهاء، وهناك الخطأ الذي هو عمد أن يتعمد الإنسان فعل الخطأ فهذا أيضا قد يكون خطأ وقد يكون خطيئة، إذا كان شيئا شديدا عظيما فيرتقي من كونه خطأ إلى كونه خطيئة فضلا عن كونه من الأمور المقصودة، إذاً هذه كلها تعتبر أخطاء.


عثمان عثمان: يعني الخطأ إذا وقع فيما يخالف شرع الله عز وجل من كتاب أو سنة يعتبر خطيئة أو ذنبا.


سلمان العودة: أو يعتبر خطأ ولكن المقصود هنا أنه قد يكون الخطأ متعمدا وقد يكون غير متعمد وقد يكون ذنبا، بطبيعة الحال إذا كان الخطأ متعمدا فهو ذنب ولكن إذا كان الخطأ معناه شيء من غير قصد مثل قول الله سبحانه وتعالى {..رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا..}[البقرة:286] والنبي صلى الله عليه وسلم يعني قال إن الله تعالى قال قد فعلت يعني أنه عفا عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ولذلك إذا أخطأ الإنسان من غير تقصد فالحرج عنه مرفوع في هذه الحالة.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور طبعا يعني هناك آراء مختلفة ربما في القضايا الشرعية ربما هناك تفاوت بين حكم وآخر حسب آراء الفقهاء والعلماء، لو أردنا أن نعود إلى مرجعية الخطأ يعني ما الذي يحددها بالضبط؟


سلمان العودة: ممتاز يعني هو هذه نقطة مهمة جدا سواء في مرجعية الخطأ أو في تحديد مفهوم الخطأ، أنت في صدر حديثك تكلمت أن الخطأ هنا يعني شيء فطري شيء بشري يعني بغض النظر عن الخطأ يقع عند الإنسان مثلا في مخالفة شرعية هنا مثلا لما يكون الأمر متعلقا باختلاف العلماء على سبيل المثال لا يمكن أن أعبر أن هذا خطأ، لماذا؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام وإن كان عبر بأنه اجتهد فأخطأ ولكنه لم يحدد من المخطئ من المصيب وقال "إذا اجتهد فأخطأ فله أجر وإذا اجتهد فأصاب فله أجران" ولذلك يعني هنا كون الله سبحانه وتعالى يعطيه ثوابا على هذا الاجتهاد معناه أنه قام بطاعة وبعمل يثاب عليه هذا الإنسان.


عثمان عثمان: ولكن هل يجب أن نحمل المسلم على أن يلتزم يعني رأيا فقهيا معينا حتى ولو كان خطأ؟


سلمان العودة: لا، لا يلزم أن يلتزم رأيا فقهيا خاصا أو مذهبا خاصا، عند جمهور أهل العلم يعني أكثر أهل العلم يرون أن الإنسان يتحرى إما يتحرى بموجب الأدلة الشرعية أو يتحرى بموجب أن -إذا لم يكن قادرا على ذلك- أن يقتدي بمن يعتقد أنه أفقه وأعلم من علماء الفقه والشريعة والدين هذا فيما يتعلق بموضوع اختلاف الفقهاء واختلاف العلماء إذاً ما كان داخلا تحت الاختلاف السائغ الذي ليس اختلافا شاذا وليس مخالفا للقطعي من النصوص الشرعية وهو خلاف مأثور خالف فيه الأئمة السابقون وأخذ بأقوالهم بعض اللاحقين فهنا لا يمكن أن أصف القول الآخر بأنه خطأ ولذلك الشافعي رحمه الله كان يقول "قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل.." إذاً لم يقطع بأنه خطأ وأورد الاحتمال احتمال أن يكون قول الآخرين صوابا وأن يكون قولي هو الخطأ طبعا هذا فيما يتعلق بالجانب الفقهي في جانب الفروع. ولكن الحقيقة أنا أريد..


عثمان عثمان (مقاطعا): نعم يعني هذا ربما يكون حديثا طويلا ربما لا يتسع المجال لذكره هنا، فضيلة الدكتور لو عدنا إلى الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا فتستغفروا فيغفر الله لكم لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم" كما ذكرنا قد يكون الخطأ فطريا في الإنسان ولكن كيف يمكن لنا أن لا يكون هناك تطبيع مع هذا الخطأ، كيف يمكن لنا أن لا نبرر هذا الخطأ أو أن نعيش معه؟


سلمان العودة: دعنا نعالج النقطة الأولى أنا أعتقد أنها مهمة جدا مسألة أنه كون لو لم تذنبوا لذهب الله بكم والنصوص الشرعية كثيرة يعني الآية الكريمة التي سقتها أيضا {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ ..} يعني هذه حال المتقين ومع ذلك يقع أن يصدر من أحدهم هذا الذنب العظيم ولكنه لا يصر عليه ولكن يستغفر الله سبحانه وتعالى فيغفر الله تعالى له، كذلك الحديث المتفق عليه حديث أبي هريرة يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام "كتب على ابن آدم حظه من الزنا مدرك ذلك لا محالة" يعني لما تقرأ هذا الحديث يوحي بأن كل إنسان كتب عليه حظه وأنه سوف يدركه لا محالة لا مفر "فالعين تزني وزناها النظر والأذن تزني وزناها السمع واليد تزني وزناها اللمسة والبطش والفم يزني وزناه القبلة واللسان يزني وزناه الكلام والقلب يتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" آدم عليه الصلاة والسلام كانت بداية نزوله إلى الأرض هي نتيجة خطأ وقع منه لما أكل من الشجرة وقد نهاه الله تعالى عنها فأكل منها هو وزوجه أيضا فهنا آدم وحواء وقع منهما هذا الأمر {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ..}[الأعراف:23] إذاً وقع منهما الخطأ وبناء عليه ولسابق الحكمة من الله سبحانه وتعالى أمر الله تعالى بهبوطهم إلى الأرض ووجود الحياة على ظهر هذا الكوكب، هنا أريد أن أكرس أو أبين معنى مهم جدا وهو أن الخطأ هنا شيء ضروري يعني صحيح الأديان الرسالات السماوية الكتب السماوية كلها جاءت بالصواب وجاءت ترسم صورة يعني الصورة المثالية الحقيقية ولكنك تلاحظ أنه حتى في هذه الكتب السماوية وفي التعاليم أن هناك الحديث عن التوبة وفي الحديث عن العقوبة وفي حديث عن الاستغفار إذاً في إشارة إلى أن وإن كان الدين جاء يرسم الصورة المثالية إن صح التعبير إلا أن الله سبحانه وتعالى منزل هذا الدين وخالق هذا الإنسان يعلم أن الإنسان لا يمكن أن يبقى على هذه الصورة المثالية وأن الإنسان سوف يعني يهبط وسوف يعني ثقلة الطين سوف تؤثر عليه يوما من الأيام فيقع في الخطأ ولذلك يفتح له باب التوبة ويفتح له باب الاستغفار ولذلك الحياة البشرية لا يمكن تصورها بعيدا عن الخطأ، حتى في عهد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعني المجتمع المدني في عهد النبي عليه الصلاة والسلام يعني تقرأ فيه الرجل الذي شرب الخمر وجلد في الخمر وتقرأ فيه المرأة التي زنت تقرأ فيه البائع الذي عالج امرأة في أقصى المدينة تقرأ فيه صورة الرجل الذي غش في الطعام وقال عليه الصلاة والسلام "ما هذا يا صاحب الصبرة؟" قال يا رسول الله أصابته السماء قال "من غش فليس منا"، تقرأ فيه الصحابي..


عثمان عثمان (مقاطعا): هناك نماذج كثيرة حول..


سلمان العودة: (متابعا): حتى الصحابي الذي قام بتسريب سر من أسرار المسلمين إلى المشركين، في قائمة طويلة من هذه الأخطاء لا تعني أن المجتمع تحول إلى سلسلة أخطاء لا تعني أن علينا أن نكون واقعيين أو نكون متواضعين حينما نتصور الحياة الإنسانية أو حتى الحياة الإسلامية، أحيانا نتكلم نحن عن الدولة الإسلامية كمثال طيب هل نتصور أن الدولة الإسلامية التي في أذهاننا أو أن المجتمع الإسلامي الذي نحلم أن يكتمل يوما من الأيام سوف يكون عبارة عن مجتمع مثالي ما فيه أخطاء؟ هذا ليس صحيحا هذا خروج حتى عن النص الشرعي هذا هو الخطأ نفسه.

موازين تقييم الخطأ وأهمية الاعتراف به


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور طبعا يعني هناك الخطأ قبل وقوعه وهناك الخطأ بعد وقوعه، هل يكون التعامل مع الخطأ قبل وقوعه كما يكون بعد وقوعه؟


سلمان العودة: لا، هو لا شك أن هناك فرقا يعني أولا الخطأ قبل وقوع الخطأ يمكن للإنسان أن يدرأ وقوع الخطأ وقد يكون هناك الحاجة الماسة إلى الوقاية كما يقولون "الوقاية خير من العلاج" ولكن بعد وقوع الخطأ تكون الحاجة أحيانا ماسة إلى مساعدة الإنسان على النهوض يعني هدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنهم كانوا لا يأتون إلى الإنسان الذي عثر فيزيدونه إحباطا أو يأسا أو قنوطا وإنما هو بحاجة إلى اليد التي تمتد إليه لتنهضه وترفعه من عثرته وتشجعه على النهوض، ويمكن نقول قصة الرجل الذي قتل 99 نفسا ومع ذلك لما جاء إلى الرجل وقال من يحول بينك وبين التوبة؟ ففتح الأبواب، حتى يقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" ويقول "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" إذاً الخطأ قبل وقوعه يمكن تداركه ولكن بعد وقوعه هو أصبح قضاء وقدرا ولذلك لا يعالج بالاستسلام لقدر الخطأ وإنما قدر الخطأ يعالج بقدر التصحيح ويعالج بقدر الاستغفار ويعالج بقدر التوبة وفي الوقت ذاته مهمة المجتمع ومهمة المصلحين والعلماء هي أن يساعدوا هذا الإنسان الذي عثر على النهوض وأنه لا يستسلم لخطئه.


عثمان عثمان: يعني الخطأ ربما هو إلى حد ما طبيعة بشرية فطرية ولكن البعض ربما يرسم صورة مغالطة للحقيقة، البعض يرى أن الرجل دائما على حق والمرأة على خطأ، الكبير على حق والصغير على خطأ، كيف نضع الموازين في هذه القضية بالذات؟


سلمان العودة: سبحان الله يا أخي الآية التي تلوناها قبل قليل يعني كأن النصوص تحمل آدم الخطأ أكثر مما تحمله حواء يعني في القصة وكذلك يعني في السيرة قصة عمر رضي الله عنه لما كان على المنبر ونهى عن المغالاة في صدق النساء وحدد فاحتجت عليه امرأة بقول الله تعالى {..وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً ..}[النساء:20] فقال رضي الله عنه أخطأ عمر وأصابت امرأة وهو هنا قصد أنها امرأة يعني نكرة من عامة النساء لم يقصد عمر رضي الله عنه أنه غريب أن المرأة تصيب يعني ولكن قصده أن عمر الذي يظن الناس أنه أمير المؤمنين والفقيه والعالم يخطئ وتصحح له امرأة من الناس العاديين والقصة هذه وإن كان سندها فيه مقال ولكن صححها جمع من أهل العلم ولا يحتاج في مثل هذه القصة التوسع في موضوع الأسانيد. فأنا أقول إن الخطأ ليس له جنسية أن نقول إن الخطأ مثلا خاص بالرجل أو خاص بالمرأة مع أن الحقيقة مجتمعاتنا العربية والإسلامية في كثير من الأحيان تحمل الخطأ المرأة أكثر مما تحمل الرجل حتى يقولون مثلا أحيانا الرجل يحمل عيبه بجيبه يعني يرون أن الرجل كأن خطأه يقع مغفورا والأسر ربما تسامح الفتى إذا زل أو عثر أو انحرف بل قد تعطيه وتمد له مدا بينما يكون التعامل مع المرأة أحيانا بطريقة في شديد القسوة ونجد في مجتمعاتنا العربية ما يسمى بجرائم الشرف أحيانا التي قد تصل إلى حد القتل بشيء لم يأذن الله تبارك وتعالى به وأنا أعتقد أن القتل أعظم عند الله تعالى من الزنا وهذا لا شك فيه يعني بل إن القتل من أكبر الكبائر وأعظم الموبقات يعني والله تعالى قرنه بالشرك وذكره قبل الزنا فبعض الناس يعني يكون عندهم غيرة مفرطة ونتيجة لهذه الغيرة لا ينظر إلى عملية أن هذه المرأة مثلا أخطأت أو تعدت حدود الله ولكن ينظر إلى أن هذه المرأة هي أخته وأن هذا فيه إطاحة مثلا بالأسرة فيكون نتيجة لذلك اعتداء وتجاوز للحدود الشرعية ومبالغة في العقاب، مع أنه أنا أقول إن الأصل هو التساوي في العقوبات ولو أردنا أن نفضل أحدهما لكان أن نخفف عن المرأة فالشريعة جاءت بالتخفيف عن المرأة في الكثير من التكاليف الشرعية أكثر مما جاءت بالتخفيف عن الرجل وهذا أمر مشاهد مثلا المرأة أبيح لها أن تلبس الذهب وأبيح لها الحرير وأبيحت لها أحوال من التعامل والرفق بها كما في قصة عائشة مع النبي عليه الصلاة والسلام "اقدروا قدر الجارية الحديثة السن"، فأنا أقول الخطأ لا فرق فيه بين رجل وامرأة..


عثمان عثمان: لا جنسية له ولا هوية له بين الرجل والمرأة.


سلمان العودة: ولا هوية ويجب أن يكون الناس فيه على حد المساواة.


عثمان عثمان: نعم فضيلة الدكتور النفس البشرية مجبولة على أن تنكر أنها تخطئ أو أنها وقعت في مصيبة أو في ذنب معين، كيف ندفع هذه النفس البشرية إلى أن تصل إلى فضيلة الاعتراف بالخطأ؟


سلمان العودة: يا أخي هذه من أعظم الفضائل يعني آدم عليه الصلاة والسلام إنما نجا وزوجه بقولهم { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف:23] والخطأ لما نؤمن بأنه طبيعة وأنه يعني شوف المستوى النبوي "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم.." إذاً أنتم خلقتم بشرا تخطؤون وهكذا أراد الله تعالى وقضى وقدر في أصل خلقة الإنسان أن يخلق إنسانا يذنب ويمكن يكون هذا الذنب سببا في الحماية من ذنب أشد منه مثلما يقولون

شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ

من شر حاسدهم بعيب واحد

يمكن هذا الذنب الذي تقع فيه يكون سببا في أنك ما تقع في أكبر منه لأنك يعني تكون أسير هذا الذنب فتشعر بالخجل وتستغفر الله سبحانه وتعالى فلا تقع فيما هو أكبر منه ولذلك جاء في بعض الأحاديث "لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشد من ذلك وهو العجب" أن يدخل عليك الشيطان من منطلق أنه أنت إنسان كامل وكذا فيمكن يكون الخطأ سيف الله تبارك وتعالى أو سوط الله يعني على بعض عباده حتى يكونوا متواضعين وبعيدين عن الغطرسة وبعيدين عن الكبر، ولذلك أقول إن فضيلة الاعتراف بالخطأ هي من أعظم ميزات الإنسان وحتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يعلمون هذه الفضائل للناس ويدربونهم عليها أنه يعني كون الإنسان يعني النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صديق هذه الأمة وأفضلها بعد نبيها لما قال علمني دعاء أدعو به قال قل "اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا -لاحظ، ظلما كثيرا- وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" فهنا عملية الاعتراف، على الصعيد الفردي تجدنا في كثير من الأحيان الإنسان يراقب الآخرين..


عثمان عثمان (مقاطعا): نعم ربما هذا سنتطرق إليه في..


سلمان العودة: (متابعا): لا أقصد مراقبتهم في الخطأ لكنه ليس لديه القدرة على أنه يراقب نفسه ويكتشف أخطاءه، أنا مرة قلت لبعض الشباب قلت أحضر ورقة وقلما واكتب أخطاءك واحد اثنين ثلاثة عشرة إذا لم تجد فاكتب بالخط العريض أكبر أخطائي أنني لا أعرف أخطائي لأن الأخطاء موجودة ولكنك لم تفلح في اكتشافها. كذلك ما يتعلق بالاعتراف على صعيد أوسع يعني نحن نجد الآن من الثقافة العالمية أنك تجد رئيس وزراء أو رئيس دولة أو مسؤولا كبيرا أو وزيرا قد يظهر في الشاشة أمام الملايين من الناس ويعترف بأنه تهرب من الضريبة أو بأنه سرق أو بأنه أخذ شيئا من المال أو بأنه لم يؤد الأمانة حق أدائها ويقدم استقالته ويظل محتفظا بشخصيته بل تعتبر هذه محمدة لهذا المجتمع الذي ربى أفراده على هذا الاعتراف ولهذا الشخص الذي وجد الشجاعة قد يكون اضطر إلى ذلك اضطرارا.


عثمان عثمان: نعم فضيلة الدكتور ربما ذكرتم أكثر من جانب أن الإنسان ربما من آليات إحصاء خطئه أن يأتي بورقة ويسجل أخطاءه وإن لم يجد يقول هذا الخطأ الأكبر ولكن ما فائدة أن يبحث الإنسان عن أخطائه أن يكتشف هذه الأخطاء في تربية نفسه في المجتمع؟


سلمان العودة: يعني أعظم فائدة أولا هي التواضع، يمكن من أعظم عيوب مجتمعاتنا هي عملية الكبر واستشعار الإنسان بحجمه أكبر مما هو، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" هذا الحديث فيه حفز وحث على التواضع، أعظم دواء للكبر هو عملية مراقبة الإنسان لأخطائه حتى بينه وبين نفسه أن تكتشف عيوبك، الأمر الآخر أنه كما أن الخطأ قدر التصحيح قدر والرسل عليهم الصلاة والسلام بعثوا بالتصحيح يعني كيف يصحح الإنسان الخطأ إذا لم يكن مدركا له؟ يمكن يمكن يكون إنسانا مهووسا ومهموما بتصحيح الأخطاء الاجتماعية وأخطاء المجتمعات وأخطاء التاريخ بينما هو عاجز عن تصحيح خطئه هو، في كثير من الأحيان أقول للإنسان ضع نفسك أمام تحدي عندك خطأ معين عندك إدمان إدمان مثلا التدخين إدمان التسلل لمواقع إباحية إدمان الاتصالات الهاتفية الغرامية إدمان يعني أي خطأ من الأخطاء أو ذنب من الذنوب أنت تنساق إليه بحكم العادة بحكم سطوة هذا الإدمان عندك، طيب هناك جرب نفسك يعني أن تضعها أمام اختبار أما إذا عجزت فعليك حينئذ أن تدرك أنه حين تتعامل مع أخطاء الآخرين أيضا الآخرون عندهم نفس الذنب أو الخطأ الموجود عندك.


عثمان عثمان: طبعا الخطأ ليس مستوى واحدا إنما هو مستويات ومراتب، نتكلم عن هذه المستويات والمراتب إن شاء الله بعد وقفة قصيرة، فاصل قصير مشاهدينا الكرام ثم نعود وإياكم إلى متابعة هذه الحلقة فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

مستويات ومراتب الأخطاء وكيفية التعامل معها


عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان فقه الخطأ مع فضيلة الشيخ الداعية الدكتور سلمان العودة المشرف على مؤسسة الإسلام اليوم. فضيلة الدكتور الخطأ مستويات ومراتب هناك خطأ بحق النفس خطأ بحق المجتمع خطأ بحق الله خطأ بحق الأمة. لنبدأ بالخطأ بحق النفس يعني كيف يكون الخطأ بحق النفس؟


سلمان العودة: هو يعني بالنسبة للمستويات والمراتب يمكن ترتبها بنفس الطريقة التي رتبتها في حق النفس والمجتمع والأمة وفي حق الله سبحانه وتعالى ويمكن أنك ترتبها بطريقة أخرى بمعنى أنه مثلا تفاوت المستويات بحسب نوع الخطأ نوع العمل الذي يقوم به الإنسان..


عثمان عثمان: نوع الخطأ ونوع المخطئ حتى كمان.


سلمان العودة: إيه نوع المخطئ، عندك نوع الخطأ بالنسبة لطبيعة العمل يعني عندنا مثلا في الإسلام ما يسمى باللمم وهي الأشياء المقدمات البسيطة وهناك الصغائر ما يسمى الدروب الصغيرة وهناك الكبائر، هذه ثلاث مستويات عند أكثر أهل العلم والله سبحانه وتعالى قال {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اْللَّمَمَ..}[النجم:32] مثل النظر مثلا قل من يسلم منه بل لا يكاد يسلم منه أحد إلا أقل القليل ممن اصطفاهم الله تعالى واختارهم. هناك فوق ذلك الصغائر من الذنوب مثل الخلوة ومثل الملامسة وما أشبه ذلك وهناك الكبائر وهي الفواحش والموبقات التي عليها حدود وفيها وعيد مثلا أو فيها لعن أو ما أشبه ذلك فهذه مستويات يعني. عندك قضية الوقت الذي يفعل فيه مثلا رمضان أو.. يختلف عن سواه، عندك المكان مثلا يكون الخطأ في مكان..


عثمان عثمان: في مكان مقدس..


سلمان العودة: فاضل إيه كمكة المكرمة مثلا يختلف، عندك الشخص يعني كونك تخطئ في حق أبيك مثلا أو في حق ولدك أعظم من الخطأ في حق البعيد وكذلك الجار مثلا الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر الوعيد على من يزني بحليلة جاره مع أن الزنا كله كبيرة ولكن إذا كان للجار أو مثلا التحرش بالمحارم كما يسمى أو ما أشبه ذلك هذا يكون جرمه أشد وأعظم، كذلك الدافع للخطأ يؤثر في ضخامة الخطأ يعني ممكن واحد يخطي لأنه محتاج هذا آثم ولكنه أقل ممن يخطي لأنه يبحث عن الخطأ أو لأنه مستخف أو مستهتر، وقصة الصحابي رضي الله عنه حاطب لما اعتذر من النبي عليه الصلاة والسلام بأنه قال "أردت أن أتخذ عندهم يدا يدفع الله تعالى بها عن أهلي ومالي" هذا أيضا له حكم وله اعتبار. عندك البيئة أيضا، تأثير البيئة البيئة التي تشجع الإنسان على الاستقامة والتدين والمحافظة غير البيئة التي قد تحفز الإنسان على الوقوع في الخطأ، هنا تجد مثالا واضحا في موضوع مثلا الحجاب، بيئة تشجع الفتاة على الحجاب فتجد هذه الفتاة تتمرد يختلف هذا عن بيئة ربما تكون صعبة جدا والفتاة تحاول أن تتحجب بصورة أو بأخرى، فهذه كلها اعتبارات لها تأثير. وأيضا يمكن نقول إن الخطأ يمكن يتفاوت أيضا بحسب ما يقابله يعني لما يكون عند الإنسان..


عثمان عثمان: الضرر المترتب عليه.


سلمان العودة: الضرر بالضبط يعني هناك -وهذه هي النقطة التي قصدتها قبل قليل- يعني هناك خطأ قد يكون ضرره على الإنسان وهذا يسمونه يعني ضرره قاصر مقصور على الشخص ذاته، هذا أخف لكن هناك ما ضرره على المجتمع المحيط بالإنسان ولهذا مثلا في الحديث "كل أمتي معافاة إلا المجاهرين" وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملا في الليل ثم يصبح فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، يعني مثلا تسجيل الجريمة مثلا في صور فيديو توزيعها في اليوتيوب توزيعها في الإنترنت الجرائم التي تكون على الفضاء الجرائم المعلنة الحديث المستفيض عنها لأن هذا يسبب تلويثا للبيئة والتأثير عليها. هنا أريد أن أشير فقط نقطة أرجو ألا ننساها في الحلقة أنه نحن عندما نتكلم عن الخطأ كثيرا ما يتصور البعض أنه نحن نتكلم عن الأخطاء الأخلاقية، السلوكية كأن المفهوم انحصر في الأخطاء السلوكية أو الأخلاقية، هذا نعم جزء من الأخطاء لكن يجب أن يكون في روع كل مسلم ومسلمة أن الشريعة جاءت لتكرس أن الخطأ هنا قد يكون خطأ في حق الآخرين مثلا السرقة من أعظم الجرائم، أخذ المال بغير حق، العدوان على الناس، العدوان على الحقوق على حقوق الآخرين حقوق الصغار حقوق المرأة حقوق المجتمع حقوق المستضعفين، التخلف نفسه يعتبر خطأ، الجهل يعتبر خطأ..


عثمان عثمان (مقاطعا): هناك صور كثيرة فضيلة الدكتور..


سلمان العودة: (متابعا): الفقر يعتبر خطأ، الظلم في المجتمعات والتفاوت المفرط، إن هذه من أعظم الأخطاء التي جاءت الشريعة بدفعها وإصلاحها.


عثمان عثمان: كيف يمكن أن نتعامل مع أخطائنا؟ كيف يمكن أن نتعامل مع أخطاء الآخرين في ضوء كل ما ذكرتم؟


سلمان العودة: أولا هو التعامل يعني إدراك أن الخطأ جزء من الكينونة البشرية هذه قضية أحب أن يفقهها الناس جيدا لأننا في جو التصحيح وفي جو الإصلاح وفي جو الدعوة في الغالب ننسى أن الخطأ جزء من الطبيعة فإذا وجدنا شخصا مخطئا في الغالب أننا قد نشتد أو نقسو عليه، وأنا أتذكر على سبيل المثال الحديث الذي رواه البيهقي في قصة الشاب الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله ائذن لي في الزنا -يعني لاحظ كيف الخطأ هنا، في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام- فالعادة أنه مثلا الإنسان الذي ينشغل بالدعوة ويكون عنده يعني نوع من الجهد والوقار لو قيل مثل هذا الكلام في مجلسه ربما يغضب وينفعل ويقول اغرب قبحك الله ويطرده من مجلسه، الشيء الغريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم هنا قال له ادن مني، يعني بدل ما يقول له ابتعد عني أو اذهب من المجلس قال له ادن مني، فدنا حتى كان النبي عليه الصلاة والسلام يضع يده على صدره، أترضاه لأمك لأختك لابنتك لزوجتك؟ كل ذلك يقول لا، فيقول الرسول عليه الصلاة والسلام الناس كذلك لا يرضونه لنسائهم، ثم دعا له النبي عليه الصلاة والسلام إن الله تعالى يحصن فرجه ويطهر قلبه، فيقول دخلت وما شيء أحب إلي من الزنا وخرجت من النبي عليه الصلاة والسلام وما شيء أبغض إلي منه. فأعتقد أنه هنا عملية وجود انفصال داخل مجتمعاتنا بين من نسميهم أحيانا بالمتدينين أو بالملتزمين أو بالتجمعات الدينية وبين المجتمع العام المجتمع البسيط الذي قد ينطوي على كثير من المخالفات والأخطاء ولكن لما تقترب من هؤلاء الناس تجد عندهم تدين عندهم فطرة عندهم إيمان عندهم محافظة على الصلاة، قد ترى شابا يعني تظن أن هذا الإنسان بعيد عن العلاقة بالله سبحانه وتعالى فإذا جلست إلى جواره في الطائرة وجدت أنه بمجرد ما تقلع الطائرة يفتح المصحف ويجلس يقرأ، أحيانا تحتقر نفسك عند هؤلاء فعملية أن يعني نقسو على الناس الذين قد تكون مظاهرهم أخطاء مع أنه نلاحظ أن الخطأ قد يكون باطنا، ربنا سبحانه يقول {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ..}[الأنعام:120] فهناك الأخطاء أخطاء القلوب مثل الغل الحقد الحسد الكبر البغضاء المعاني القلبية الرديئة هذه ذنوب وجرائم وموبقات قد تكون أعظم من بعض الأخطاء المظهرية التي يراها الناس بعيونهم ولذلك يقول هذه نقطة مسألة يعني الرفق بالمخطئ، الرفق بالمخطئ لا يعني ترك التصحيح يعني أنه ينبغي.. حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، يعني تقدم له الكلمة الطيبة، الكلمة الطيبة صدقة وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على صعيد الفرد باللسان وباليد وبالقلب كل ذلك مما جاءت به الشريعة. أريد أن أقول هنا إن عملية التصحيح لا يجب أنها تحكم العلاقة بيننا بمعنى مثلا كلما قابلتك كنت أدخر لك نصيحة معينة كأنني أجعل الصواب لنفسي والخطأ لك وكأنني باستمرار أراقبك وأسجل عليك وأقدم لك الملاحظات، هذا ليس بجيد حتى أحيانا مثلا تجد إنسانا يأتيك يقول أنا أحبك في الله بعدما تسمع كلمة أنا أحبك في الله تنتظر ماذا بعد فيقول لكنني ألاحظ عليك كيت وكيت وكيت. فلا أحد يقبل أن تكون أنت دائما الأستاذ المصحح المعلم لك نوع من السلطوية وهو في موقع الخطأ وإنما ينبغي أن.. حتى النبي عليه الصلاة والسلام في مواقع عديدة يعني كان بعض الأخطاء يعني لا يباشر أصحابها يعني مثلا الرجل الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم..


عثمان عثمان (مقاطعا): يعني هنا السؤال متى مطلوب مني أنا كمسلم أن يعني أتتبع أخطاء معينة أن أكشف عن أخطاء معينة ومتى يجب علي أن أغض الطرف عن بعض الأخطاء؟


سلمان العودة: ممتاز، يعني في الحديث الذي ذكرته لك لما رأى النبي عليه الصلاة والسلام رجلا مغضبا شديد الغضب قال إني أعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه ما يجد، لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وفي حالات كثيرة جدا كان يقع بعض الزلل فالنبي عليه الصلاة والسلام يغض الطرف عنه مباشرة وقد يوكل أمر الإصلاح إلى غيره، إذاً هذا مرتبط بمدى القبول، ربنا سبحانه يقول {فَذَكِّرْ إِنْ نَّفَعَتِ اْلذِّكْرَى}[الأعلى:9] إن نفعت، يعني ليس المقصود بالتذكير أن أمارس سلطة على الآخرين وإنما المقصود أن أصل إلى صواب أن أصل إلى التصحيح فإذا يعني هنا إذا غلب على ظني أن هذا الشخص لن يتقبل مني لأي اعتبار، عنده موقف مسبق مني أو لأنه في حالة غضب شديد كما قال الإمام أحمد "قلما أغضبت رجلا فقبل منك" أو أنه في وضع نفسي لا يشجعه على التصحيح فهنا على الإنسان أن يعني يتدبر أمره كيف يمكن أن يوصل هذه الرسالة إلى الشخص. وكذلك في نقطة مهمة جدا، أنه فرق بين أن نصحح لهذا الشخص وهو يدري أنني حنون عليه وأنني أحبه وأنني أصحح له لأنني أحبه وبين أن يشعر بأن يعني القصة ليست كذلك وإنما في نوع من حض النفس في هذا التصحيح يعني النبي عليه الصلاة والسلام لما أمر بالستر "من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة"، شوف الآن مثلا في الإنترنت في المواقع الإلكترونية المختلفة صور فضائح أحيانا فضائح ليس أصحابها هم الذين وضعوها وإنما هناك من تسلل وتلصص وصور هذا الإنسان في وضعية معينة أو حتى قد تكون صورة مدبلجة ثم قام بوضعها وربما يتكلم عنها وإلى آخره يعني هذا الإنسان الذي يفضح الآخرين سيفضحه الله سبحانه وتعالى، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام يعني "إن من فضح أخيه المسلم فإن الله تعالى يتتبعه حتى يفضحه ولو في عقر بيته" فهنا عملية الستر على الذنب الستر على الخطأ والدعوة إلى التوبة وفتح أبواب الخير للناس وإذا رأيت هذا الإنسان لم يتقبل منك لا تتحول القصة إلى معركة بينك وبينه، من لم يتقبل تأتي تقول له أنت إنسان متمرد وأنت إنسان لا خير فيك، النبي عليه الصلاة والسلام ذكر قصة الرجل الإسرائيلي الذي قال والله لا يغفر الله لفلان، فقال النبي عليه الصلاة والسلام إن الله عز وجل قال من ذا الذي يتعالى علي ألا أغفر لفلان؟ قد غفرت له وأحبطت عملك. يعني هذا إنسان منكسر من الذنب فالله تعالى غفر له بينما هذا الإنسان مستكبر وكما يقال شايف حاله ولذلك الله تعالى أحبط عمله.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور طبعا تحدثنا في أخطاء النفس ربما في أخطاء المجتمع تجاه الآخرين ربما تطرقنا عرضا إلى الخطأ بحق الله عز وجل، ولكن ماذا عمن يخطئ بحق الأمة بشكل كامل كالخيانة العظمى كحمل السلاح كالفتنة، ما هو موقعه؟


سلمان العودة: يعني إذا كان الخطأ يعظم بحسب الضرر الذي يحدثه هذا الخطأ على الناس فلا شك أن الخطأ بحق المجتمع مثلا خيانة الأمانة الخطأ بحق الأمة كلها بحسب مسؤولية الإنسان يعني كون الإنسان مثلا له تأثير اقتصادي أو إعلامي أو سياسي هنا هذا الإنسان يعني الجريمة لا تقتصر على يعني أحد دون أحد وإنما هي تعم الأمة كلها ولذلك يعني مسألة نشر الانحرافات، الفجور الأخلاقي حتى الفجور العقدي والفكري الذي يترتب عليه أن كثيرا من الشباب والفتيات ربما يصبح عندهم انفصال عن جسد الأمة بسبب هذه المؤثرات التي توجه إليهم لا شك أن هذا يعتبر من أعظم ألوان الأخطاء والجرائم ولذلك حتى الإنسان مثلا إذا تاب تاب الله عليه ولكن إذا كان هذا الإنسان ربما ترتب على ذلك أنه أخذ أموال الملايين من الناس مثلا بطبيعة الحال يجب عليه أن يعيد هذه الأموال لأصحابها لأن هذا من التوبة من أصل التوبة أن يرد الحقوق لأصحابها، الله تعالى قد يغفر الذنب المتعلق بعلاقة العبد بينه وبين ربه ولكن إذا كان الذنب له طرف متعلق بحقوق الناس سواء كان حقا ماليا بالعدوان على أموالهم أو حقا سياسيا بالعدوان على حقوقهم السياسية أو حقا أخلاقيا بالكلام في أعراضهم أو ما أشبه ذلك فهنا لا بد للإنسان أن يحاول أن يصلح مع بينه وبين الناس ولكن..


عثمان عثمان (مقاطعا): ولكن هناك أخطاء فضيلة الدكتور..


سلمان العودة: (متابعا): فإذا كان هذا الإنسان قد أخرب الآلاف من الناس كيف يصلحهم يعني.


عثمان عثمان: هناك أخطاء ربما لا يمكن إصلاحها ربما لا يمكن التعويض عليها ربما قد خطأ ما يتسبب في منع إنسان أو طرد إنسان من وظيفته ربما خطأ ما قد يودي بحياة إنسان ربما خطأ قد يرتكبه إنسان يؤدي إلى هدم أسرة بكاملها.


سلمان العودة: يعني يذكر في التاريخ أن رجاء بن حي وكان جالسا عند عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فجاء رجل وقال يا أمير المؤمنين إن فلانا.. أو عند سليمان بن عبد الملك، إن فلانا قال كذا وقال كذا وقال كذا وذكر تقريرا ضد شخص معين وإن رجاء بن حي عنده خبر وعنده معرفة، فسأل الأمير سأل رجاء هل ما قاله هذا الواشي صحيح؟ قال لا يا أمير المؤمنين ليس بصحيح، فقام الخليفة على هذا الراوي الناقل وجلده عشرين أو ثلاثين سوطا فكان هذا الرجل إذا لقي رجاء بن حي وقال يا رجاء أنت رجل يستسقى بك المطر من السماء رجل صالح ومع ذلك في ظهري ثلاثين سوطا بغير حق لأنك تعرف أن هذه المعلومة صحيحة التي قلت، فكان يقول له رجاء بن حي وثلاثون سوطا في ظهرك أفضل من أن تلقى الله تعالى يوم القيامة بدم مسلم. عملية التقارير الآن تقارير أمنية تقارير استخباراتية تقارير سرية مجتمعات يشيع فيها الحقد والتنافس غير الشريف فيصبح الإنسان ليست مهمته أن ينجح في الحياة لكن أن يعوق نجاح الآخرين فيحاول أن يحول بينهم وبين النجاح أو الثقة من خلال الوشاية بهم والتقارير المغرضة والأخبار الكاذبة هذه من أعظم الذنب والجرم ويعني يوم القيامة يوقف هذا الإنسان أمام البشر حتى يخرج مما قال وهو في ردغة الخبال كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.

مرجعية التصحيح ودور الهيئات الدينية


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور هل هناك مجموعات أو أشخاص أو مؤسسات أو حركات إسلامية أو هيئات دينية هي بموقع أن تنظر على الناس هي مفوضة بالحكم على الناس دون غيرها أم أن الأمر ليس بهذه الصورة؟


سلمان العودة: لا، هو المعيار والمرجع كما قلنا المرجع الكتاب الكريم والسنة النبوية الصحيحة أيضا والإجماع العلماء والأقوال المعتبرة عند أهل العلم هذه من حيث الجانب النظري أما من الناحية العملية فنحن نجد أن النبي عليه الصلاة والسلام نفسه كان يستمع إلى الصحابة، الرجل الذي قال أوجعتني يا رسول الله فاعقدني فالنبي عليه الصلاة والسلام عقاده والرجل الذي قال اعدل يا محمد مع أنه يعني لا شك أنه ارتكب شيئا عظيما بوصم النبي عليه الصلاة والسلام بالعدل، قال ويحك من يعدل إذا لم أعدل؟ والذي قال هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، لم تجد أن النبي عليه الصلاة والسلام يعني تجاوز أنه يقول "رحم الله أخي موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر"، قصة الحباب بن المنذر في معركة بدر وأنهم يغورون المياه ويقفون عند آخرها كما في كتب السيرة النبوية. الخلفاء الراشدون، العلماء رضي الله عنهم وأرضاهم عبر التاريخ كله لم يكن لهم عصمة خلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، حتى الصحابة الراجح أنه ليس لهم عصمة وإنما الحجة في إجماعهم فإذا أجمعوا فإجماعهم حجة وإذا اختلفوا فاختلافهم رحمة كما يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه. ولذلك أقول مثلما ينبغي أن ندرك أن الحاكم يستدرك عليه ويصحح والتاجر والإعلامي والوزير والمسؤول كذلك أعتقد أن الفقيه والعالم والداعية والخطيب والأب والمعلم كل هؤلاء ينبغي أن يدركوا أنهم ليسوا هم يصححون للناس ويتلقون تسديدا إلهيا يمنعهم من الوقوع في الخطأ أو إلهاما أو عصمة، لا، هم أيضا عرضة للخطأ ولهذا كل واحد منا هو يصحح للآخرين والآخرون يصححون له، وقد تستطيع أن تجد من يصحح لك ممن هو أقل منك قدرا وأقل منك علما بل قد يكون من الناس البسطاء العاديين تخرج منه كلمة يقال "خذوها من غير فقيه" تكون هذه الكلمة تعديلا أو تصويبا لمسار عالم من العلماء، أعتقد أن هنا عملية الكبر والتواضع وأن الإنسان عليه أن يقبل التصحيح من الآخرين. وهذا الكلام نقوله أيضا فيما يتعلق مثلما تفضلت في سؤالك المؤسسات إن صح التعبير المؤسسات الإسلامية الجماعات الإسلامية هنا عليها أن تضرب المثل في الاستعداد للمراجعة الاستعداد للتصحيح مراجعة المناهج مراجعة المواقف مراجعة الخطوات، المراجعة هنا قد تكون مراجعة شرعية بمعنى أن نعرف مدى تطابق ما نطرحه مع الشريعة وقواعد الشريعة ومقاصد الشريعة وقد تكون مراجعة واقعية بمعنى أن يكون لدينا القدرة على قراءة نتائج تصرفاتنا وأعمالنا وهل كانت النتائج إيجابية تماما أو فيها جانب سلبي لأن بعض الناس أحيانا يقول مثلا أعمل والنتيجة على الله، أقول هذه الفكرة قد تجعل كثيرا من الناس يتهرب من مراجعة نفسه ويصر على الخطأ ويرتكب الخطأ ألف مرة لأنه يعني يقول أنا أعمل والنتيجة على الله، بينما يبدو أن المشكلة في عملك نفسه يعني هذا العمل ليس له عصمة، قد يكون لم يراع الزمان أو لم يراع المكان أو اعتبارات معينة، الإمكان والقدرة المتاحة الآن، فأعتقد أن عملية التصويب المستمرة هذه من أعظم الضمانات ومن أعظم الحرص على مستقبل الأمة. الآن نحن في وضع إسلامي وعربي بإزاء مثلا تحديات دولية وتحديات إقليمية وأخطار داخلية الأمة العربية والإسلامية تعاني من نقص شديد جدا في القدرة والإمكان، إذا لم يكن لدينا هذه الروح السامية في أننا نبدأ بتصحيح أنفسنا ومراجعة مواقفنا وتصويبها، كذلك المؤسسات اللي قد تكون رسمية ولو كانت دينية مثلا مؤسسات القضاء أو مؤسسات الحسبة في أكثر من بلد إسلامي أو قل مؤسسات الشرط مثلا، الأمن، غيرها كل هذه الأجهزة مع جلالة قدرها والدور الضخم الذي تقوم به إلا أنني أعتقد أنه يجب أن يكون هناك ثقافة اجتماعية تسمح ليس بتبادل الذم ولا بالإطاحة بالجهود ولا بالتشفي والانتقام ولكن تسمح بأن ندرك أن هذه المؤسسات هي ملكية للمجتمع وأن المجتمع ذاته ينبغي أن يتعاطى فيها بروح المناقشة وبروح التصويب وبروح النقد. الآن في الكثير من المجتمعات العالمية حينما تقع مشكلة اليوم في الصباح دعنا نقل مثلا مشكلة سرقة السيارات أو حرائق كما نلاحظ مثلا في بعض البلاد أو غيرها في المساء تجد أن جميع وسائل الإعلام مستنفرة للحديث عن هذه الظاهرة ومعالجتها ومناقشتها واستضافة المختصين في كل مجال والكل يشارك والكل يدلي بدلوه بينما في كثير من الأحيان تجد في عالمنا الإسلامي هناك عملية التكتم على الأشياء وكأننا ندعي كمالا وهميا حتى أنك لما تبحث مثلا عن نسبة المصابين بأمراض الإيدز أو نسبة يعني مدمني المخدرات في كثير من البلاد الإسلامية لا تجد إحصائيات دقيقة، لماذا؟ لأننا نحاول أن ندفن هذه الأشياء أو ندفن رؤوسنا في الرمال وكأننا نرى أن هذا خطأ لا يليق أن نتكلم عنه في مجتمعاتنا.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور طبعا الحديث في هذا المجال ربما يطول، ماذا عن الأخطاء الكبيرة التي ترتكب بحق الأمة؟ ماذا عن الأخطاء السياسية التي ربما تكون دمارا لهذه الأمة؟ كيف يمكن لعامة الناس أن يتعاملوا مع هذه الأخطاء الكبيرة كيف يمكن للعلماء للمثقفين أن يتعاملوا مع هذه الأخطاء خاصة إذا صدرت من مؤسسات كبرى وعليا؟


سلمان العودة: هو لا شك أن الذي يقوم بالدور السياسي المباشر هو في الواقع ممثل للأمة كلها في حقيقة الأمر، المواقف لا تعنيه هو وهو لا يعبر عن نفسه ولا عن أسرته ولا عن موقفه الشخصي، هو يعبر في الواقع عن موقع الأمة الإسلامية. الأمة الإسلامية لها ثوابت لها تاريخ لها مقدسات لها قيم تتعلق بالحياة لها قضايا مثل قضية فلسطين مثلا وهي من أعظم القضايا أو أي قضية أخرى في بلد إسلامي كما نشاهد مثلا في العراق في الصومال في أفغانستان في بلاد إسلامية كثيرة قضايا التنمية قضايا التسريح قضايا العدالة الاجتماعية فأعتقد أن الحاكم سواء كان فردا أو مؤسسة أو حزبا هو في الواقع يمثل هذه الأمة والأمة يفترض أن لها شراكة في هذه العملية من خلال يعني تأييد هذا الحاكم أو منحه الصوت أو عدم تأييده ولذلك فمن الخطورة بمكان أن يكون هناك انفصال، أعتقد أن هذه أخطر قضية تواجه الأمة أن يكون هناك انفصال بين السلطات الحاكمة وبين الشعوب، أن تكون الشعوب في واد والحكومات في واد آخر، ليس هناك ثقة متبادلة، الحاكم يخاف من شعبه والشعب أيضا لا يثق بالحاكم وقد يتهمه بأمور كثيرة جدا، عملية أن تكون هناك جسور قائمة أن يكون هناك تواصل أن يكون هناك استماع أن تكون هناك مشاركة، المشاركة قد تكون بأنماط كثيرة جدا مشاركة الناس في الرأي والقرار في أمور الحياة المختلفة.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور ما الموقف ممن يصر على الخطأ؟ وفي أقل من دقيقتين.


سلمان العودة: الله سبحانه يقول {..وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَاْ فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران:135] يعني الإصرار على الخطأ هو تعبير عن رفض التصحيح وتعبير عن الفشل وأعتقد أن هنا علينا أن نبحث لماذا يصر الإنسان على الخطأ، قد يصر لجهله فهنا نساعد على رفع الجهل، في غالب الأحيان قد يصر الإنسان على الخطأ لوضع نفسه، والواقع أن من التجارب التي عايشتها أن كثيرا من المصححين ينسون أنهم يتكلمون مع إنسان، اقرأ سيرة هذا الإنسان ستجد أن عنده مشكلات وتاريخ ويتم واغتصاب واعتداء وقضايا خفية لو عرفتها ربما عذرته فإذا استطعت أنك تستوعب هذا الإنسان وتتعرف على دخيلته وتقترب منه بصورة حميمية ستجده يبوح لك ليس بالخطأ الذي تحاول تصحيحه بل بأخطاء كثيرة جدا سوف تكون أنت عونا له بعد الله سبحانه وتعالى على تصويبها وتصحيحها.


عثمان عثمان: في ختام هذه الحلقة لا يسعنا إلا أن نشكركم فضيلة الشيخ الدكتور سلمان العودة على هذه الإفاضة الطيبة وعلى حضوركم معنا في هذه الحلقة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العمل وهذا عثمان عثمان يحييكم، دمتم بأمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.