فلسطين تحت المجهر

حكايات من انتفاضة الحجارة ج2

سلطت الحلقة الضوء على كفاح الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، مع دخول الانتفاضة عامها الثاني وتطور وسائل النضال والمقاومة.

شكلت سلسلة من الأحداث الشعلة التي أطلقت الانتفاضة الأولى (١٩٨٧-١٩٩٣)  للتحرر من الاحتلال الإسرائيلي. وشارك في المقاومة الشعبية رجال ونساء من كافة الأعمار، فخرجت مسيرات جماهيرية ضخمة، وواجه المتظاهرون الجنود بالحجارة، ونـُظمت حملات المقاطعة والعصيان المدني، مما أسهم في فضح الاحتلال الإسرائيلي أمام الرأي العام الدولي.

لعبت الأحزاب السياسية دوراً مركزياً في توجيه الانتفاضة، لكن القسم الأكبر من الزخم كان شعبياً بامتياز، إذ وضع الفلسطينيون أنفسهم نساء ورجالاً وأطفالاً على المحك مع المحتل الإسرائيلي لاسترجاع أرضهم وحقهم المسلوب.

عام ١٩٨٨ كنتُ صحفية مبتدئة، وقضيت ليالي طويلة أجمع وأوثق صور الأشعة لضحايا سياسة كسر العظام الإسرائيلية. وشريكي في إنتاج الفيلم، جورج عازر، قام بالتقاط آلاف الصور في فلسطين على مدار السنتين الأوليين من الانتفاضة، لتصبح فيما بعد بوصلة الفيلم والإطار الذي روينا من خلاله حكايات الناس العاديين الذين نسيت قصصهم مع الزمن.

من أكثر المواقف تأثيراً خلال إعدادنا للفيلم كانت تلك اللحظات التي جمعتنا مع الأشخاص الذين كان جورج قد التقط صورهم في الانتفاضة. معظمهم لم يكن قد اطلع على هذه الصور، ولم يدرك أنه جزء من أرشيف الانتفاضة إلى أن قابلناه. لكن العديد منهم رفض الظهور في الفيلم وسرد دوره في المقاومة قبل ثلاثين عاماً، خوفا من أن يتعرض للملاحقة من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فالاحتلال الإسرائيلي ما زال جاثما على فلسطين.

لم تتوقف سياسات السلب والقتل والاعتقال الإسرائيلية في الضفة الغربية، وفي حين أن الوضع في غزة ليس أقل سوءاً جراء الحصار المفروض على القطاع، إلا أن غياب السيطرة العسكرية الإسرائيلية مكنت ضيوفنا الفلسطينيين في قطاع غزة من الحديث للكاميرا بحرية أكبر.

وكان من الذين شاركونا قصصهم وذاكرتهم، أم علاء مطر من قرية بيتا في الضفة الغربية، ويعتبرها الفلسطينيون رمزاً للبطولة خلال الانتفاضة، عندما رفعت العلم الفلسطيني عالياً عام ١٩٨٨. أما عزيزة ضاهر من مخيم جباليا في قطاع غزة، فكانت في المستشفى الذي استقبل أوائل الشهداء والجرحى في ديسمبر/كانون الأول ١٩٨٧. كما قابلنا أم الشهيدة سحر الجرمي -أول شهيدة في الضفة الغربية في الانتفاضة- فكان لها حصة في الفيلم. فالشهيدة سحر حية في صورها التي زينت زوايا منزل عائلتها.

أبهرتني قصص عائلات الشهداء الذين قابلتهم بعد ثلاثين عاماً، وهم بعضٌ من ألفي شهيد وشهيدة خلال الانتفاضة الأولى. في بعض الحالات، كنا نعثر على ذوي الشهيد، لكننا نتفاجأ بأنه ليس لديهم أي صور لفقيدهم. أحياناً، كنا نجد صورة واحدة فقط للشهيد، فقمنا بنسخها على الفور كي تكتمل القصة.

صورة انتصار العطار ابنة دير البلح التي استشهدت في ساحة مدرستها وعمرها سبعة عشر عاماً، برصاصة في الظهر أطلقها مستوطن إسرائيلي، قبل أسابيع من اندلاع الانتفاضة عام 1987، ستبقى بعد هذه الحلقات من برنامج فلسطين تحت المجهر محفورة في أذهاننا للأبد، إلى جانب العديد من قصص الذين قتلوا بدم بارد، وآخرين ضحوا بحياتهم من أجل استرجاع حقوقهم وأرضهم المغتصبة، لهم أهدي هذا العمل "حكايات من انتفاضة الحجارة" بجزأيه.

 المخرجة: مريم شاهين